نينوى و كركوك عربيتان لا كرديتان
Friday, 01/05/2009, 12:00
الصراعات القومية والقبلية والطائفية، في هذه المنطقة أمر قديم. هذه الصراعات مجبولة بنفسية الفرد المنطوية على أمراضٍ معقدة، تأزمت أكثر فأكثر كلّما تقدم الزمان وتوسعت رقعة الحياة وقضاياها. ومن هذه الأمراض التي يعاني منها الإنسان في منطقتنا ـ على العموم ـ هي العصبية العمياء للجماعة (قومية أو دينية أو سياسية)، والحسد الملقح على الدوام بالجهل والكسل، والنفاق المغلف بالتمثيل والظهور بلباس الشرف، والعفة والتدين والوطنية والقومية، ومن ثم تفضيل دروب الموت على الحياة، بإعطاء معاني السمو والرفعة الفارغة للموت بمسميات شتى. إنْ لم يكن كذلك، كيف لأفراد يعيشون بيننا الذهاب إلى وسط الناس والأسواق لتفجير أنفسهم، بغية إنهاء الحياة في بقعة ما، في سبيل "الإفتداء" من أجل "القضية"؟!
وهل هناك قضية بعد أن تنتهي الحياة؟!
إنها أزمة الإنسانية في الإنسان الشرقي كله!
كنت تحدثت مرّة في مقال، أن أحد العراقييين العرب قال لي في بداية التسعينيات، رغم أنه كان هارباً من نظام البعث، أنه يود لو أفنى صدام حسين الشعب الكردي كلّه، ولا يرى "شمال العراق" دولة مستقلة!
هذا الرأي ليس شاذاً في العراق. على العكس، فمن يقف على نقيض من هذا المذهب، من العرب، يعد شاذاً عن القاعدة العامة، يؤدي بالأكراد إلى إعلان تصفيقهم وإحتفائهم به، كونه يدافع عن حقوق محدودة لهم.
لذلك فإن كمية كبيرة من المقالات، والتصريحات، والأقوال، والخزعبلات التي تتكرر يومياً، تشبه مجتمعة صفوف القبائل البدائية العارية إلا من اللباس الخفيف، وهي ترفع العصي ورماح الصيد مهتزةً، تصرخ بأصوات غريبة ومضحكة في آن.
تلك الكمية الكبيرة تبت في دوران مملٍ مقزز للنفس، لم يتغير من جوهرها شئ منذ قرن كامل مذ أن تشكلت دولة العراق، في قضايا "الوحدة الوطنية"، والعروبة، والبحث في أسانيد "أقوام أصلية" وأخرى "وافدة"، ومللٍ ذات أغلبية وأخرى أقليّة (دونية)، وهوية الدولة الثابتة، و"طارئ هيمنة جماعات مخترِقة" ـ بكسر الراء ـ للدولة العراقية مثل الأكراد.
وكأن المشهد في بروزه النهائي هو هكذا: صفوف العروبة تصرخ ضد الآخرين (الأكراد حالياً) لمشاركتهم في الإدارة والسيادة، وتكرر على مسامعهم: هذه دولتنا، لا مكان لكم هنا إلا أن تكونوا عبيداً خرسْ!
وما لا يمكن تفريقه في هذا الأمر، هو رأي العوام دائماً وأبدا، مع رأي وموقف السياسيين و أناس السلطة.
فالمناطق المتنازع عليها بدعة كردية، لا يمكن أن تكون في الدولة الواحدة. وكركوك وموصل عربيتان (لاحظ عربيتان: هوية الدولة!).
وإذا كان الأكراد فعلاً يعتبرون أنفسهم عراقيين عليهم أن لا يطالبوا بحقوق لهم في هذه المناطق. هذا ما يسمعه الأكراد يومياً، ممن يفترض أن يعيشوا معه في دولة واحدة كمواطنين!
إذن على الأكراد التنازل عن كلّ ما يطلبون من حقوق، حتى يبلغ الأمر رويداً رويدا إلى أن يمتنعوا عن المطالبة حتى بالحقوق الثقافية، ويتحولوا بالكامل إلى عرب، ويتبنوا الهوية العراقية العربية، شأن إخوانهم أكراد سوريا، الذين حرّموا من كامل حقوقهم القومية والثقافية. رغم ذلك بقوا بلا حقوق حتى كعرب سوريين، على المستوى المعيشي والإداري والثقافي. وفوق ذلك جرّدوا حتى من الجنسية المفروضة عليهم (العروبة السورية)، وسجلوا كأجانب لا حقوق لهم سوى الضرب والإهانة. ليس ذلك فحسب بل وطردوا من بيوتهم وأغتصبت أراضيهم وأملاكهم، وأعطيت لعشائر عربية. ليس ذلك فحسب بل إن هذا "الأجنبي" الكردي إذا أراد السفر من الحسكة أو القامشلي، وأراد البقاء ليلاً في حلب أو دمشق، عليه أن يراجع دوائر أمن الدولة لأخذ تصريحٍ يسمح له البقاء مشكوراً في الفندق!(*)
أما كيف يأخذ التصريح، فتلك قصة طويلة من الإهانة والرفض والرفس واللكمات، من قبل "صناديد وأبطال العروبة" المسلحين، على أجساد مدنيين عزل بدون سلاح، لا يريدون شيئاً غير البقاء أحياء في سلم وأمان، بعيداً عن متاهات الهوية، والحقوق القومية، والثقافية، والمواطنة والجنسية ...
هذا ما تريده العروبة وتخطط له للأكراد في العراق، وفي إقليمهم كردستان.
فأثيل النجيفي، لا فرق شأنه شأن العروبيين والمختفين وراء ستار (الوطنية)، يعتبر أن الإنتماء العراقي يمنع ويحرّم على الأكراد المطالبة بكركوك وموصل. ولا يتردد أثيل وأمثاله في إدعاء أن المدينتين عربيتان تأريخاً وهوية!
أي أن الهوية العراقية لهما غير كافية، ويردون على الأكراد: لا نزاع على هوية المدينتين!
ولا يخبرنا هؤلاء، إذا كان الأكراد فعلاً مواطنون في "العراق الواحد المتحد" لمَ تعرضوا إلى الطرد من تلك المدن، ولماذا تم تحويلهم إلى لاجئين تحت الخيام يتعرضون للقصف والأنفال؟!
وإذا كان ما يصطلح عليه بالمناطق المتنازع عليها، أمراً مرفوضاً من قبل العروبيين، فلماذا يتم التأكيد إذاً على الهوية العربية للمدينتين؟!
وهل حقاً هم الأكراد الذين طردوا المسيحيين من موصل؟! أم أولئك العروبييون الذين يمتطون الإسلام السياسي التكفيري، الذي يعتبر المسيحيين أذناب الصليبيين والصهيونية؟!
ألم يقم أقارب أسامة النجيفي، بخطف المواطن الآشوري (سعد يونس الياس القس الياس) قرب قوش، وأطلقوا سراحه مقابل الحصول على 12000 دولار أميركي؟!
وهل رائد خلف طعان الخالدي، وحسين منير الخالدي، وأحمد صالح مطلك الجبوري من الأكراد؟! (1)
هؤلاء وهم من أقارب النجيفي ويخدمون في سلك الشرطة، قاموا مع آخرين من العروبيين والقاعديين بخطف وتهجير وقتل المسيحيين، ومن ثم رميهم قرب مناطق الأكراد لإلصاق التهمة بهم! (2)
لكن حبل الكذب قصير، فسرعان ما تم القبض على هؤلاء وآخرين أثناء القيام بتلك الجرائم في وضح النهار، بفضل تعددية القوى الحكومية في العراق وعدم خضوعها لجماعة واحدة، لطمس الجرائم والحقائق كما كان يحدث في زمن البعث!
المسيحييون في كردستان آمنون، ولهم إمتيازات، ولم يتعرض لهم أحدٌ بسبب إنتمائهم الديني والقومي إلى العدوان والإلغاء كما هي حالهم في العراق، وكما هي حالهم وحال الكرد في دول المنطقة. بل إن برلمان كردستان أقرّ مبدأ تخصيص خمسة مقاعد دائمة لهم في البرلمان، ومقعد للأرمن (رغم عدم إكتمال نصابهم العددي للتمثيل بمقعد في البرلمان)، وخمسة مقاعد للتركمان. فضلاً أن أهم وزارة وهي وزارة المال أعطيت للمسيحيين، وكذلك وزراة السياحة.
بالرغم من الفساد، والظلم الذي يمارسه الحزبان الحاكمان في إقليم كردستان بحق الشعب الكردي، لكن في ما يتعلق بحقوق المسيحيين، وإستتباب الأمن، لا إنكار على ذلك أبداً. والعرب الذين يأتون إلى كردستان شريطة وجود كفيل كردي، لهو أمرُ محمود لقطع دابر أولئك الذين يهمون بتحويل كردستان إلى ساحة إنفجارات ودماء، كما يحدث في باقي مناطق العراق. والعرب في كردستان يعيشون أحراراً، ولا يطردون في بيوتهم ولا يقتلون بسبب إنتمائهم الطائفي، وأسمائهم السنيّة والشيعية. والكُرد لم ولن يفكروا بالإنتقام منهم، لكونهم عرباً، كان نظام البعث ينتمي إليهم قومياً!
وتذكيراً للجميع، فإن الأكراد لم ينتقموا حتى من ستين ألف جندي من جنود البعث، عقب إنتفاضة 1991، حين وقعوا أسرى في أيادي المنتفضين. لذلك فعلى أولئك الذين يعادون الوجود الكردي، عليهم أن يتوضئوا أولاً، ويتوبوا عن جرائمهم وعنصريتهم، قبل ذكر إسم هذا الشعب المظلوم!
ومعاداة العروبيين، والمتسترين وراء الوطنية العراقية، للهوية والوجود الكردي، ليس بسبب معاداتهم لسياسات بارزاني ـ طالباني. كلا!
فهم يعلمون علم اليقين، أن الشعب الكردي نفسه يعاني من قمعهما وظلمهما!
إننا نحن الذين نعاني من ظلم هذين الشخصين وأتباعهما، نكتب بإستمرار ضد جرائمهم وفسادهم، ولم نتهاون في ذلك يوما.
ولكن عداء العروبيين والمتسترين وراء الوطنية العراقية، لإقليم كردستان، والشعب الكردي ـ كما هو ظاهر في إعلامهم ـ ليس بسبب ذلك، إنما هو موقف أبدي دائم ضد الوجود الكردي، والهوية الكردية، والإنسان الكردي!
كلما زدنا (ككتاب كرد) حديثاً عن التأريخ المشترك، والأخوة بين الشعبين الكردي والعربي، والسلام والإستقرار، ونبذ العدوان والحروب، زادنا العروبييون والمتسترون وراء الوطنية العراقية، حديثاً كريهاً، عدوانياً، هابطاً مليئاً بالشتم والعدوان ضد الأكراد، ورفضاً لوجودهم وتشكيكاً في حقوقهم وأهدافهم!
نحن بإستمرار نكتب من عمق معانات الشعب الكردي، الذي يعاني ظلماً مزدوجاً من قبل دول المنطقة، ومن قبل سلطة إقليم كردستان، لكن العروبييون والمتسترون وراء الوطنية العراقية، يأتون ويضعوننا جميعاً ضحايا وجلادين، آمنين ومحاربين، ظالمين ومظلومين في صفٍ واحد، ويطلقون شرارة العدوان وأفاعي العنصرية المليئة بالأحقاد ضدنا جميعا!
نظام البعث، بكل جبروته وقوته المدعمة من قبل دول العالم شرقاً وغربا، جرّب كل سبيل للنيل من الوجود الكردي. لكنه لم يجن غير الإحباط والهزيمة!
اليوم يقف أيتامه في صفوف مهزوزة مغشوشة، ليفرغوا بقايا الأحقاد المتخثرة في أعماق صدورهم، وليضربوا أي جهد مشترك بين الشعبين الكردي والعربي نحو مستقبلٍ مشرق، وليقدموا خدمة مجانية للأحزاب الكردية الفاسدة، التي تمتطي صهوة عنصرية مخادعة، لتستمد شعبيتها من تخويف الجماهير الكردية، بعدوان أولئك العروبيين، وأولئك المتسترين وراء الوطنية العراقية!
ويقولون العراق بلدٌ لكلّ العراقيين!
أي عراق والإنسان فيه أبداً يتقطر دما والجلاد أبد الدهر يلهو في العلياء منعما
عروبة فيه تهدر الخزائن لقتلي بخناجر تشتريها من علوجٍ تدعي أننا لهم خدما
[email protected](*) للإطلاع على آخر إنجازات البعث العروبي في سوريا أنظر إن شئت إلى الرابط الآتي:
http://www.almustaqbal.com/Issues/AsISPDF/17-04-09/f15.html
1ـ لرؤية الوثيقة حول الموضوع أنظر إن شئت الرابط الآتي:ـ
http://www.peyamner.com/filesbank/img/190109070255.JPG2ـ
http://bartella.com/forums/index.php?action=printpage;topic=47023.0
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست