هل اهدر المالكي فرصة تجسيد الديموقراطية في العراق ؟
Sunday, 27/05/2012, 12:00
يشهد الجميع على انه كانت هناك محاولات شتى من قبل اطراف كثيرة لخطف ثمار سقوط الدكتاتورية في العراق بوسائل و طرق مختلفة، و لم ينجح اي منهم لحد هذه اللحظة في ما كان يقصده . المشهد السياسي العام لما بعد السقوط وفٌر ارضية كان بالامكان بناء قاعدة رصينة عليها لبناء الوسائل الضرورية لترسيخ المباديء العامة للحياة التقدمية ، و توفير الية مناسبة و متعددة الاشكال لمفهوم الديموقراطية المتمثلة بالانتخابات النيابية بداية كابسط محاولة لفهم و تطبيق هذا المفهوم العصري المعتمد بشكل عام في العالم، و الذي يحتاج لعوامل مساعدة و اعمدة رئيسية للبدء بالخطوة الاولى لتنفيذه .
مكونات الشعب العراقي معروفون بميلهم الخاص لافكار و عقائد معينة و ايديولوجيات مختلفة وفق ما فرضها عليهم التاريخ و الظروف العامة التي مروا بها . فهناك الكورد و حلمهم و هدفهم الاستراتيجي، و السنة و ما تمتعوا به من لذات السلطة مما ترسخ روح التكبر و الاستعلاء في كيانهم و عقليتهم و الذي فرضه احتكارهم للسلطة لعقود ليست بقلية مضت، فالشيعة و الاحساس بالغبن و ظلم التاريخ و المكون الاخرلهم و تفوق الاقلية الاخرى عليهم و لومهم لذاتهم على ما اقترفوه من اخطاء اساسا .
اليوم و بعد ان اتيحت الفرصة بشكل جيد لاعادة ترتيب كل الاوراق و استحقاق الحق بعيدا عن الضيق في النظر و الانانية و السذاجة التي اضرت ببداية المسار، فخلطت الاوراق ثانية بشكل مشابه لما كان من قبل و ربما باتجاه معاكس و بتغيير المواقع و الجهات بعد مدة قصيرة جدا .
لقد سقط الدكتاتور فوقيا و بفعل فاعل دون تحظير و تاهيل جيد من قبل الشعب بانفسهم، و بقت الفلول البعثية المتناثرة بداية و لمدة ليست بقليلة بعيدين عن العملية السياسية مراقبين مندهشين لما يحدث لهم، و من ثم بدؤا اكثر تنظيما في كتل و تيارات و احزاب بشكل مباشر او غير مباشر، الظروف الموضوعية قبل الذاتية هي التي فرضت عودتهم من الابواب و النوافذ على حد سواء .قادة الكورد دخلوا من الباب الواسع و شاركوا بالقوة في اعادة بناء العراق دولة و على عكس ما كان ينتظره شعبهم حقا و الذي كانوا ينوون من الاساس تحقيق حلمهم الابدي و التي منعت عليهم تحقيقها تحت ظروف يعلمها الجميع،و عاشو في واقع من صنع الاستعمار الذي لم يكن يفكر الا بتامين مستقبل شعوبهم و مصالحهم في خططهم و ممارساتهم في هذه المنطقة بشكل عام . الشيعة اغتنموا الفرصة بعد السقوط لاعادة حقوقهم المهضومة في ممارسة السلطة التي كانت من حقهم منذ انبثاق الدولة العراقية،و التي اعترضوا على ما نُهب منهم،و كانوا يطالبون بها من قبل في مراحل مبتسرة من تاريخهم في العراق .
كل هذه المؤثرات و التراكمات التاريخية وضعت حاجزا منيعا امام التقدم المنشود بخطى راسخة لبناء الاساس المتين للديموقراطية الحقيقية، و كرر الجميع اخطاء الماضي وفق ما كانوا يحملون من العقد المختلفة المتكونة في كينونتهم .
بعدما استقرت الاوضاع شيئا ما، بعد اقرار الدستور العراقي الفدرالي بما فيه، و اعيدت الانتخابات النيابية و ما شوهد من تداول السلطة بشيء من الخجل رغم ما شاب ذلك من الخلل و عدم تثبيت الاسس بشكل سلسو دائمي لحد الان و اصرار البعض على البقاء النهائي على سدة الحكم، و الثغرات الموجودة في النظام التي تدفع لذلك، و التاثيرات السلبية للاحزاب و التيارات الدينية و التدخلات الخارجية الكثيرة المضرة بالعملية اصلا . فوصلت الحال الى المرحلة التي اعيد فيها اختيار المالكي رئيسا للوزراء من قبل الكتل وفق اتفاقيات و توافقات و وعود و توازنات و صفقات معلومة، و كل ذلك شكل خللا في مسار العملية السياسية، و هو مايثير التخوف دائما من سير العملية السياسية بشكل معاصر و حداثوي .
فكان من الاحرى بالمالكي ان يعيد الحسابات جيدا و يجلس مع الذات للتمعن في تاريخ العراق و ما يحوي و ما حل به منذ انبثاقه لحد يوم السقوط، لكي يتمكن من بناء استراتيجية ملائمة ناجحة و يمكن ان يتعامل وفقها مع الاحداث الكثيرة المتكررة، و ليس كما كان يفعل معتمدا على التكتيكات و الحيل الشرعية في ممارسة سياساته المختلفة، و كما فعل في ازاحة منافسه في امانة حزب الدعوة بشكل سهل و سلس دون اية اعاقة ممكنة، و كان من المفروض عليه ان يكون اكثر تفهما و دقة في نظره الى الافق الابعد من خلال العوامل المتعددة التي كان من الواجب تلمسها و المسارات العديدة التي كان من المفروض سلكها، و من خلالها يمكن النظر الى المحطات المحتملة التي من الممكن ان تقف عندها السلطة مستقبلا . الخطا الاكبر في تعامل السيد المالكي مع الدولة الفتية و المستجدات و الحوادث السريعة هو ممارسته لنفس السلوك الحزبي الضيق على نطاق الشعب و النظر الى المكونات على انها التنظيمات اوكانها المستويات المختلفة من القيادات المختلفة المنافسة له في حزبه، دون ان يعلم ءبشي و هو لم ينظر الى الاختلاف في الظروف و القواعد المختلفة لالعبة في الاماكن المختلفة، و ليس من المعقول ان تعيد التجارب الناجحة في اماكن و قواعد و ظروف مختلفة و تنجح بنفس المستوى .
بصريح العبارة، الشعب الكوردي ليس جزءا من منظومة الشعب العراقي و لم يكن يوما منسجما مع المكونات الاخرى باي شكل كان، و له الحق بناء دولته بما يمتلك من المقومات الاساسية المطلوبة لذلك، و قادته و القوى والظروف الموضوعية فرضت عليه غير ما يؤمن و يحلم و يهدف و يضحي من اجله منذ عقود، و لذلك كان من الاجدر بالسيد المالكي ان يتعامل مع متطلبات الشعب الكوردي في قراراته الحساسة على ما يكنون من الاهداف الحقيقية و ليس على ما تفرضه الظروف على قادته لينطقوا بما لا ينسجم مع اهداف و احلام و تاملات الشعب الكوردي، واحيانا يعلنون عن مواقف و اهداف تجاه مواضيع استراتيجية لا تمت باحلام الشعب الكوردي بصلة لا من قريب و لا من بعيد ابدا .
اي كان عليه و لايزال و لليوم ايضا من الاجدر بالمالكي ان يفعل ما يريده الشعب و يستحقه، و بالنسبة للكورد، الفدرالية ليست المحطة النهائية، و الدستور لم يحل القضية و لم يلب مطالب الشعب الكوردي التاريخية المعروفة للقاصي و الداني، و لا يمكن فرض امنيات و اهداف الاخرين بالقوة في هذا العصر المشهود له بالشفافية و الديموقراطية و حقوق الانسان و حق تقرير المصير للشعوب .
من جانبهم السنة كمكون رئيسي من الشعب العراقي العربي و ليس بقايا البعث، لهم تطلعاتهم و اهدافهم الخاصة التي تختلف عن الشيعة و الكورد بشكل كامل، و هذا ما كان من المفروض ان يحسب لها المالكي ايضا في ممارساته السياسية و قراراته و ليس على اساس بقايا فلول البعث و اهدافهم الضيقة .
ان كان من المفروض ان يتولى القيادة بعد السقوط من الفطاحل و الجهابذة الملمين بكافة شؤون الشعب و تاريخه و سايكولوجيته و ظروفه الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية، من قبل المشهود لهم في قراءاتهم العلمية الدقيقة و تقيمهم الحقيقي الصحيح للشعب و الواقع العراقي و تاريخه و طبيعته، و العراق ليس خاليا من امثال العالم الكبير علي الوردي. فكان الاولى بالسيد المالكي ان يستعين بالعلماء الذين يجارون الوردي و ليسوا باقل منه في امكانياتهم و عقلياتهم في الداخل كانوا ام في المهجر، و كان من المفروض عليه، ان كان يريد ان يسجل له التاريخ على الاقل ان ينقل العراق الى مرحلة اخرى لضمان عدم العودة الى المربع الاول، و دون الرجوع خطوات كما هو حاله الان ، كان عليه ان يدرس جيدا الوضع و ياخذ براي هؤلاء العلماء و الاكاديميين المجربين و المخضرمين من العقول المتنورة لما يجب اتخاذه من الخطوات الصحيحة، و كان من المفروض الابتعاد عن الاعتمادات الحزبية و السياسية و الصراعات مع الكتل و الاحزاب كما يفعل اليوم، و كان هو الاقدر على النأي بنفسه عن تلك الامور بخطوات عملية سهلة .
فقول الملك فيصل؛ اقول و قلبي ملآن اسى، انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خالية من اي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد و اباطيل دينية ميالون للفوضى مستعدون دائما للانتفاض على الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين، و لا تجمع بينهم جامعة، فنحن نريد في الحالة هذه ان نشكل شعبا و نهذبه و ندربه و نعلمه، و هذا لا يشكل في مثل هذه الظروف . لم يات هذا القول من الفراغ ، و هو تقييم حقيقي و جوهري للشعب العراقي الحقيقي لحد الان .
اليوم نرى و نتاكد يوما بعد اخر بان السيد المالكي مصرٌ على اعادة التاريخ كما كان و بما حصل بالشعب و من ثم العودة الى المربع الاول رغم الخسائر الكبرى . و خطواته تدلنا على نظرته و توجهه و ما يفرضه للعودة الى الدكتاتورية باشكال و الوان مختلفة لحد ما للسيطرة بالقوة الغاشمة على الشعب بعيدا عن التحسب لامانيهم و امالهم و اهدافهم و حرياتهم التي لا مساومة عليها ابدا .
و عليه، اذا كان السيد المالكي و لازال على ما يعلنه على الملا دائما ، و ان ما يريده هو كل الخير للشعب العراقي و ليس لقادته، و عليه يبني توجهاته و نظرته و سياساته و وفق مستحقات المكونات التاريخية، و ليس من خلال النوافذ العقيدية الايديولوجية الضيقة التي يحملها ، و به يمكن ان يسجل له و يحقق الخطوة الاولى من بناء و تجسيد الديموقراطية الحقيقية، فعليه ان يبتعد عن الاهداف الحزبية الضيقة الافق الخاصة بمكون و تيار معين دون غيره، و عليه ان ينظر الى العراق من عرش الدولة العالي الذي يعتليه و من خلال و بدافع عقلية منفتحة مخلصة مؤمنة بايجاد الحلول الجذرية للقضايا و المشاكل المستعصية على الجميع، فتبدا رحلة الف ميل بخطوة واحدة . و يمكن ان تبان ملامح هذه السياسة الصحيحة و الهدف الجميل من خلال خطوات بدائية في فترة قصيرة جدا، و هنا يمكن ان يتحكم الشعب و يسير وراء الحق دائما . و لكن لحد هذه اللحظة، و استنادا على ما مضى و بتقييم السياسات المالكية المتبعة، فانه غير مشجع على التفاؤل و يهدر الفرصة الموآتية امامه لوحده و في هذه المرحلة لتعديل مسارحكم العراق الخاطيء منذ عقود، و من خلال هذه الفترة القليلة من بناء الدولة و نظامها .
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست