المفكر اياد جمال الدين جسر بين الديني و الدنيوي
Wednesday, 17/02/2016, 18:53
عندما نتكلم عن ثقافة الشعوب و المجتمعات انما نعني بها مجمل القيم الانسانية لدى هذه الشعوب و المجتمعات البشرية و المتجسدة في ممارسات هذه الشعوب المتنوعة في كافة مناحي الحياة الاجتماعية و السياسية و الفنية و غير ذلك.
منذ ان وجد الوعي لدى الكائن الحي على شكل انسان وجد الدين و السياسة بشكل او باخر. لكي لا نحد عن موضوع اليوم دعونا نركز على الوضع السائد في الشرق الاوسط هذه الايام، و العراق نموذجا.
لاول مرة منذ سقوط نظام البعث في العراق في التاسع من نيسان 2003 بدء العقل العراقي وبجدية خطيرة يتحسس ماساة النهج السياسي الخاطيء الذي حل بديلا للنظام السياسي الراحل، دون ان يفهم بان النظام السابق مفقود بل كان رحيله واجب لا مفر منه. لا شك ان النموذج السياسي الديني المذهبي و حتى القومي وصل في العراق الى طريق مسدود وهو على شفير الهاوية. هنا برزت مشكلة كبيرة امام الباحثين عن بديل يقود الشعب المسكين الى بر الامان و شواطيء الانسانية حيث الانسان المعاصر يعيش نموذجا يحقق للانسان قدرا مقبولا من قيمته الانسانية في مجمل حقوقه و استحقاقاته كمواطن.
و الحالة هذه ليس امام المفكرين و السياسيين الكثير من الخيارات بعد ان بات مسالة ترقيع المرقع شبه مستحيلة. ليس غريبا ان تطرح العلمانية نموذجا لبناء دولة الانسان المواطن و ليس دولة الفئة و الطائفة. من اهم تحديات نموذج العلمانية هو انها تثير و دون وجه حق لدى عامة الناس فكرة الالحاد و عداوة الدين ...و ليس هناك اكثر خطاء من هذا الادعاء. العلمانية غير الالحاد، فالعلمانية رؤيا لبناء دولة العدالة و المساواة على اساس المواطنة و ليس الدين و المذهب و لا حتى القومية، من خلال فصل الدين عن الدولة مع مسؤولية الدولة العلمانية في حرية الدين و العقيدة الى جانب كافة الحريات الاخرى. اما الالحاد فهي مسالة تتعلق بالعقيدة و الملحد لا يؤمن بالله الخالق على الاقل الله الخالق الديني ... بينما العلمانية كما اسلفنا لا تتطرق الى العقيدة طرا بمعنى ان العلمانية تعنى بالشؤون الدنيوية لا الدينية.
السؤال الاهم من المهم ها هنا: كيف نوفق بين الدولة المدنية و حق المواطن في حقوقه فيما يخص حرية العقيدة و ممارسة شعائرها الدينية؟
المفكر العراقي اياد جمال الدين فيما يطرحه من افكار ورؤى هذه الايام بهذا الاتجاه يجسد و بشكل رائع هذا التوفيق. الرجل يقول انه مسلم و لكنه ليس اسلامي ... و طبعا شتان بين هذا وذاك ... فاما كونه مسلم فانه رجل مؤمن بعقيدة الاسلام ويؤدي شعائرها في الصوم والصلاة و الحج و الزكاة ... بمعنى انه ليس ملحدا. واما كونه لا اسلاميا فالذي يعنيه الرجل انه علماني (لايؤمن بالاسلام السياسي) ... نعم علماني وهنا يكمن جمال فكر السيد اياد جمال الدين لانه يجسد امكانية التوفيق بين ان تكون انسانا مؤمنا بالله و بعقيدتك الدينية و بين ان تكون سياسيا مؤمنا بالعلمانية كافضل رؤية لبناء الدولة المدنية التي تعني بالشؤون الدنيوية و ليس فقط لا تعادي الدين فحسب بل تضمن حق مؤمنيه في تبنيه و ممارسة شعائره الا ما كان منه في الضد من حقوق لوائح الانسان العالمية.
هنا يصبح كل كلام من نوع "علماني معمم ..!" من باب السخرية او الجهل لا معنى له لان العلمانية فكر ليس له علاقة بزي الانسان. فكما ان للطبيب او المحامي او العامل الحق في ان يكون سياسيا دون ان يثير ذلك تسائلا او استغرابا، يجب ان يحق لرجل معمم او انسان مؤمن بعقيدة دينية الحق الكامل في ممارسة السياسة بشروط السياسة طبعا لا الدين المعين. هذا ما يفهمه السيد اياد جمال الدين خير فهم و يريد ان يكون مثالا تطبيقيا على ارض الواقع وبذلك يعزز حقيقة العلمانية التي لاتحرم اي انسان من حق ممارسة السياسة ولا تحارب العقيدة عندما تبقى شئنا روحيا بين الانسان الفرد و الله من خلال دينه.
لقد نجح الاسلاميون الى حد كبير طيلة الازمنة الماضية في التشويش على فكر الانسان بخلطهم لاوراق العلمانية مع الالحادية ...لكن الامور بدأت تتغير الان في زمن الانترنيت و في زمن بروز شخصيات مفكرة من وزن السيد جمال الدين و السيد المفكر العراقي احمد حسن القبانجي ... كيف لا و العراق مهد الفكر الانساني وحضاراته الاولى ففي العراق ولدت الكثير من الافكار الدينية و الصوفية و الفلسفية والعلمية فلا نستغرب ان ياخذ النموذج العلماني شرارته من عراق الفكر والحضارات وصولا الى التعايش الايجابي بين الديني و الدنيوي و جسورا من نوع السيد اياد جمال الدين والسيد احمد القبانجي تستحق كل التقدير والاحترام ومن على هذه الجسور وحدها يمر طريق المستقبل الواعد.
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست