هل للكورد أن يغير جغرافيته السياسية؟ - تركيا ملاذا(1 من 2)
Thursday, 05/02/2009, 12:00
1834 بینراوە
لا أخفي عليكم بأن راود تني فكرة كنت اراها من الصعب طرحها خلال الظروف التي يمر بها ولا يزال العراق وشعبه غير أني أجد نفسى مضطرا لعمل ذلك في الوقت الراهن ذلك بعد أن بدت تتكشف النوايا المشبوهة ان لم أقل خطرة من لدن الحكام الجدد في بغداد تهدف الى الانقضاض على الفيدرالية وذلك بافراغها من مضمونها الحقيقي تلك التي استجاب لها شعب العراق بشكل ما وتضمنها دستورالبلاد بينما يدعو هؤلاء الحكام الى تقوية المركز على حساب سلطات الاقاليم وصلاحيات المحافظات انتهاكا لمبدأ اللامركزية التي اتخذ بها النظام الجديد في العراق فيما يبدو بأنهم في دعوتهم هذه يخفي جنوحهم نحو ارساء قواعد الديكتاتورية والحكم المطلق والعودة الى المركزية المقيتة التي نال منها شعب العراق الامرين من الاستبداد والقهر والظلم طوال عقود مضت .
على كل حال آمل الا ترهبكم الفكرة والا تحملونها اكثر مما تستوعب فانها تشكل خارطة لطريق من الممكن ان يسلكها شعب كردستان عندما تبدأ الامور تعود قهقرية الى الوراء باتجاه نظام صدام بحلة جديدة وان كانت يقينا بان الفكرة برمتها غير مسبوقة على الاطلاق .... وهي نابعة اساسا من اقتراح (جو بايدن) هذا السيناتور الامريكي الذي بلا ريب سيتولى جانبا من القضايا المطروحة على الساحة الدولية حيث فاز من خلال رئيسه المنتخب للولايات المتحدة باراك اوباما بمنصب نائب له و هوكما معروف صاحب مشروع تقسيم العراق على اساس القومي والمذهبي الى ثلاثة دويلات (سماها هو بالكانتونات) منها اقليم كردستان القائم على ارض الواقع منذ عام 991 يضاف اليه كيان شيعي في المنطقة الجنوبية من العراق وبعض الاجزاء الوسطى على أن تبقى البقية من حصة اهل السنة العرب .
ان الشيعة في البلاد وقفت ضد تقسيم العراق بالصيغة التي أثارها (بايدن) بينما تصر على تشكيل الاقليم الجنوبي او اقاليم جنوبية -- ضمن الدولة الفيدرالية مركزها بغداد . ويبدو من موقفها هذا بأنها تعتقد بأن الحكم في العراق عموما سيظل تتولاه الشيعة جيلا بعد جيل لما تتمتع به بالاغلبية السكانية في البلاد ما دامت بقيت تحتفظ بوضعها الديموغرافي الراهن عليه فانها من خلال نظرتها هذه فانها لن تجد ما يستوجب تقسيم العراق الى كيانات أصغركما يقترحها بايدن تفقد خلالها من المناطق غير الشيعية الكثير من نفوذها السياسي والاقتصادي والاداري والمذهبي في البلاد .
اما فيما يتعلق باهل السنة العرب فان عداءهم الشديد لمشروع بايدن نابع من -- ضمن امور اخرىمن نوازعهم القومية حيث يعتبرون العراق أرضا وشعبا جزأ" من الوطن العربي الكبير عليه فان اي تقسيم له بأية صيغة كانت يؤدي بالاخير الى انسلاخه منه وهذا ما لايتفق مع معتقداتهم و مصالحهم القومية .
وفي هذا السياق من الملاحظ بأن الاكراد لم يبد خلال طرح المشروع اي اهتمام لهم به لا سلبا ولا ايجابا في الظاهر بينما اقليم كردستان قائم بذاته يتمتع بكثير من المعالم الاستقلالية منذ عام 991 فيما احتضنه النظام الفيدرالي واعترف به الدستورالعراقي بأوسع ابوابه بعد سقوط النظام عام 2003 . ولكن يمكن أن نتساءل ..؟ ان كان الاكراد حقا لم يكونوا مهتمين بذلك المشروع ...؟ لا يعتقد ذالك لاكثر من سبب اذ من المفروض وبناء" على ما للاكراد من الطموحات القومية نحو تشكيل كيانهم السياسي فلا بد بأن يكون المشروع قد لقى صدى" ايجابية لدى الشعب الكوردي اذ يجدونه فرصة سانحة لتشكيل دولتهم المستقلة على ارض كوردستان من دون الاثارة والضجيج الاعلامي والسياسي وباتفاق كافة الاطراف داخل البلاد ... لو تحقق المشروع على ارض الواقع ..!! .. وان كان ذلك دون ريب امرا مستبعدا في خضم تلك الظروف الصعبة التي يمر بها العراق في مختلف جوانبه.... هذا وما يبرر هذا الموقف منهم هو المبدأ الذي طالما يتمسك به الكورد طوال تأريخهم السياسي المعاصر الا وهو مبدأ (حق تقرير المصير) هذا المبدأ الذي تدعمه الحقيقة التأريخية بأن كوردستان وشعبها ليست جزء" من الوطن العربي الكبير-- كما يدعي بذلك القوميون العرب او غيرهم من الجهلة بتاريخ الشعب الكوردي وجغرافيته ومساره السياسي والنضالي الشائك على مدى عقود من الزمن ، كما لايخفى بان كوردستان العراق تم الحاقها بما عرف بدولة العراق عند ارساء قواعدها عام 921 من قبل المحتلين الانجليز وذلك من دون رضى وموافقة الشعب الكوردي بينما كان يتطلع الى بناء دولته المستقلة اسوة ببقية الدول التي انبثقت في المنطقة بعد أن وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها عام 1918 وذلك وفق مبادئ (مورنو) والجهود التي بذلها الوفد الكوردي برئاسة الجنرال (شريف باشا) في مؤتمر الصلح المنعقد بين اطراف الحرب أنذاك بالاضافة الى بنود معاهدة (سيفر) عام 921 بهذا الخصوص . والامر هكذا فانه من الطبيعي أن يشعر الشعب الكوردي بالغبن من جراء الاستهتار بحقوقه القومية المشروعة منذ ذلك اليوم من جهة كما يمنحه ذلك الحق بالانسلاخ عما الحق به قسرا حتى دون رضى ذلكم الطرف في أية فرصة سانحة وان كان من الافضل ان يتحقق ذلك بالتوافق بين جميع الاطراف ذات الصلة .
هذا ما يمكن قوله بالنسبة الى مقترح (بايدن) بما يتعلق بمكونات الشعب العراقي الرئيسة في البلاد ، فما كان الحال بالنسبة الى مواقف الدول الجوار والعربية منه عموما ..؟ فانه بلا شك فأن مشروعا كهذا ليس من المنطق ان يكون في منأى من اهتماماتها لما يمس ذلك بمصالحها واستراجيتها في المنطقة في اكثر من جانب .
منها يلاحظ بان قادة الترك والحكومة التركية على المستوى الرسمي تصرح دوما وتؤكد بأن من الثوابت لديها أن يبقى العراق موحدا وقويا -- وهذا ما لا يتفق مع اقتراح بايدن و عندما نترجم بعض جوانب هذا الموقف التركي الداعم للعراق الموحد باختصار نجد بأنه يرمي الى :
اولاالا يصبح العراق لقمة سائغة لاطماع ايران وأن يقع تحت نفوذها وفي مرمى توسعها الذي ليس ببعيد عن استراتجيتها باتجاه انتشار الثورة الاسلامية خاصة وان جزء"واسعا من العراق يشكل قاعدة كبيرة لتحقيق هدفها هذا .
ثانيا ابقاء كوردستان -- وان كان اقليما ضمن الفيدرالية العراقية - محدود السلطة والصلاحيات ومقطوع الجناحين للحيلولة دون نزوع الاكراد نحوالاستقلال باية صيغة كانت .
ثالثا تمكين العراق بالمساهمة في الجهود المبذولة عسكريا وسياسيا للقضاء على الحركة المسلحة لحزب العمال الكردستاني التي تحارب الحكومة التركيةلاكثر من ثلاثة العقود و التي تتخذ بعض اراضي الاقليم قاعدة لها .
رابعا تفضل ان يعود العراق دولة مركزية فحسب من دون ما يعرف بالنظام الفيدرالي .
وهكذا أعلنت الحكومة الايرانية من جهتها هي الاخرى معارضتها لمشروع بايدن، وان كانت متحمسة كما يبدو لتشكيل بما يشبه دويلة شيعية مكونة من تسعة محافظات من جنوب العراق ووسطه منها ستة محافظات متاخمة لحدودها وهذا ما يعمل من اجل اقامتها او اقامة اية تشكيلة فيدرالية موسعة الصلاحيات -- أحد أقوى طرف شيعي في البلاد بزعامة عبد العزيز الحكيم حيث أن هذا الامر بلا ريب يؤدي الى ضعف الحكومةالمركزية مما يسهل لها النفاذ الى داخل البلاد و لن يغيرذلك طبعا في الوقت نفسه من المعادلات السياسية والمذهبية لها على ارض العراق والمنطقة عموما ان لم ترسخها .
اما فيما يتعلق بالدول العربية خاصة المجاورة للعراق فان التعرف على مواقفها لم يكن يحتاج الى الكثير من الامعان والتمحيص فانها وقفت ضد المشروع جملة وتفصيلا كما كان متوقعا ، علما بان بعض من هذا الموقف يعود الى الشكوك التي تثيرها الثورة الاسلامية الايرانية والتوجس من توسع نفوذها في العراق الذي تديره حكومة شيعية على ارض الواقع بالاضافة الى المخاوف من انسلاخ العراق برمته - من الوطن العربي الكبير في المطاف الاخير، هذا وقد أبدت في - هذا الاتجاه - دول الخليج خاصة الكويت والسعودية معارضة أشد حيث تساورهما المخاوف من تحول العراق الى دولة شيعية وان لم تسم نفسها بذلك تضاف الى مخاوفها السابقة من دولة ايران الاسلامية وهي ما فتآت تتربص بها في اكثر من جانب وهكذا الحال بالنسبة الى الجارة العربية سوريا وان كانت تربطها بايران علاقات وطيدة على اكثر من صعيد منها العسكرية غير المعلنة بالاضافة الى تفاهمهما المشترك لكثير من القضايا التي تخص منطقة الشرق الاوسط غير أنها بلا ريب قلقة من أي تعاظم للنفوذ الايراني في البلاد عليه فانها وقفت معارضة لاي تقسيم للعراق و الفيدرالية نفسها يضاف الى ذلك انحيازها القومي الشديدعلى مستوى الوطن العربي .
هذا و مما يجدرذكره - بالرغم مما ورد أعلاه من المواقف المعارضة لمشروع بايدن وما يقع على اشكاله -- بأن معظم المراقبين على الساحة الدولية يعتقدون بأن العراق في خلال أقل من عقد من الزمن يفقد مزيدا من توازنه و لن يبقى كيانا موحدا بالمفهوم المتعارف عليه خاصة بعد أن ينبثق في جنوب البلاد ووسطها الكيان الفيدرالي او- كيانات فيدرالية بما يشبه دويلة شيعية وهي بلا شك لن تكون شكلية اذ أنها ستتمتع بالصلاحيات والسلطات الواسعة قد تضاهي ما للمركز منها وذلك من خلال الصراع المستتر الدائر بين الاحزاب والمرجعيات المذهبية المتنفذة في البلاد . كما أن اهل السنة من جانبهم لن يقفوا مكتوفي الايدي من هذا السيناريو . فانه بلا شك لا خيار لهم اما بقاؤهم على شكل المحافظات تحت رحمة المركز الذي تديره الاغلبية الشيعية -- حتى وان ساهموا بصيغة ما في تلك الادارة المركزية -- فالا فما عليهم الا أن يشكلون هم بدورهم اقليما سنيا على غرارما في الجنوب واقليم كردستان وهنا يتحقق فعلا على ارض الواقع مشروع بايدن بشكل ما -- ان اردنا ذلك ام لم نرد ..!!
