البارزاني وتصدع حرية الصحافة في كردستان
Tuesday, 18/05/2010, 12:00
جرجيس كوليزادة
من باب الانصاف، لابد ان نصف وضع الصحافة في اقليم كردستان العراق بالمتطور و فيه الكثير من الجرأة والصراحة لانها تسعى للإجابة على السؤال متى توصف الصحافة الكردستانية بأنها السلطة الرابعة بعد ارساء السلطة التشريعية والتنفيدية والقضائية ؟. ولا يخفى ان السلطات الثلاثة الاخيرة مازالت تحت تأثير الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وحتى القضائية ما زالت غير مستقلة تعيين اعضائها بتزكيات حزبية.
المهم في الامر، ان واقع الصحافة في كردستان مازال يترنح بين الصعود والنزول من الناحية المهنية، ولكنه يتسم بمساحة واسعة من الحرية خاصة في السليمانية واجزاء من كركوك وخانقين منطقة نفود الاتحاد الوطني بقيادة جلال الطالباني، ولكنها محددة ومقيدة في اربيل ودهوك منطقة نفود الديمقراطي الكردستاني بقيادة رئيس الاقليم مسعود البارزاني بسبب هاجس الخوف الدي أرجعه بعض الكتاب والصحفيين الى النظرة الضيقة للسلطة في المنطقة تجاه حرية الصحافة، ودكروا اغتيال الشهيد الصحافي الشاب سردشت عثمان في الفترة الاخيرة في اربيل من قبل جهة لم تعلن عن نفسها، مثالا على عدم ضمان الحرية، بسبب كتابة سياسية نقدية ساخرة خص بها رئيس الاقليم ومقالات عديدة خص بها الواقع السياسي والفساد في الاقليم.
ولكن الجديد في منطقة نفود الرئيس البارزاني، ان السلطة التابعة فيها للديمقراطي الكردستاني بدأت يؤمل فيها بوادر تغيير في المستقبل بفعل تبوء رئيس الوزراء السابق لحكومة الاقليم نيجيرفان البارزاني منصب نائب رئيس الحزب الدي يتسم برؤية منفتحة اداريا وسياسيا واقتصاديا وتجربة قيمة خلال السنوات التي قضاها رئيسا للحكومة، وقد اتسمت تلك الفترة بنشاط كثيف للبناء والعمران والحركة التجارية والديبلوماسية في كردستان بصورة عامة وفي اربيل عاصمة الاقليم بصورة خاصة، ويؤمل من الدكتور برهم صالح الرئيس الحالي لحكومة الاقليم الاستمرار في نفس الخط التصاعدي لاحداث تطور وتغيير افضل.
ويبرر العديد من النخبة المثقفة في السليمانية من الادباء والكتاب والصحافيين، السبب في توفر الحرية في منطقة نفود الرئيس الطالباني الى عاملين: اولهما كون المدينة حديثة ولا يتجاوز عمرها ثلاث مائة سنة فاستقرت فيها شرائح كان البعض منها بمستويات من التعليم في زمن الدولة العثمانية، وثانيهما هو الانفتاح والخلفية الثقافية والسياسية المؤمنة بالحرية والتعبير الحر للرأي لقيادات الاتحاد الوطني الكردستاني وعلى رأسهم الرئيس جلال الطالباني ونائبه كوسرت رسول علي والقيادي السابق في الاتحاد نوشيروان مصطفى.
والدليل على ترسخ الحرية اكثر في السليمانية، هو ان أكثر الصحف والمجلات غير الحزبية المعروفة بالاهلية او المستقلة تصدر من هده المدينة، وحتى التي كانت تصدر من اربيل انتقلت الى منطقة نقود الاتحاد، والصحف الاهلية هي الاكثر انتشارا في الاقليم مثل هاولاتي وئاوينة ولفين مقارنة بالصحف والمجلات الكردية الحزبية، رغم امتلاك الحزبين لمكتبين اعلاميين كبيرين لهما امكانيات هائلة وكوادر كبيرة بامتيازات واغراءات مالية وعينية، الا انهما يتسمان بغياب الابداع والانتاج المميز في صحفهم ومجلاتهم وقنواتهم الفضائية مهنيا واعلاميا وصحافيا.
وبهدا الخصوص، لابد ان نشير الى ان حرية الصحافة في اقليم كردستان العراق تعتمد على أربعة اعمدة رئيسية، وهي السلطة الممثلة بالبرلمان والحكومة والرئاسة، والمجتمع الكردستاني، والمؤسسات الصحافية الحكومية والحزبية والاهلية، والكاتب والصحافي والاديب. ولا يمكن انكار ان حرية الصحافة تتعرض الى ممارسات خاطئة ومعوقات وسلوكيات متسمة بالعنف والتخويف والتهديد والترهيب من قبل اشخاص مسؤولين وجهات معلومة وغير معلومة، وهي مثبتة بتقارير رسمية لنقابة الصحفيين في كردستان.
والمعلوم ان الصحافي والكاتب والاديب والمثقف الحقيقي هو الذي يضحي ويجتهد ويسهر لكي يقدم شيئا ملموسا لخدمة المجتمع والمواطن في الاقليم انطلاقا من ايمانه بالحرية، وهناك من دفع ثمن الموقف والرأي الصادق، وصحيح أن هناك الالوف ممن يتمتع بمغريات مجزية من احزاب السلطة، ولكن هناك المئات ممن صمد في وجه المغريات، وتعرض الى الكثير من المشاكل والملاحقات والمحاربة بالرزق والتهديد بالحياة، لكنه بقي على ثباته مؤمنا بان للحرية عنوان واحد ووحيد وهذا العنوان هو الشجاعة والجرأة في الطرح وتناول القضايا المتعلقة بهموم المجتمع والشعب، والوسط الصحافي الكردستاني ضرب امثلة كثيرة من الشجاعة التي يمكن وصفها بالبطولة المميزة على الصعيدين العراقي والاقليمي، وآخرها شهيد الصحافة سردشت الدي سجل موقفا بطوليا في شجاعة نادرة بينها في رسالة منشورة له قبل اغتياله، وهو اصراره على عدم التهرب من التهديد الغادر الجبان الدي لحقه حتى اغتياله وثباته والاصرار على بقائه في مدينته. وكيف لا نجل من شأن هدا الشهيد ونقدره عظيم التقدير وهو القائل "فليحدث ما يحدث، لانني لن اترك هذه المدينة وساجلس في انتظار موتي. انا اعلم ان هذا هو اول اجراس الموت، وسيكون في النهاية جرس الموت لشباب هذا الوطن. ولكنني هذه المرة لن اشتكي ولن ابلغ السلطات المسؤولة. انها خطوة خطوتها بنفسي وانا بنفسي اتحمل وزرها. لذلك فمنذ الآن فصاعداً افكر ان الكلمات التي اكتبها هي آخر كلمات حياتي. لهذا ساحاول ان اكون صادقا في اقوالي بقدر صدق السيد المسيح. وانا سعيد ان لدي دائما ما اقوله وهناك دوما اناس لا يسمعون. ولكننا كلما تهامسنا بدء القلق يساورهم. الى ان نبقى احياء علينا ان نقول الحق. واينما انتهت حياتي فليضع اصدقائي نقطة السطر، وليبدءوا هم بسطر جديد". فيا ترى هل تدهب الدماء الطاهرة للشهيد هدرا ؟ انه سؤال من حقنا ان نسأله، ومن باب المنطق ان نقول ان المسؤولية تقع على عاتق رئيس الاقليم وحكومته للبحث الجدي عن الجناة الحقيقيين وتقديمهم الى القضاء.
وهنا لا اخفي، باغتيال الشهيد سردشت، تدكرت من جديد معاناة ومأساة وتهديدات وترهيب تعرضت لها على ايدي مقتدرين في السلطة باربيل، رغم حيادي، ورغم عدم انتمائي الى اي حزب، طيلة الفترة 1996 الى 2000 بسبب عملي المهني حتى وصل الامر ان تقف وزارة بكاملها في وجهي وان يقف عضو في البرلمان ضدي، ليلحقا بي اشد الضرر وكأننا لسنا من مواطني هدا البلد. وكدلك في الفترة 2002 الى 2008 تعرضت فيها الى تهديدات بالرسائل والايميلات ومن اشخاص مرتين، لم اهتم بها في حينها، بسبب كتاباتي في "ايلاف" عن فساد السلطة في كردستان. وبعد دلك برغم قساوة المواقف علينا عملنا على نسيانها رغما عنا. وخلال اصداري لمجلة "بغداد" النصف الشهرية العراقية التي سجلت حضورا مميزا وتوزيعا واسعا في عموم المحافظات، وكبادرة منا، عملنا على طلب لقاء صحافي مع رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني للمجلة المتوقفة عن الصدور حاليا لاسباب أمنية ومالية-، لتقديمه من خلال اسئلة تحمل وجهات نظر عراقية خالصة، ومن خلال اربع اتصالات متباينة بفترات متباعدة بمكتب الرئاسة، حصلنا فقط في آخرها على جواب من المكتب بالاعتدار لعدم تفرغ السيد الرئيس.. ويبدو ان المكتب تهرب من تأمين اللقاء، ومن حقنا أن نسأل المكتب الموقر من جديد هل هو موقف منا بسبب كتاباتنا ام مادا، ولم رفض الطلب ؟
هدا السرد ردناه تعبيرا عن واقع حرية الصحافة في كردستان العراق بعد اغتيال رمز كبريائها الشهيد سردشت عثمان، للعمل بشجاعة من اجل تواصل الحريات في الاقليم وضمان حياة الصحافيين والكتاب والادباء، والمؤكد أن هذا الوطن سيكون أكثر إشراقا كلما كانت لحرية الصحافة فضاءا اكثر واسسا اقوى وضمانا اكبر، ولا شك ان السلطة في اقليم كردستان برئيسه وحكومته ستكون أفضل حالا إذا تعهدت ان تلتزم قولا وفعلا بحرية الصحافة والكتابة وضمان حياة أصحابها، وان لا تسمح بتدخل الجهات غير القانونية وغير الرسمية بأي شكل من الاشكال في الصحافة وفي مصير حياة كتابها، ومادام الهدف الوطني والمستقبلي بناء مجتمع المعرفة وإقامة الدولة الحديثة في الاقليم والعراق، فالطريق يمر عبر حرية الصحافة ومناقشة القضايا والشؤون الوطنية بشفافية كما يفعل الصحافي والكاتب في كردستان بكل اقتدار متحملا كل ما يتعرض له من تهديد وترهيب، واخيرا لابد من القول ان استشهاد الصحافي سردشت احدث تصدعا في حرية الصحافة الكردستانية، من الصعوبة علاجه على مدى المنظور القريب لاعادة الثقة الى الصحافيين، ولكن نأمل ان لا يستمر هدا التصدع وان يضمن حرية الصحافة، ونأمل ان لا يساء فهم هدا المقال وما القصد الا الكلمة الطيبة.
* كاتب وصحافي من بغداد
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست