Friday, 28/07/2017, 2:56
قبل الدخول في لب الموضوع أود العودة إلى الماضي القريب حيث أن هذا الماضي هو الأساس والفيصل في طرح القضية التي هي قيد البحث ألا وهي قرار إجراء الاستفتاء في كردستان من اجل الاستقلال.
انه ومنذ انتفاضة 1991 لم تبادر السلطة السياسية في كردستان بطرح هذا الموضوع بجدية أو بصراحة إلا الآن، بل أن الفرصة كانت مواتية في ذلك الحين حيث أن الدولة العراقية كانت قد سجت قواتها وإدارتها من أكثر من نصف مساحة كردستان وعملها هذا إن دل على شيء فإنما يدل على معرفتها المسبقة بان كردستان ليست عراقية وإنما هي ارض محتلة ومغتصبة وإلا هل هناك دولة تنسحب طوعا من أراضيها؟! انه وبدلا من الشروع في إرساء دعائم الاستقلال فقد نادوا وبحزم بأنهم لا يريدون الانفصال وإنما هم عراقيون وان كردستان هي جزء من العراق وفي نفس الوقت كانوا يرددون بان كردستان قد أصبحت حرة! فإذا كانت حرة فمعنى ذلك أنها قد تحررت من الاحتلال العراقي فكيف تقولون بأنها جزء من العراق؟! كما أن نصف مساحتها كانت لا تزال تحت نير الحكومة العراقية أي تحت الاضطهاد اليومي المباشر وخاصة بعد الانتفاضة. فهل كان ذلك سذاجة منطقية أم حماقة سياسية أم الاثنتين معا؟! والانكى من ذلك أنهم كانوا لا يفتئون يكررون موقفهم المخزي هذا بمناسبة أو بدون مناسبة من أنهم يحافظون على وحدة العراق وكانوا يطلقون على النظام ألبعثي اسم الحكومة المركزية ويبيعون جرائده في جميع أنحاء كردستان! بل أنهم لم يريدوا ولم يرغبوا في تحرير بقية الأرض الكردستانية أبدا وتحولوا إلى حمامات سلام بين ليلة وضحاها! وكان الجيش العراقي في اضعف حالة والجندي العراقي لم يكن يملك حذاءا عسكريا ليلبسه! ولكن هم يحاربون العراق عندما يكون قويا بل قويا جدا ويأتون بالجيش الإيراني مرات عديدة مثنى وثلاث ورباع! هذا كان دينهم وديدنهم إلى 2003 عندما جاء الأمريكان وكنسوا البعث وحولوا الدولة العراقية إلى شبه ركام! ومع ذلك لم يحصل الكرد على شيء يُذكر وإنما مُنحوا ما كان البعث قد منحهم في 1974 أي اربيل والسليمانية ودهوك مع كتابة المادة 140 من اجل حل المشكلة والتي أطلقوا عليها المناطق المتنازع عليها من دون شعور بالذنب ولا بالعار فكيف بالإنسان أن يضع أرضه التاريخية في المزاد العلني وأمام دولة مجرمة بحق كردستان وشعبها كعراق العروبة والإسلام!
في 2003 كرروا الحماقة ذاتها ونسوا كردستان وعادوا مرة أخرى إلى الصف الوطني وهم يشعرون بالزهو والبحبوحة وكأنهم عادوا إلى ارض الميعاد بل إلى جنات تجري من تحتها الأنهار! فعلوا ذلك من دون شرط أو قيد وبرغبة عارمة مفعمة بالجد والإخلاص! ذهبوا وما ذهبوا إلا من اجل المال والمنصب والجاه فليس في بغداد للكرد إلا ذاك والى حين معيّن وحسب! ومنذ ذلك الحين لم يكن هناك غير الكر والفر بين بغداد واربيل وكأننا نعيش عصر القبيلة والعشيرة بل وأصحاب الفيل!
أما اليوم فيبدو أن دماء الغيرة والشجاعة والإرادة قد دبت في عروق البعض من الساسة فنادوا بالاستفتاء من اجل الاستقلال وتم تحويل هذا الهدف النبيل والغاية الحقيقية من نضال شعب كردستان إلى شبه نكرة. فقد بدأت الأصوات بمعارضة الفكرة من أساسها من بعض الكرد المخلصين حقا ومن الأحزاب التي لا تؤمن أساسا بالاستقلال. فالأفراد المخلصين ينطلقون في موقفهم المعارض من الشك والريبة في المقدمين على هذا المشروع كما يشيرون إلى الفساد والاستبداد والمشاكل التي تكدست من وراء الحكم الفاشل في كردستان وهم على حق في ذلك ولكنهم ليسوا كذلك من ناحية أخرى ألا هي أن التحرر القومي لا يمكن أن يتم ربطه بالمشاكل الداخلية وان كانت بحجم جبل حمرين! فالتحرر القومي شيء وإصلاح النظام السياسي القائم شيء آخر تماما. علينا أن نفهم بان الأولويات هي التي في المقدمة وليست الأمور الأخرى وان كانت هذه الأخيرة ذات أهمية كبرى. فالتحرر القومي من الأجنبي يأتي أولا ثم التحرر السياسي والاجتماعي والفكري. لا أتصور انه وفي حالة كردستان – بل وفي حالة جميع الأوطان المحتلة تقريبا – أن يسبق التحرر السياسي التحرر القومي. فلنتخلص أولا من العدو الخارجي وعندئذٍ تهون المشكلة. أما الذين هم يعارضون الاستفتاء من الأحزاب فهؤلاء مترددون ومتذبذبون وخائفون وجبناء ولم يكن الاستقلال يوما من أهدافهم بل هم مستعدون أن يذهبوا إلى بغداد ليعادوا الأحزاب الأخرى التي تنادي بالاستفتاء. كما أنهم مرتبطون بإيران ويأتمرون بأمرها فيا للتعاسة! لا أنسى أبدا الملا بختيار وهو يصرح من طهران بان من يعادي إيران فانه عدو لنا! هل هناك حزب في العالم يسلك هذا السلوك الشاذ وكيف لحزب ما أن تكون له علاقات سياسية مع دولة ما إن لم تكن هذه العلاقة مشبوهة بل وتُعتبر خيانة لو كان هذا الحزب موجودا في دولة يحكمها القانون والدستور.
لقد تم إصدار قرار إجراء الاستفتاء في 25 من أيلول هذا العام والمهم في هذا الأمر أن يكون الاستفتاء من اجل إعلان الاستقلال بعد الإجراء مباشرة وإلا فمن الأفضل عدم إجراءه أصلا. إما إذا كان الأمر مجرد تكتيكا للضغط على بغداد أو للاستهلاك المحلي كما يقول البعض، فان علينا أن لا نسبق الأحداث لان الأمر لو بدا انه كذلك فان الحقيقة ستطفو على السطح وتنكشف الوجوه المزيّفة والخائنة ويكون العار هو المصير! فالاستقلال لا يتحمل أبدا الاهانة والاستغلال من أي كائن ما كان لأنه قضية شرف وكرامة للوطن والإنسان على حد سواء. علينا أن نفهم ونعي جيدا بان الكرد من دون دولة ليسوا سوى سكان الخيام القائمة على ارض لا يملكونها بل لا يمتلكون حتى حق التصرف فيها وان شعبا له أرضه التاريخية ولا يريد الاستقلال فانه شعب لا يستحق الحرية ولا حتى العيش فما بالك بالعيش بكرامة وشرف وفخر واعتزاز! علينا أن نعي ونعلم بأننا نحن الكرد ما زلنا يتامى على هذا الكوكب الذي هو للجميع وليس فقط للشوفينين والعنصريين وذوي الرؤوس الصلدة التي ليس فيها سوى العناد والحقد والكراهية والاستعلاء والتعصب الأعمى وعدم الشعور بوجود الآخرين الذين هم من البشر مثلهم ويملكون نفس الحق في العيش بكرامة وحرية تحت الشمس الأبدية!
علينا أن نجري الاستفتاء على أن يكون في جميع كردستان من حمرين إلى إبراهيم الخليل ومن ثم نعلن الاستقلال وقبل ذلك لا بد من تفعيل البرلمان الذي لا يستغرق إلا يوما أو بعض يوم! أما الخوف المتربع على صدور البعض من الكرد حول ما سيحصل بعد استقلالنا فان ما قد يحصل سوف لن يكون أدهى وأمر بل وأشد وأشر مما حدث لنا منذ تأسيس الدولة العراقية والى يومنا هذا فقد ضحينا بنصف مليون إنسان وتم تدمير كل شيء في كردستان وتعرضنا إلى الأسلحة الكيماوية كل ذلك دون أن نحصل على شيء فلمَ الخوف إذن ونحن الآن أقوى من كل وقت مضى خاصة لو كنا متحدين ومستعدين وأصحاب إرادة وإصرار وتحدي وهل الحياة إلا مقاومة وتحدي؟!
إن الإشكال الذي نراه اليوم بهذا الصدد هو ما يقوم به الساسة من أفعال من المفروض أن لا تكون في أجندتنا ونحن نمارس حقنا المشروع في الحرية والانعتاق. إن ما اعنيه هو إرسال الوفود إلى بلدان الجوار والعالم لكي نكسب موافقتهم على هذا الاستفتاء. قد يقول البعض بان مثل هذا العمل طبيعي وبديهي وايجابي وجيد، وانأ أقول كلا أن ذلك ليس في محله! إن الإقدام على إجراء الاستفتاء شأن داخلي يهم شعب كردستان وليس العالم وعلينا أن ننظر إلى العالم حولنا كي نفهم مثل هذه الأمور. بيد أن ساستنا يبدو أنهم لا يعيشون على هذا الكوكب ولا يواكبون أحداثه ولا يهتمون به فهم متقوقعون في ذاتهم وكأنهم يعيشون تحت الأرض! انه وفي ربع قرن من الآن قد تأسست حوالي 20 دولة جراء تفكك الاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافي وانفصال ألجيك عن السلوفاك واستقلال تيمور الشرقية واريتريا. فهل سئل هؤلاء أحدا عندما أعلنوا استقلالهم؟! هل طلبوا آو استجدوا عطفا أو ودا أو عونا أو موافقة من العالم أو من الجيران؟! بالطبع لا وألف لا إذ أن الاستقلال حق مشروع وهو حق مطلق وليس نسبيا كي يُنظر إليه من خلال الظروف سواء كانت ذاتية أو موضوعية فان هناك لحظات تاريخية تنتفي فيه الظروف والشروط فعلى الشعب أن يعتمد على نفسه ويعلن استقلاله دون أي اهتمام بما يقوله الآخرون. علينا أن نفهم المجتمع الدولي وطبيعة العلاقات الدولية كي نتصرف ولا نتحول إلى متسولي عطف وعون وموافقة إذ أن دول العالم تتصرف وفقا لمصالحها ولا تقول لأي شعب اذهب وأعلن استقلالك ونحن معك من الآن! علينا أن نجري الاستفتاء ونعلن الاستقلال ومن ثم ننتظر ردود فعل العالم ودوله من اجل الاعتراف بنا لا أن نسبق الأحداث ونطالبهم بذلك منذ الآن! وحتى لو لم يعترف بنا احد فإننا سوف نعيش بحرية وكرامة في دولتنا الوليدة إلى حين الاعتراف بنا لاحقا. فالاعتراف الدولي ليس شرطا من شروط تشكيل الدول وإنما هو دليل على أن هذه الدولة أو تلك قد أصبحت عضوا في المجتمع الدولي رسميا وان هذا الاعتراف سيأتي حتما عاجلا أم آجلا. كان المفروض أن لا نهرع إلى هذه الدولة أو ذلك الاتحاد كي نحصل على موافقتهم حول حقنا فهل هناك إنسان هو صاحب حق يذهب إلى الآخرين ويسألهم إن كان له الحق في أن يسترد حقه أم لا؟! إننا ككرد سياستنا كانت دائما تسير بالعكس من التيار ولا تشبه سياسة الشعوب في هذا العالم وعلينا أن نصحح هذا المسار والى الأبد. يجب أن تكون السياسة قائمة على فهم العالم كما هو لا كما نريد أن يكون عليه أو انه من المفروض أن يكون عليه. العالم غابة بيد أن أفظع ما في هذه الغابة ليست الحيوانات الضارية والوحوش المفترسة وإنما البشر الكذابين والمنافقين والمحتالين وذوي الازدواجية الأخلاقية. نعم هناك قوى خيرية ولكنها ضعيفة وليست في السلطة إلا ما ندر. ليس هناك في هذا العالم مكان للعاطفة والمحبة والخير عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية وإنما هي المصالح والتي تعتمد على القوى المتشابكة والمتداخلة بحيث يصعب على الأمر أحيانا أن يميز المرء بين الغث والسمين أو بين الخير والشر ونظرة واحدة على ما يحدث في سورية اليوم خير دليل على ما أقول.