من المؤكد بأن هذا السيناريو لن يمر دون تبعات مؤثرة على مستقبل العراق من النواحي العديدة منها تبرز معادلات سياسية لم يتعهدهاالشعب العراقي كما تنفرط التحالفات والائتلافات التي اقيمت بين الاحزاب الفاعلة على الساحة العراقية اثر سقوط النظام منها ما يعرف بالائتلاف الموحد المنعقد بين الحزبين الشيعيين { المجلس الاعلى الاسلامي والدعوة الاسلامية من حهة والتحالف الكردستاني هذا التحالف الذي يتألف هو آلاخر من الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني من حهة اخرى } وذلك بعد أن تتكشف الاوراق وتجاهر الاطراف السياسية والقومية والمذهبية في البلاد عن نياتها واجنداتها بما لا يقبل الشك كما لا يبقى ما يبررالمجاملات على اية مستويات كانت ، الكل يعمل في اطاره المذهبي والقومي بهدف تحقيق اهدافهم ومصالحهم و ليس من البعيد أن تحتفظ القوى المسلحة (غير النظامية) بمواقعها حيث يحتفظ اهل السنة بالصحوة ومجالس الاسناد تبقى حصة حزب الدعوة التي ينهمك في الوقت الحالي أمينه العام وهو رئيس الوزراء في الحكومة الحالية في تشكيلها على العجل ليلحق الاخرين في هذا المجال كما تبقى فصائل البدر للمجلس الاعلى الاسلامي كما هي الحال في الوقت الراهن وقوات بيشمركة للاكراد كما كانت و من الطبيعي ألا يجد المركزآنذاك ما يدعيه من القوة وما يسميه بالمركزية تلك التي طالما يتشدق بها رئيس الحكومة الراهنة حيث تصبح في اضعف ما تكون تفقد الكثير من سلطاتها في اكثر من جانب .
ان هذا السينايرو ليس ببعيد حدوثه لما له من الارضية الشاخصة في عموم البلاد والذي يراه الكثيرون من ارباب السياسة والمراقبين على مستوى الشرق الاوسط والعالم بأنه يعد السبيل الافضل لانهاء ما يتعرض له العراق من المصاعب الكبيرة التي ينوء الشعب العراقي تحتها منذ اعوام من وطأتها خاصة من ناحية استتباب الامن والاستقرار ويرون بانه من دون هذا التقسيم الجغرافي والقومي والمذهبي حتى وان كان على المضض يبقى العراق ساحة للصراعات تتخذ أشكالا عديدة تقف حائلا لاي تقدم نحوالمعالم الحضارية على المدىالمنظور.
في كل الاحوال ان بقي العراق تمضي به الفيرالية باي صعيد كان ام عاد الى مركزية الحكم فان الامر فيما يتعلق بمستقبل اقليم كوردستان وشعبه يشوبه الكثير من المخاوف اذ تبدو في ضوء تجاربه الماضية المريرة بأن الاعوام القليلة القادمة تحمل في طياتها أحداث و مواقف سا خنة تمس كيان الشعب الكردي وما ناله من المكاسب القومية و الديمقراطية علي أدنى مستوياتها وذلك فور انسحاب القوات الامريكية من العراق بحلول عام 2011 بموجب الاتفاقية التي ابرمت خلال هذا الشهر- (ديسمبر/ تشرين الثاني عام 2008) بين الحكومة العراقية و الامريكية تلك التي كان الكورد على المستوى الرسمي والشعبي والسياسي من الاوائل المؤيدين والمتحمسين لابرامها في اسرع وقت ممكن و لم يات ذلك الموقف الكوردي جزافا حيث اعتبربقاء القوات الامريكية (صمام أمان) لما قد يصيب الاقليم باية انتكاسة مدمرة تلوح في الافق بدتبوادرها -- مما اثارتها الحكومة المركزية فىالاونة الاخيرة -- من التوترات باتجاه الاقليم خلال بضعة الاشهر المنصرمة تستهدفه من بعض جوانبه من المعتقد بأنها تستحفل لما بعد جلاء القوات الامريكية من البلاد بشكل حاد وموسع ولم يزل العراق حبلى بزخم كبيرمن بؤر الخلاف والصراع منه -- لم يطفح على السطح بعد -- من اشدها بلا ريب (مسألة اقليم كوردستان بحد ذاته)حيث تعد اشكالا كبيرا لدى السلطة العراقية المركزية والاطراف العديدة التي لم تعترف بالفيدرالية أصلا فيما يلاحظ بأن العديد من-- غير الكورد -- داخل السلطة وخارجها يعتبرون الاقليم (نتوءأ كورديا) والبعض منهم يصفها بالسرطانية أو الدولة الاسرائيلية الثانية -- في قلب الوطن العربي . هكذا تبقى تحيط بالاقليم مجموعة من المشاكل قد استعصى حلها ليومنا هذا من اعقدها مشكلة كركوك والمناطق التي اطلقت عليها - بالمناطق المتنازع عليها التي توصف المطالبة بها من قبل الكورد -- لدى العديد من الاطراف غير الكوردية ب (الزحف الكوردي) تضاف اليها ما اثارها الحكام في المركز في الاونة الاخيرة من التوترات والخلافات لا تستهان بها بما يتعلق بصلاحيات و سلطات الاقليم وتجاوز حدودها انتهاكا لدستور البلاد وقوانينها حيث تعد قناة اخرى من قنوات التوترو الخلاف بين السلطة المركزية والاقليم .
في كل الاحوال مهما كان حجم الخلاف والتوترات القائمة بين السلطتين في الوقت الراهن فان الكورد في موقعهم يثيرون سرا وجهارا مسألة في غاية الاهمية والتعقيد معا وهي تتلخص بعبارة واحدة مفادها .... من يضمن سلامة اقليم كوردستان وديمومته على أرض العراق بعد جلاء القوات الامريكية من البلاد ...؟؟ أ لن تصبح كوردستان في مهب الريح ...؟ تلك الرياح التي تمثلها الحكومة المركزية في الوقت الحالي التي يترأسها نوري المالكي -- ذو نزعة ديكتاتورية وهو ذاته يتولى الامانة العامة لحزب الدعوةالاسلامية ذو ميول قومية ومذهبية في أن واحد . أ ليس من المحتمل ان تعاد رآسته المزدوجة هذه في السنوات القادمة?-- لما بعد نفاذ الاتفاقية الامنية، هل هناك ضمان بأن من يخلفه في الحكم ينحو منحى آخر يحقق للشعب العراقي السلم والامان بعيدا عن الصراعات المذهبية والقومية ويتيح للشعب الكوردي الفسحة الكافية بأن يتمتع بما ناله من المكاسب القومية والديمقراطية ازاء ما قدم من التضحيات الجسام المادية والبشرية طوال أكثر من أربعة عقود خاض خلالها صراعا مريرا بوجه حكومات عراقية مركزية دكتاتورية النهج ذات نزعات قومية عنصرية بغيضة ... وفي هذا المجال الم تكن دعوة مسعود البارزاني - ادارة الولايات المتحدة الامريكية -- باقامة القواعد العسكرية الثابتة في الاقليم تعبيرا صارخا عن تلك المخاوف ، هل كانت مجرد دعوة ... ؟ أوصرخة استغاثة مكبوتة ... لحماية الاقليم من الاخطار التي تحدق به داخل البلاد ..؟ ناهيك عن ايران الاسلامية شرقا .
وفي سياق آخر يجب أن نعترف ان الكورد خلال فترة الستة الاعوام العصيبة الماضية التي شهد العراق في غضونها الكثير من التغيرات في المعادلات السياسية في داخل البلاد وخارجها على اكثر من صعيد -- لم يكسب خلالها اي صديق في المنطقة بل عكس ذلك فقد فقد الاصدقاء العديدين -- حتى أن الكورد والاقليم يبدو بأنهما لم يعدا في اطار اهتمامات الامريكيين كما كان في عهد صدام -- الذين يستنجد بهم البارزاني وهو في عقر دارهم -- وقد يشهد المزيد من التجاهل من الادارة الامريكية الجديدة برآسة باراك أوباما . كما فقدت القيادة الكردية من جهة اخرى شعبها بعد أن خاب ظنه بها بما أصابه من خيبة الامل من سرقة تضحيات الشعب الكوردي على مدى العقود واستثمارها لصالحها وفشلها في تحقيق ما كان يصبو اليه من العيش الكريم فيما بات الاقليم بؤرة عفنة من الفساد الاداري والمالي هذا الفساد الذي من خلاله حققت الادارة و القيادة الكردية مصالحها الجشعة مما جعل الشعب الكوردي أن يفقد الكثير من معنوياته و عزيمته وكذلك مصداقيته بتلك القيادات . واهم من كل ذلك فهناك حقيقة يجب أن يعيها الكورد وهي أنه قد فقد من خلال الفيدرالية -- صديقا وفيا" أعانه واحتمى به عقودا من الزمن وهو بلا شك (جبال كردستان) التي لم تعد بامكانها القيام بما أدته خلال ثورته المجيدة كما انتهى عهد الحركات المسلحة في العالم خاصة بالنسبة للكورد الذي لم يعد له ظهيرأو نصير داخل البلاد ولا في خارجها كما كان ذلك في عهد صدام في زمن حل محل ما كانت تعرف بالثورات والكفاح المسلح -- التفاوض والتفاهم والتوافق -- باتجاه حل المشاكل والصراعات المصلحية او القومية وغيرها .. هذا ما أكد عليه جلال الطالباني في اكثر من مناسبة .. ولكن هل هناك ضمان من أن مجرد الحوار يحقق طموحات الشعب في غضون تلك الصراعات والاجواء المتناقضة ... من هو الخاسر ..؟ أ ليس الجانب الاضعف دوما...؟ كما يؤكد ذلك التأريخ .
يعتقد من جانب أخر بان الكورد في العراق سيواجه خلال الاعوام القليلة القادمة خطرالتحالف الشيعي السني على المستوى القومي بعد ما انقضى شهر العسل بين الحليفين الشيعي والكوردي هذا التحالف الذي قد ياتي على الاقليم بما يشبه الانقضاض بعد ان يجرد من كل الصلاحيات والسلطات التي يخوله له الدستور العراقي في الوقت الراهن وهذا ما يخطط له طرفا المعادلة - من ضمن أمور أخرى -- وذلك بدعوتهم المشتركة بوجوب تعديل الدستور وتفعيل ما يعرف بوثيقة اصلاح العملية السياسية و هذا ما يدركه رئيس الاقليم حيث جاء في تصريحات له لصحيفة (لوس انجلس تايمز الامريكية) بتأريخ 11 يناير كانون الثاني الجاري لهذا العام 2009 قائلا { اذا أصررئيس الوزراء على تغير الدستور والوضع الذي تشكل بعد سقوط صدام فمن المحتمل أن يلجأ الكورد الى اعلان الاستقلال ... وقال بارزاني هذا هو الجسرالذي يظهر أمامنا وعلينا أن نعبر فوقه بل جاء في ديباجة الدستوربأن الالتزام به هو الشرط الاساس للحفاظ على وحدة العراق ... }
نستخلص من كل ما ورد بأن الكورد امام نفق مظلم تتيه في التواءاته حقوقه القومية والديمقراطية تنهار من خلاله معظم أركان كيانه بما يشكل انتكاسة معاكسة من الصعب معالجتها تضعهم في أتون خيارين صعبين أولهما هو اضطراره الى حمل السلاح و القيام بحركة مسلحة بوجه الحكومة العراقية المركزية دفاعا عن وجوده ومكاسبه كما كان كذلك لما قبل سقوط النظام لكن من دون (نصير أو ظهير) .. تحمل في طياتها مخاطر كبيرة قد تقضي على التجربة الكردية بكامل تفاصيلها يدفع خلالها الشعب الكردي ثمنا باهظا قد لا يعوض في المدى المنظور كما تتيح الفرصة لاعداء العراق المتربصين به من كل جانب التدخل بما تقلب المعادلات القائمة على الساحة الشرق الاوسطية رأسا على عقب تلك التي - من المؤكد - لن تكون في صالح العراق وشعبه عموما .
والخيار الاخرالذي لابد أن يتخذه الشعب الكوردي في هذا الموقف قبل أن يخبأ هذا الضوء الخافت في نهاية النفق و تستفحل الامورو تعود عقارب الساعة الى الوراء بما لا رجعة لها بالنسبة الى المسألة الكوردية التي تبدو بأنها لا تزال تراوح في مكانها بالرغم من سقوط النظام ... هو التوجه الى جهة ما لحمايته من بطش أية حكومة عراقية مركزية دكتاتورية مستبدة ... ومن المؤكد بأن الكورد في مثل تلك الحالة لايملك غير(الدولة التركية) .... نعم الدولة التركية بالذات .. لانه لا سبيل له غير هذه الدرب ... وذلك بانضمام كردستان برمتها اليها .
ان انفصال كوردستان عن العراق وانضمامها الى الدولة التركية بمقوماتها الحالية و بما تتمتع بمعالم الحقوق القومية والديمقراطية ك (اقليم فيدرالي) يعد فرصة كبيرة للشعب الكوردي بكل ما يعنيه هذا الانضمام من المعاني، وان كان ذلك الاجراء بلا ريب يثير الكثير من التساؤلات تختلف حسب المفاهيم القومية والسياسية والايدولوجية للمواطن ولكنها ينتهي جميعها في السؤالين الرئيسيين ...؟ لماذا الانفصال عن العراق ... ولماذا تركيا بالذات...؟
نشير ابتداء" الى مقومات الانفصال بالنسبة الى الكورد وهي بكل البساطة حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي منحته المواثيق الدولية ولوائح حقوق الانسان وغيرها بحيث اصبحت من الامورالبديهة لا تحتاج الى المزيد من البحث والتدقيق ، للكورد كبقية الشعوب أن يمارس هذا الحق عندما يجد ذلك أمرا لا مناص منه يحقق مصالحه القومية ولا غروة في ذلك اذ أن الشعب الكوردي استحق هذا الحق تأريخيا بجدارة بعد أن قدم الالاف من الضحايا المادية والبشرية في سبيل نيله لحقوقه القومية والديمقراطية على مدى عقود من الزمن كما مارس جزء" كبيرا منه على ارض الواقع في الحكم والادارة طوال ما يقرب من خمسة عشرة عاما خاض خلالها تجربة كانت ناجحة الى حدود الامكانيات المتوفرة آنذاك وذلك بالرغم مما كانت تحيط بها من المخاوف والشكوك ، ذلك تحت مظلة الولايات المتحدةالامريكية وحليفتها دولة بريطانيا.
كما يلاحظ بان انضمام كردستان الى الدولة التركية تسانده بعض الركائز والمقومات التأريخية منها ان كوردستان الجنوبية كانت احدى ولايات الامبراطورية العثمانية تعرف بولاية الموصل مستقلة عن بغداد التي احتلتها القوات البريطانية بالرغم من الهدنة المعقودة بين الطرفين المتحاربين (الدولة العثمانية ودول الحلفاء منها القوات البريطانية) آنذاك الزاحفة الى الشمال عشية انتهاء الحرب العالمية الاولى عام 918 -- كما هو معروف -- وانتزاعها منها ومن ثم الحاقها بالعراق من دون ارادة و موافقة الشعب الكوردي ، ومن البديهي فان الدولة التركية في هذا السياق تكون الوريثة لهذه الولاية باعتبارها كانت جزءأ" منها ، كما لتركيا اوراق جاهزة في الاقليم منها ما يتعلق بتركمان ومدينة كركوك وما جاورها من البلدات والقصبات والقرى المنتشرة حولها وكذلك مسألة حزب العمال الكردستاني الذي يواجه القوات المسلحة التركية يتخذ من اراضي الاقليم قاعدة له لا تزال ساخنة وتأخذ جانبا كبيرا من اهتماماتها وقد يشكل { اقليم كوردي فيدرالي } بحد ذاته قائم على الاطراف الجنوبية الشرقية لبلادها قلقا كبيرا لها على المدى البعيد في أكثر من جانب .
وفي كل الاحوال يمكن أن نتساءل ..؟ ماذا يعني في مجمله انضمام اقليم كردستان الى تركيا :
اولا : يصبح الاقليم جزء" من الدولة التركية وبالتالي تتحمل مسؤولية حمايته من اية اخطارمحتملة يتعرض لها . وهذا ما لايتحقق في حالة اعلان استقلال كوردستان عن العراق منفردا وقد يكون العكس هو الصحيح .
ثانيا : تتخذ مسألة حزب العمال الكوردستاني مدى اوسع يشمل شعب كوردستان عموما مما يفتح أفاقا جديدة يتم من خلالها حلها باساليب سلمية وديقراطية .
ثالثا : انضمام الاقليم الى تركيا يشكل وحدةاقتصادية واسعة تساهم مساهمة كبيرة في الانماء الاقتصادي والاجتماعي لعموم تركيا منها الاقليم وكذلك بالنسبة لما لهما من الامكانات والثروات الطبيعية الهائلة خاصة الثروة المائية منها ، بالاضافة الى ما تشهده تركيا من التقدم الصناعي والعمراني والزراعي والمجالات التنمية العديدة الاخرى على اكثر من صعيد.
رابعا : انضمام الاقليم الى تركيا يتيح فرصة افضل لها بالانضمام الى الاتحاد الاوربي بعد أن تحافظ على ما للشعب الكوردي من الحقوق القومية والديقراطية نالها في خضم صراع مرير على مدى عقود من الزمن ، وقد تشمل تلك الحقوق الشعب الكوردي في تركيا عموما .
خامسا : انضمام الاقليم لتركيا يفتح افاقا اوسع لمواطني الشعب الكوردي في الاقليم باتجاه الغرب خاصة الدول الاوربية منها .
سادسا : تنتقل النزاعات القائمة بين الاقليم والحكومة العراقية المركزية خاصة بالنسبة الى مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها الى الحكومتين العراقية والتركية وقد تنتقل منهما الى المحافل الدولية بشكل ما.
سابعا : تصبح تركيا لاول مرة دولة نفطية لما تزخر به كوردستان الجنوبية من تلك الثروة التي لا يزال القسم الاكبر منها غير مستثمر .
ثامنا : ينضم الاقليم الى دولة تمارس المبادئ والقواعد الديمقراطية وهي علمانية في نهجها ، حرية الصحافة وتشكيل الاحزاب والرأي وغيرها من الحقوق والحريات مضمونة وفق الدستور والحياة البرلمانية رصينة في اكثر من جانب والسلطات الثلاث في كيان الدولة واضحة المعالم عليه فانها تتفوق على جميع الدول العربية ومعظم دول الشرق الاوسط في هذا المجال
تاسعا : تصبح تركيا دولة كبيرة بمساحتها وعدد نفوسها في الشرق الاوسط ، وقد تكون اكبر دولة في المنطقة مقارنة بالدول العربية .
عاشرا : اندماج الاقليم بالدولة التركية يشكل خطوة متقدمة باتجاه توحيد كردسنان كما يوفر الفرصة مؤاتية لتشكيل دولة كوردستان مستقلة مستقبلا وذلكعندما تصبح تركيا بمثابة احدى الدول الاوربية المتقدمة تباح المبادئ الديمقراطية فيها وتنحسرالمفاهيم القومية العنصرية وتصبح ممارسة حق تقرير المصير منالامور البديهة بينما لا يعتقد بأن الكورد سيجد تلك الفرص مدى الدهر وهم مرتبطون بعجلة الدول العربية التي لا يزال يحكم شعوبها حكاممستبدون لا ينتظر أكثر من ذلك في المستقبل المنظور على الاقل .
الحادي العشر: يصبح الشعب الكوردي باندماج الاقليم الى تركيا لاول مرة في منآى من تبعات سياسات الحكومات العربية الهوجاء منها العراقية ذات نزعات الحكم المطلق بعباءات متنوعية خلال الانظمة الفردية الديكتاتورية وكذلك من جامعتها بما تسمى ب(الجامعة العربية) - التي يتولى امانتها هذا الشوفيني العتيد المعادي للشعب الكوردي بما يشبه الادمان .
الثانية عشر : باندماج كوردستان بالدولة التركية بكل ما لها من الثقل الاقتصادي والمادي والبشري ولما تتميزبه من موقع جغرافي مميز تصبح حاجزا قويا بوجه استراتيجية الثورة الاسلامية التوسعية ومن خلالها الامبراطورية الفارسية التي يعد العراق جناحا لها في كل الاحوال .
الثالثةعشر: ان انضمام كوردستان الى تركيا يتيح للشعب الكردي أفاقا أرحب وظروفا أفضل لاختيار قادته ان كانت لها المقتضى وكذلك كوادرالاقليمومسؤليه .
الرابعة عشر: قد يتوسع الاقليم ليشمل كوردستان الشمالية برمتها وتصبح مدينة (دياربكر) مركزا مشهودا لاروع تجربة قومية ديمقراطية في العالم تحت مظلة الدولة التركية العضوة في الاتحاد الاوربي والسوق الاوربية المشتركة آنذاك كما هي تشكل الجناح الشرقي لمنظمة الحلف الاطلسى في الوقت الراهن.
الخامسة عشر : ان انضمام أقليم كوردستان الى تركيا لا بد له أن يخلق أوضاع جديدة في البنية الاجتماعية والثقافية للشعب الكوردي تصب في العموم لصالحه منها -- مما يتبادر الى الذهن -- توحيد اللهجات الكوردية الدارجة وكذلك تعميم الكتابة بالحروف اللاتينية اسوة بالكتابة التركية في البلاد -
--------------------------------------------------
يناير عام 2009