لماذا النظرة الدونية للاخر
Monday, 16/06/2014, 12:00
1691 بینراوە
القيم التي كان المجتمع متمسكا بها قبل عقود لم تات من فراغ، بل التمسك بها عفويا دون اي ضغوط ايضا جاءت لتراكم ثمارالافكار الصحيحة و التعايش السلمي في الحياة، بمعنى ان القيم التي فرضت نفسها و اجبرت الجميع على المثول لها و الاعتبار لها كانت غير مصطنعة جاءت نتيجة التطورات المتلاحقة من النواحي العديدة في الحياة و منها الاجتماعية، اي كانت بولادة طبيعية و من رحم المجتمع .
فكان التعامل مع الاخر بشكل، النسبة الكبيرة منه عقلانية عاطفية نابعة من الاحترام المتبادل على العموم، اما غير ذلك كان يعتبر شواذا و هي بنسبة قليلة جدا، اي كان هناك من المتهورين في كل زمان و مكان و يعتبرون من غير المنتمين الى المجتمع و عاداته و تقاليده السائدة و يُنظر اليهم باشمئزاز .
اليوم تغيرت الاحوال و تاثرت النفوس و انتقلت المجتمعات كافة و منها مجتمعنا نقلة غير موفقة نحو ما لا يمكن ان يُدخل في سلم متطلبات التطور المنشود في اي مكان، اي رغم توفير الوسائل المطلوبة لحياة الشعوب الا ان القيم لم تعد على ما كانت من الموقع و الاحترام و الاعتبار، و رغم ادعاء النسبة الكبيرة من المجتمعات بالالتزام بمباديء معينة يعتبرونها من صلب ما تؤدي الى النظر الى القيم الانسانية باحتفاء و احترام و عدم الاذلال، الا ان ما موجود على الارض يثبت عكس ما كان عليه المجتمع .
و السؤال الهام هنا، لماذا انتشر التشدد و التطرف و الاساءات و عدم الاحترام و القتل و الاهانات و السب و الشتم في مجتمعاتنا رغم ادعاء الكثيرين بان الزمن ملائم لنشر القيم الدينية الحنيفة كما يقولون و انها لصالح الانسان و تعامله مع البعض لما فيه من النصائح و الوعاظ من اجل الاصلاح و التعايش السلمي . لماذا الازدياد في نسبة التطرف و التشدد الذي يُعتبر من الشواذ في نظر الاجتماعيين و الملمين بعلم الاجتماع اجمعهم، و لماذا الان قبل اي وقت اخر هذه النظرات اللاانسانية الى الحياة و التي ازدادت فيها الاحزاب الدينية السياسية و البرامج العديدة التي تدعي انها لصالح الحفاظ على القيم الانسانية، فهل شاهدنا تحرشا او اذية من جيران لجيرانه او من صديق لصديق او اهله او خيانة ما من هذا القبيل بهذا المقدار و بهذه النسبة المنتشرة في هذه المرحلة على الرغم من كثرة الوعاظ و الادعاء بالتمسك الديني و ما فيه من الاتجاهات.
ان من اخطر العادات الغريبة التي انتشرت هي التحرش و التعدي و الغش و التزوير و الفساد و عدم الالتزام بالقيم التي كانت تفرض على الصديق ان يحترم و يخلص لصديقه و الجار لجاره و القريب لاقرباءه، هذا ناهيك عن الاحترام و الالتزام بين مكونات العائلة الواحدة من كافة النواحي، و منها الاخلاقية الفارضة لنفسها . و الشواذ كانت لا تتعدى عدد اصابع اليد في المراحل السابقة . كان كل ذلك في الوقت الذي يتعايش الجميع بسلاسة و احترام متبادل و لم يتسم احد بالتشدد الديني كما يُطلب اليوم و من النواحي كافة، اي نسبة الحرية التي تمتع بها المجتمع بصنفيه الذكر و الانثى اكثر كثيرا من اليوم .
ان ما يهمنا ان نبحثه اليوم و هو عكس ما تمسكنا به بالامس هو نظرة الاحترام و التساوي للاخر بنسبة كبيرة مقارنة باليوم مهما كان موقع الاخر الاجتماعي، و ان كان مستوى المعيشة للكثيرين متقاربة و الطبقة الوسطى هي الاكثر نسبة في المجتمع . اما اليوم و نتيجة لزيادة الفروقات المجتمعية و الحالة المعيشية و الابتعاد عن البعض من حيث الفقر و الثراء و انحصار الطبقة الوسطى بنسبة كبيرة، فان القيم تغيرت معها و النظرة الى الاخر اصبحت وفق ما يمتلك الاخر من المال و موقعه الاقتصادي قبل اخلاقه و طبيعته و فكره و ثقافته و نظرته الى الحياة و مدى انسانيته . لماذا؟
اما ما يخص العراق و المجتمع الموزائيكي التركيب، لماذا النظرة الدونية للاخر من حيث العرق و الدين و المذهب حسب السلطة و نوعيتها، فهل نشر هذا الخراب غير الانظمة المتسلطة و الدكتاتورية و ما نحن فيه اليوم، فهل دعم هذه الصفة اللانسانية غير التشدد الديني و العرقي و المذهبي و ما جاءت به الاحزاب الدينية السياسية، فهل النظرة الدونية من قيم الانسان ام شاذ اتت بها التغيرات الجذرية التي حصلت في مجتمعاتنا نتيجة التغيرات السياسية الثقافية و ما وصلت الينا . حسب اعتقادي ان ما نحن سائرون فيه مرحلة متنقلة لم تُنتظم احوال المجتمع و لم يستقر الوضع الاجتماعي على السكة الصحيحة له، و نجد التقليد مسيطر على معيشة المجتمع وتراكمت الغبار على القيم المتاصلة نتيجة الاختلاط و ما استوردت من المجتمعات الاخرى عفويا او على الاغلب متقصدا و بفعل الاخرين، فهل يعلم المجتمع العراقي ان العديد من الدول تقوم بارسال نسبة كبيرة من المتميزين من الاجيال الجديدة لدولهم من اجل كسب قيمهم و السير على خطى مجتمعاتهم و يصرفون من الاموال على هذا الهدف ما لا تحصى و لا تعد من اجل فرض القيم الاجتماعية و الثقافية التي لديهم في مجتمعنا، و لم يعلموا بان التشدد و التطرف الديني المذهبي سيزيح ما يعملون من اجله في شهر واحد فقط .
اذن النظرة الدونية المنتشرة وفق المكانة الاجتماعية و العرق و المذهب انتشرت في العراق اكثر شيء في المرحلة الحالية و حسب المستجدات الموجودة و توسعت هوة الفروقات الشاسعة بين الطبقات اي توسعت المساحة بين الفقير و الغني و هذا مااجبر على انبات و انبثاق هذه النظرة المخيفة، و عليه برز التعدي و التخلف و الصراعات و الخلافات و الانشقاقات و ارتفعت نسبة التطرف و التشدد و العداوات و انتشرت قيم بذيئة كثيرة لا مجال لذكرها او لا اريد ذكرها اصلا انها مقززة و لا تليق بمجتمع صالح و صاحب تاريخ مليء بالقيم الجميلة التي تستحق ان تحترم و تسود .