لا ينبغي أن نسأل أحدا حول إجراء الاستفتاء والاستقلال حالنا في ذلك حال شعوب العالم التي حولنا فلننظر إلى شعب اسكتلندا أو شعب كتالونيا في اسبانيا هل سألوا أحدا عندما أقدموا على إجراء الاستفتاء من اجل الاستقلال؟ كلا لم يسألوا ولن يسألوا أبدا. أما حين تقول بغداد أن هذا الأمر غير قانوني وغير دستوري فهذا شيء طبيعي جدا وماذا تنتظر من الأعداء أو من إيران وتركيا والعالم بأسره. وحين يقول رئيس جمهورية العراق - وهو كردي مستعرب ومستعرق في نفس الوقت كحال سلفه - أن استقلال كردستان لا يمكن أن يتم دون موافقة الدول الكبرى فانه على حماقة سياسية وخطأ غير وارد في عالم السياسة وإنما في عالم الخيانة والجبن والخوف، وكأن جميع دول العالم أو نصفها لم يتم تأسيسها إلا بموافقة تلك الدول، بل أن معظم تلك الدول قد حصلت على استقلالها بالرغم من أنف تلك الدول التي يصفها المذكور المتخاذل بالقوى العظمى. إن كل من بريطانيا واسبانيا تقفان بالضد من إجراء الاستفتاء في اسكتلندا وكتلونيا بيد أن شعبي هذين الإقليمين لا يهتمان بذلك وهما ماضيان في نضالهما من اجل الاستقلال المنشود. وهنا لا بد من الإشادة باستقلال كوسوفو عن صربيا حيث أن ذلك أخذ الكثير من الوقت إذ أن أمريكا طلبت من رئيس جمهوريتها أن يذهب إلى بلغراد للتفاوض معها بيد انه رفض ذلك وطولب أيضا من روسيا والاتحاد الأوروبي وكذلك من الأمم المتحدة بيد أن المذكور رفض ذلك وقال انه يريد الاستقلال لبلاده وهذا الأمر لا علاقة له ببلغراد وعليه لن يذهب إلى هناك. هكذا يكون رجل الدولة وهكذا يكون السياسي الحقيقي والدولة برجالها والأمم بآحادها كما قيل منذ القدم. فهل نحن الكرد منتبهون أم نحن عن العالم مختلفون؟! إن صاحب الحق لا يسأل أحدا ولا يُسأل من قِبَلْ احد ألا أن أصحاب الحق هم المستقلون في أمرهم وفي تحقيق أمانيهم في الحرية والاستقلال. إن إرادة الشعوب فوق كل الإرادات ولا يُقهر الشعب إلا خوفه وتردده وعدم الثقة بنفسه فالشعب في نهاية المطاف هو روح الله القوية القاهرة على الأرض فهل نحن منتبهون؟!
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست