نكسة الموصل: استنتاجات و تداعيات
Wednesday, 18/06/2014, 12:00
1674 بینراوە
السويد 2014-06-18
ان ما حصل في الموصل كانت مؤامرة اقليمية محلية اشتركت فيها جهات عديدة اريد منها خلط الاوراق و الالتفاف على العملية السياسية بقطع الطريق على الانتقال الى مرحلة جديدة من مراحل الانتقال الى الممارسة الديمقراطية الطبيعية، اعني هنا محاولة الانتقال من حكومات الشراكة و التوافقيات السياسية المقيتة الى حكومة الاغلبية السياسية.
محاولة الانتقالة هذه بثت الرعب في صفوف اصحاب الاجندات السياسية الخاصة بتدمير العراق دولة و حكما. تحركت اقطاب المؤامرة ووضعت فيما بينها اسس توزيع ميراث العراق بشكل يذكرنا بجماعة الحلفاء ابان الحرب العالمية الثانية عندما وضعوا اسس اوروبا الجديدة.
انه لمن دواعي الحزن ان لا يعي العراقيون جميعا ان الحل الصحيح و الخيار الافضل ان يكون هذا الحل عراقيا اي كان هذا الحل. الامم ترعى مصالحها بالدرجة الاولي و الاخيرة. فامريكا لن تتدخل الى هذا الجانب او ذاك الا بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية و كذلك ايران و تركيا و جارات السوء السعودية و قطر.
سيتذكر التاريخ احداث الموصل كمحاولة انقلابية فاشلة قامت بها جماعة من الاخوة الاعداء، حيث لا مشتركات بينها اللهم اسقاط المالكي او في الحقيقة الدولة العراقية، و كل له في ذلك مصلحته الخاصة التي بكل تاكيد ستتعارض مع بعضها سرعان ما تحقق لها سقوط بغداد لا قدر الله.
من يتحمل مسؤولية تطور الاحداث لكي يصل الامر الى ما وصل اليه؟ بكل تاكيد ليس هناك من طرف واحد يمكن الاشارة اليه كسبب وحيد فيما الت اليه الامور، فمحليا الكل السياسي الشيعي ـ الكوردي ـ السني يتحمل المسؤولية الوطنية في اخفاقهم للوصول الى اليات سياسية مقبولة و عادلة للجميع، اذ راح كل طرف الى كسب المزيد و المزيد من الامتيازات على حساب الاطراف الاخرى و اصبح لكل من هذه الاطراف الرئيسية الثلاثة عراقه الخاص به و بات على الاخرين ان يعيشوا في عراقه بشروطه! فاصبح لنا العراق الشيعي و الكوردي و السني ، و مع ذلك انتهجت النخب السياسية نهج النفاق و الدجل السياسي من خلال مجاملات سياسية اخفت المشاكل و الاختلافات الحقيقية الكبيرة بين هذه الجهات الثلاثة ، اي انها اخفت القمامة تحت البساط لتتعفن لاحقا.
الطريف في الامر ان المعطيات تشير الى ان احداث الموصل ستاتي بنتائج عكسية تماما لما اريد لها من قبل القائمين على مشروع المؤامرة التي كما اسلفنا استهدفت المالكي. الوضع يذكرني بايران ابان سقوط الشاه و عشية الحرب العراقية الايرانية حيث ان الايرانيين كانو قد استشعروا خيبة الامل في ثورتهم ، فجائت الحرب العراقية الايرانية ، اي كان السبب او المقصر ، لتقدم طوق نجاة لحكم الملالي في طهران على طبق من الذهب، اذ سرعان ما اتحدت الجماهير خلف الدولة و نظام الحكم لتواجه العدو المشترك. ما اريد قوله ان الذين استهدفوا المالكي من شيعته قبل الاخرين قد قدموا للمالكي خدمة كبيرة جدا ، فها هو البطل الوطني و المذهبي على حد السواء تتوحد خلفه الطائفة و الوطنيون وهو يقارع الداعشيين ! و هاهو يحصل دعما من المرجعية الشيعية ما لم يكن يوما يحلم بها, و ها هو يخرج منتصرا مرة اخرى من الزوبعات السياسية العراقية المفتعلة.
و ها هي ايران و امريكا تجددان دعمهما للعراق و المالكي. و ها هيا اوروبا و روسيا تجددان دعمهما للعراق. ومن يشك في هذا فليفسر لنا سبب الاستدعاء الفوري لايران للسيد نيجيرفان البارزاني الى طهران. بكل تاكيد حملته رسالة الى قيادة الاقليم و الاكراد عموما تحوي امور في غاية الخطورة. رسالة تبين اين تمر خطوط طهران الحمر، من انها لن تقبل تحت اية ذرائع كانت دعم الكورد لاقامة الاقليم السني (البعثي) و اتوقع انها احتوت ايضا بان لا مجال لتطبيق سياسة الامر الواقع بضم كركوك و مناطق اخرى و بان على الاقليم اعادة كافة الاسلحة و المعدات العسكرية التي استولت عليها قوات البيشمه ركه بعد انتكاسة الموصل و كركوك.
امريكا اصبحت اكثر وضوحا الان في التزامها بالاتفاقية الامنية المشتركة، و كل المؤشرات تؤكد بان يكون الدعم الامريكي على شكل توجيه ضربات جوية على تجمعات الارهابيين و ذلك بالتنسيق مع القيادات العسكرية التي انتقلت من الدفاع الان الى الهجوم.
اذن اولى و اهم تداعيات مؤامرة الموصل، ان خرج المالكي بطلا للوطن و المذهب، بينما اختلطت الاوراق مرة اخرى على المكون السني المسكين الذي في غالبيته يطالب بحقوق مشروعة ، الا ان البعض من قياداته الفاشلة زاوجت حراكه الشعبي مع المجاميع الارهابية و افقدت المكون حقه المشروع في حراكه الشعبي.
اما سلطان تركيا اردوكان فلقد اضاف بكل تاكيد فشلا سياسيا اخرا الى سجله الحافل بالاخفاقات و الهستيريات السياسية، فهو الذي افسد على تركيا اقترابها من مشروع الاتحاد الاوروبي، وهو الذي افقد تركيا علاقاتها التاريخية المميزة مع اسرائيل وهو الذي اغتال علاقات تركيا مع العراق و سوريا و دول عربية اخرى، وهوالعاجز عن الاتيان بحل للقضية الكوردية في تركيا بل على العكس يحاول بكل خبث خلط الاوراق الكوردية لتاجيج الخلافات و تازيمها بين الاطراف السياسية الكوردية المختلفة. لقد فشل اسلافه قبله في ابتلاع ولاية الموصل و سيفشل هو الاخر في ذلك.
لن يكون عراق ما بعد نكسة الموصل ، العراق ما قبله ابدا. سيتم اعادة بناءالجيش العراقي على اسس مختلفة تماما يستبعد منها التوافقات و الترضيات السياسية و سيعاد النظر بالتحالفات السياسية، و لا استبعد تحالفات سياسية جديدة تشكل خارطة سياسية جديدة. كل المعطيات تشير الى ان العراق كوطن للجميع خرج مرة اخرى منتصرا على الاجندات الخارجية الهادفة الى تدميره.