حكومة الاغلبية بثقافة طائفية !
Tuesday, 29/04/2014, 12:00
1737 بینراوە
بقلم وسام جوهر
السويد 2013-04-29
يخوض الشعب العراقي هذه الايام معركة انتخابية شرسة لفرز ممثليه في البرلمان العراقي لاربعة سنين قادمة. كثيرة هي الثوابت و قليلة هي المعطيات الجديدة. غالبية الوجوه تتكرر دورة بعد اخرى و الخطاب السياسي في معظمه هو نفسه يتالف عن شعارات رنانة فارغة و ضبابية لا تتناول مشاكل العراق و العراقيين الحقيقية. الاستقطابات السياسية هي ذاتها طائفية بامتياز اذ لا يزال المشهد العراقي السياسي اسير استقطابات سياسية قومية و مذهبية، و لا يزال كل قطب من هذه الاقطاب منقسما داخليا الى اقطاعات سياسية بامتياز. الشعب العراقي نفسه لا زال اسير ثقافته الطائفية و يدين بالولاء لهذه الاقطاعات و الاقطاب و لا زال يمجد قائد الضرورة و منقذ الامة و القومية و المذهب.
الجديد هذه المرة، ان الكل ينادي بالتغيير و يقر بفشل النموذجين السابقين، اعني حكومة الوحدة الوطنية و حكومة الشراكة الوطنية وليدتا السياسة التوافقية المحاصصية التي اوصلت العراق و العراقيين الى طريق مسدود! اذن هناك اقرار من الجميع بالفشل و ان كنا نفتقر الى شجاعة سياسية او حتى اخلاقية لكي يقر احدهم بمسؤوليته و لو جزئيا لهذا الفشل طالما هناك رمز يعلق عليه الجميع قذارته السياسية الا وهو رمز رئاسة حكومة الشراكة الوطنية. شراكة ارتوى منها الجميع دون استثناء و تراهم ينددون بها اليوم دون استثناء. هؤلاء هم من ابتكروا للعراقيين اليوم الدواء السحري للخروج من الازمة المحاصصية الطائفية. نحن نتكلم عن حكومة الاغلبية السياسية التي بات ينادي بها الفرقاء جميعا!
كلام سليم و جميل و طبيعي في ظل الاجواء الديمقراطية الصحيحة و التي تتميز من بين ما تتميز بها من استقرار امني و سواد ثقافة الوطن و المواطنة الحقة بين الناخبين و وجود قانون الاحزاب الذي ينظم طبيعة عمل هذه الاحزاب، فيما يخص برامجها السياسية و مصادر تمويلها و الى غير ذالك من ضروريات و اولويات تشكيل حكومة الاغلبية السياسية و فرز معارضة سياسية قوية.
اين العراقيون من كل هذا؟ بل ربما كان السؤال الاهم هو: اين هذه الاحزاب السياسية الطائفية من العمل بحكومة الاغلبية السياسية؟! لا نحتاج الى عبقرية لنقرأ صعوبة تحقيق هذا الامر من رحم فكر عراقي سياسي طائفي. المواطن العراقي و بكل اسف طائفي يوم الحسم فبالكاد تجد كورديا يصوت خارج قائمة الاحزاب الكوردية و بالكاد تجد شيعيا يصوت خارج فلك الاحزاب الشيعية و بالكاد تجد سنيا عربيا يصوت حتى للمذهب خارج القومية و هكذا ...! ماذا يعني و ماذا يعكس هذا؟ بكل بساطة هذا يعكس ثقافة الشعب العراقي الطائفية و يعزز و يرسخ نفوذ و سطوة الاحزاب السياسية الطائفية على حساب القوى السياسية الوطنية التي لا يحسد على وضعها.
ان الانتقال الى ثقافة حكومة الاغلبية السياسية اصعب عملا منه قولا، لانه تحد كبير لمن ولد و تربى على ثقافة استحواذية سلطوية استبدادية تلغي الاخر و تقصاه، ثقافة لا تعرف للحوار معنى. شر البلية ما يضحك ..! الكل يتبنون التغيير و يعلنون عن رغبتهم في الانتقال الى نمط حكومة الاغلبية السياسية و لكن لا احد يفصح او حتي يلمح لنا عن شكل التحالفات الممكنة لتحقيق هدف المرحلة الاسمى!
في الحقيقة يتسم الخطاب السياسي العراقي عشية الانتخابات البرلمانية بكثير من الجبن السياسي النابع من القلق الكبير الذي يعيشه الاطراف السياسية المهيمنة. لناخذ بعض الامثلة ليس من باب الحصر بل الاستدلال ليس الا.
المجلس الاعلى السلامي بزعامة سماحة السيد عمار الحكيم اتخذ موقفا سياسيا يوصف بالمنزلة بين المنزلتين من مسالتين سياسيتين مهمتين ، اعني الموازنة و احداث الرماد ناهيك عن عزف المجلس على وتر اقلمة البصرة و عن موقفه المسكوت عنه تجاه ملف خلافات المركز و اقليم كوردستان. المجلس لم ينضم الى جانب الكورد و لا الى جانب العرب السنة كما انه لم يتخذ موقفا معارضا واضحا من سياسة دولة القانون ، كل ذلك خوفا من ردود الشارع الشيعي. و المجلس ذاته رغم الحملة الدعائية التي اخذت طابعا يذكرنا بحملات الانتخابات الرئاسية الامريكية، لم يوضح للناخب العراقي عموما و الشيعي خصوصا موقفه الصريح من ملفات النفط و البيشمه ركه مع الاقليم؟!! و لم يوضح موقفه و كيف سيتعامل مع ملفات المكون السني عموما و الرمادي على وجه التحديد؟ هذا الموقف اللاموقف يشمل و من باب الصدق و الامانة التيار الصدري و تيار الاصلاح الجعفري على حد السواء؟! ان تنتقد خصم سياسي و تتهمه بالفشل فهذا امر ...و ان تاتي ببديل سياسي فهذا امر مختلف تماما! هذا ما فشلت فيه حسب راي الاحزاب الشيعية التي تنافس و تقارع السيد نوري المالكي على دفة الحكم.
الاحزاب الكوردية هي الاخرى تدخل هذه الانتخابات بمعطيات صعبة جدا فهي اليوم مشتتة و متناحرة اكثر من اي وقت مضى ، فها هي تدخل شهرها الثامن في عجزها عن تشكيل حكومة توافقية منذ اجراء انتخابات الاقليم البرلمانية. ففي الوقت الذي يسجل التيار الاسلامي السياسي تقدما في كوردستان نرى تراجعا واضحا للتيارالقومي حيث وصل الى حد تصدع احد اهم اطرافه الذي بات يصارع من اجل البقاء.
الجبهة العربية السنية تخوض الانتخابات بعد انهيار سياسي شبه تام على اثر الفشل الذريع لقيادات القائمة العراقية. لعلها الجبهة السياسية الاصعب تكهنا و ربما الاكثر توقعا بمفاجئات ربما اصبحت المفتاح الى التحول الى حكومة الاغلبية لانها جهة سياسية مفتوحة اليوم على كل الاحتمالات و هي اقرب الى دور بيضة القبان من قطب سياسي بذاته. هذه الجبهة السياسية تمسك منذ فترة ليست بالقصيره العصا من الوسط بين الشيعة و الكورد.
السؤال الطبيعي هاهنا: ما هي حظوظ تشكيل حكومة الاغلبية السياسية في عراق اليوم؟ الاجابة المباشرة هي، ان هذا امر يتوقف تماما على درجة التصدع السياسي الحاصل في البيوتات العراقية السياسية القومية المذهبية، و كذلك على درجة تناغم هذا التصدع مع المصالح الاقليمية و الدولية في العراق.
لابأس ان نتجرء بتكهنات اولية حول السيناريوهات السياسية المحتملة على مسرح حكومة الاغلبية السياسية. احد هذه السيناريوهات بكل تاكيد ستتمثل في عودة المجموعة صاحبة مشروع سحب الثقة من المالكي سابقا، الى الظهور من جديد لمحاولة تحقيق الهدف المؤجل في استبعاد ائتلاف دولة القانون عن دفة الحكم او على الاقل منع عودة شخص السيد نوري المالكي في ولاية ثالثة تكون كارثية على هذه الاطراف اذا ما تم له ذلك في ظل اغلبية سياسية يتفرغ بها الى تنفيذ ما لم يتم له سابقا من برنامجه السياسي! على الورق نرى ان اطراف مجموعة اربيل تشترك في خصومتهم للمالكي. و هي ان تحالفت، فانما تتحالف في المقام الاول على اساس عدو عدوي صديقي المشكلة هنا ان هذا المبدأ اثبت تاريخيا انه غير نافع في غالب الاحيان و لعل الشعب العراقي يعاني منه اليوم في تجربة فرقاء اليوم مع نظام البعث السابق في العراق. هناك ملفات ساخنة و تضارب مصالح في درجة كبيرة من الاهمية بين هذه الاطراف لم يلوح لنا اي طرف كيف سيتعامل مع هذه الملفات؟
السياريو الثاني و بنفس القدر من الواقعية و الاحتمال هو ان يقود أئتلاف دولة القانون بزعامة السيد نوري المالكي جبهة سياسية تفاجىء الكثيرين باطراف سياسية متنوعة من مختلف اطياف الشعب العراقي. لعل اهم صعوبة في هذا المنحى تكمن في مدى نجاح دولة القانون في المعركة الانتخابية، خاصة و ان الائتلاف اخفق بعض الشيء في تحقيق نتائج توازي الطموح في اخر انتخابات مجالس المحافظات. ان فوز الائتلاف بما لا يقل كثيرا عن ٩٠ مقعدا سيجعل منه بكل تاكيد رقما صعبا و اتكهن عندها بنجاحه في لملمة ما يكفي من المتحالفين لتشكيل حكومة الاغلبية السياسية. نجاح دولة القانون من عدمه يتوقف على حكم و تقييم الناخب الشيعي بالدرجة الاولى على تعامله مع ملف الغرب السني و الى حد كبير في مدى نجاح جماعة اقلمة البصرة.
و يبقى الرقم الاصعب في عراق اليوم كل من ايران و الولايات المتحدة الامريكية فلهما الكلمة الفصل في تحديد هوية العراق السياسية بما في ذلك شخص الحاكم. لا نري ما يشير الى تخليهما عن المالكي و التاريخ القريب يشير الى مقبولية المالكي لدى محركي السياسة في العراق.
ساذج من يتصور ان تشكيل حكومة الاغلبية السياسية يخلو من مجازفات و ازمات قد تتفجر بشكل يجبر الفرقاء الى العودة الى التوافقية ...فان اي مكون من مكونات الشعب العراقي الرئيسية الثلاثة او لنكن اكثر دقيقين ، ان اية جهة سياسية مهيمنة على مكون من هذه المكونات الثلاثة ، اذا ما وجدت نفسها في موقع المعارضة السياسية ستعمل ما بوسعها في عرقلة مشروع الاغلبية و قد نكون امام ازمات و صراعات عنيفة.
نتمنى على الجميع الاحتكام الى العقل و الحكمة في التحول الى نمط سياسي حضاري مجرب من قبل الشعوب في التداول السلمي للسلطة على اساس السلطة و المعارضة، و لكل منهما حقوق وواجبات.