التصعيد الأخير في شمال كردستان .
Tuesday, 29/06/2010, 12:00
منذ أواخر شهر أيار 2010 شهد الشمال الكردستاني تصعيدا في العمليات العسكرية والاشتباكات بين الجيش التركي و قوات الدفاع الشعبي ، و سقوط الضحايا من الجانبين الكردي والتركي مما أعاد إلى الأذهان أعوام التسعينيات والحرب القذرة التي دارت فيها. ترافقاً بذلك كثرت التعليقات والتحليلات حول الدوافع والأسباب والنتائج المحتملة، منها ما هو صائب ومنها ما جانب الحقيقة، ومنها ما كان حسب الطلب ، وخاصة أن هذا التصعيد تزامن مع الأزمة التي طرأت بين أردوغان والدولة الإسرائيلية بسبب قافلة الحرية التي حاولت كسر الحصار المفروض على غزة. و وصل الأمر ببعض أصحاب الخيال الخصب إلى درجة عقد العلاقة بين الحدثين، بل إلى درجة اتهام PKK بالعمل لصالح إسرائيل. لهذا أردنا توضيح بعض النقاط التي يجري نسيانها أو التغاضي عنها.
لا نريد الخوض في كثير من التفاصيل ولكن التذكير ببعض النقاط مفيد على صعيد فهم ما يجري. فمنذ 1993 أعلنت حركة التحرر الكردستانية عن الوقف لإطلاق النار من جانب واحد ست مرات، و آخرها كان في 2009، وفي كل هذه الحالات رفضت الدولة التركية أي وقف لإطلاق النار، ولم تعلن عن تجاوبها مع ذلك ولو لمرة واحدة، و إنما كانت تشهد بعض التجاذبات الداخلية فيما بينها ، وهذه التجاذبات أسفرت عن بعض التصفيات الداخلية مثل مقتل الرئيس أوزال عام 1993 وتصفية أرباكان 1998 وتصفية أجويد 2002 .
أجواء التفاؤل في عام 2009 بدأت عندما قال رئيس جمهورية تركيا عبد الله غول ؛ "ستحدث أمور جيدة في القضية الكردية" ، ولم يزد على ذلك أية كلمة. ثم تحدث رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان عن الانفتاح الكردي. ثم سماه بالانفتاح الديمقراطي، ثم سماه بمشروع الوحدة القومية. ولكنه لم يرفق أي من تلك التسميات بالتفسيرات اللازمة أو التوضيحية. فلم يذكر ماذا يعني بالانفتاح، وإلى أي مدى سيذهب، فهل سيتم الاعتراف بالهوية الكردية أو الثقافة الكردية أو الوجود الكردي؟. ولازال السيد أردوغان يتكتم على ما كان يقصده بالانفتاح. ولهذا أوجه السؤال التالي إلى كل الكتاب المتفائلين الذين يتغنون بانفتاح أردوغان أن ينيرونا بما كان المقصود بالانفتاح ، وما هي حدود هذا لانفتاح ؟ هل المقصود به كان فتح قناة تلفزيونية باسم TRT 6 التي لازالت مخالفة للقوانين؟ أم السماح ببعض دورات اللغة الكردية التي كانت موجودة منذ عام 1993 من خلال "مراكز ثقافة ميزوبوتاميا" أو "المعهد الكردي" ؟ ولهذا بقي مصطلح الانفتاح غامضاً بدون أي تفسير، مثلما بقيت كلمات السيد غول غامضة أيضاً.
أما على الجانب الكردي فقد كانت هناك خطوات ملموسة من جانب حركة التحرر الكردستانية انطلاقاً من تجاربها السابقة في هذا المجال ، فقد أعلن الجانب الكردي عن استعداده وترحيبه بكافة أشكال الحوار من أجل الحل ، فبالإضافة إلى التصريحات الإيجابية من جانب القائد آبو ، ومن جانب قيادة KCK من قنديل ، تم الإعلان عن وقف العمليات حتى تنتهي الانتخابات المحلية في أواخر آذار 2009 والتي أسفرت عن نجاح باهر لحزب DTP ، وفي 13 نيسان 2009 أعلن KCK عن وقف العمليات من جانب واحد إلى أجل غير مسمى بهدف إفساح المجال أما الجهود المبذولة من أجل فتح باب الحوار من أجل الحل الديموقراطي . ثم تقدم القائد آبو بخارطة طريق لحل القضية الكردية بشكل ديموقراطي ، وحسب ما تسرب منها فقد كانت مرنة جداً إلى درجة لايمكن أن يرفضها أحد ، ولهذا أخفتها حكومة أردوغان ولم تكشفها للرأي العام حتى الآن ، لأنه لو كشف عنها لن يبقى لديها أية ذريعة للتنصل من الحل، مما كان سيؤدي إلى تشهيره أمام الرأي العام الداخلي والخارجي. ثم قام الجانب الكردي باستدعاء ثلاث مجموعات للعودة إلى تركيا كرسل سلام، أولها من قنديل والثانية من مخمور والثالثة من أوروبا كسفراء سلام. وفعلاً جاءت مجموعتا قنديل ومخمور إلى بوابة الخابور واستقبل عشرات الآلاف من أبناء الشعب الكردي هاتين المجموعتين، وكان من المفروض أن تشارك الحكومة بهذا الاستقبال وهذه الجماهير التي عبرت عن فرحتها بقدوم السلام لو كانت فعلاً جادة في مساعيها من أجل السلام، ولكنها بدلاً من ذلك اتهمت الطرف الكردي بخلق أجواء النصر والبهجة ، وأن ذلك يسيء إلى مشاعر الأتراك !! وكأن الأكراد ليست لديهم مشاعر. وأعربت عن امتعاضها وفسرت ذلك بأنه استسلام !! مما دفع بالحركة إلى إلغاء مجيء المجموعة الثالثة من أوروبا قبل يوم واحد من موعد الطيران.
أما الجانب التركي فماذا فعل ؟ في اليوم التالي للإعلان عن وقف العمليات العسكرية من جانب الكريلا ، أي في 14 نيسان 2009 قام بشن حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من السياسيين في صفوف DTP ، تضمنت الكثير من الناشطين في المؤسسات الاجتماعية بما في ذلك رؤساء بلديات منتخبين ، ثم أغلق حزب DTP عن طريق المحكمة الدستورية ، و أسقطت عضوية البرلمان عن اثنين من أعضاء البرلمان من DTP ، ثم أطلقوا العنان لكلابهم للاعتداء على كل كردي وطني في المدن التركية مثل إزمير و أنقرا واستانبول و أديرنة وغيرها ، وحتى على السيد أحمد تورك في سامسون أمام أنظار الكاميرات والصحفيين !! . ومن الجدير بالذكر أن التمشيطات العسكرية لم تتوقف يوماً واحداً طيلة عام 2009 و 2010 . وأسفرت هذه العمليات عن استشهاد 130 شخصاً من قوات الكريلا في الفترة الواقعة بين 13 نيسان 2009 إلى 31 أيار 2010 . أما السكون فقد كان من جانب قوات الكريلا التي كانت تتجنب الاشتباك مع القوات التركية التي لم تتوقف عن تمشيطاتها .
خلال تلك الفترة لم تتوقف نداءات القائد وKCK وتحذيراتهما بشأن الحل ، ومغبة التهرب من الحوار والحل ، ولكن حكومة أردوغان أغلقت عينيها وصمت أذنيها عن كل ذلك . ولقاءات القائد آبو تشهد على كل ذلك ، فالنداءات و المناشدات لم تكن خلف الأبواب المغلقة بل كانت بالتصريحات الصحفية ومن خلال لقاءات القائد آبو مع المحامين . إلى درجة أن القائد آبو قال في أحد تصريحاته بما معناه ؛ "إن الحل يحتاج إلى إضافة جملة واحدة إلى الدستور وهي : يتمتع الأكراد والأتراك بنفس الحماية الدستورية في الحقوق والواجبات" . ولكن حكومة أردوغان ورئيس الجمهورية لم يرغبوا في سماع كل ذلك ، وواصلوا الاعتقالات بين السياسيين والأطفال والنساء ، مثلما واصلوا حربهم القذرة في كل أنحاء كردستان من بث الرذيلة والاغتصاب ونشر المخدرات وما إلى ذلك ، إلى أن وصلت الأمور إلى إحراق القرى كما في أعوام التسعينيات .
قبل عدة أشهر من 31 أيار حذر القائد بأنه سينسحب من المسار إذا لم يتم إلقاء خطوات نحو الحوار والحل الديمقراطي، وأنه استطاع إيقاف KCK كل هذه المدة ولكنه لن يتدخل بعد ذلك التاريخ. أي أن القاصي والداني كان عارفاً بأن التصعيد قادم لا محالة مع نهاية شهر أيار، وهذا ما حدث. نظراً لأن الحكومة التركية لازالت تتمسك بذهنية إنكار الوجود الكردي ليس في تركيا فقط، بل في كل مكان يتواجد فيه الأكراد بما فيه جنوب كردستان، بدليل التحالف التركي السوري الإيراني والعربي العراقي. والذهنية التركية هذه تعتبر كل مرونة ولين من الجانب الكردي ناجماً عن الضعف. و أن الدولة التركية ستتمكن من القضاء على كل ما هو كردي بالعنف وبالمكائد العثمانية !!.
أما على صعيد التزامن مع أزمة أردوغان وإسرائيل، فكل متتبع للأوضاع الكردية كان يعلم بأن التصعيد قادم في 31 أيار ، فقد كان هذا الأمر معروفاً منذ شهور. و كذلك كل من يعرف حركة التحرر الكردستانية يعلم بأن إسرائيل من ألد أعداء هذه الحركة، فهي التي كانت لها دوراً كبيراً في اعتقال القائد آبو، وسفارتها هي الوحيدة التي قتلت المتظاهرين الكرد في أوروبا بالرصاص الحي عندما تظاهروا أمام سفارتها، وهي التي تزود الجيش التركي بكل ما يحتاجه في حربه على الأكراد من أسلحة وعتاد بما فيها طائرات هيرون التي تطير فوق رؤوس الكريلا على مدى أربع وعشرين ساعة في الشمال والجنوب معاً، ولإسرائيل مكتب تنسيق وتجسس في باتمان، وكان وفد من الجيش والمخابرات الإسرائيلية يزور حدود تركيا الجنوبية والشرقية قبل شهر واحد من العمليات أي في شهر أيار، وهذا ما تعرفه حركة التحرر الكردية أيضاً. فهل فكر أصحاب الخيالات الخصبة في كل ذلك ؟.
لماذا لم يفكر ولا واحد من أصحاب الخيالات الخصبة هذه في أن يكون السيد أردوغان قد خطط لقافلة الحرية هذه من أجل لفت الأنظار وشد انتباه الرأي العام العالمي إلى تلك القافلة في سبيل التغطية على التصعيد الكردي القادم لا محالة في نهاية شهر أيار؟ وخاصة أن السيد أردوغان لم يكن يتوقع هذه الوحشية من الطرف الإسرائيلي، فانقلب السحر على الساحر. وهل هذا التفكير بعيد عن تراث المكائد العثمانية ؟.
أتمنى وأرجوا أن يعود كل من يكتب في الموضوع إلى ضميره، ويرى هذه الحقائق، فالكتابة مسؤولية، وقد يكون تأثيرها أشد وطأة من الرصاص الذي يهدف الأرواح البريئة.
الفرق بين حركة التحرر الكردستانية المعاصرة والحركات الكردية التقليدية هو أن حركة التحرر المعاصرة ترى المؤامرة قبل نزول الفأس بالرأس. وتتخذ تدابيرها حسب ذلك بقدر ما تستطيع.
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست