رجل المهمات القذرة ومحاولة إغتيال الديمقراطية في الاقليم
Wednesday, 19/06/2013, 12:00
1673 بینراوە
أدهم أمين زنكنه
يُدرك مسعود بارزاني اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن فرصة البقاء في السلطة لم تعد بالسهولة التي كانت عليه في العشرين سنة الماضية، خاصة مع صلابة وجدية مواقف القوى السياسية المعارضة التي تستند الى القانون الحالي في رفضها التجديد لرئاسته الثالثة للإقليم. ولم يتبقى لديه من الخيارات سوى تمرير مسودّة الدستور المقترح التي تضمن له ولعائلته البقاء الأبدي في السلطة. وليس من المبالغة القول إستحالة تمريرها بهذه الطريقة، بل وفي حال تمكنهم من ذلك فستكون الولادة الدستورية فاقدة للشرعية ومفتقرة لأدنى شروط الحياة.
حيث تنص المادة الرابعة والستون من الدستور المراد تمريره على مايلي :- ( مدة ولاية رئيس اقليم كوردستان أربع سنوات تبدأ من تاريخ ادائه اليمين الدستورية ، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية إعتبارا من تاريخ نفاذ هذا الدستور).
واستنادا الى هذه المادة يبدأ احتساب الفترات الرئاسية للإقليم من التاريخ الذي يصبح فيه الدستور نافذا، أي: بعد اقراره بالتصويت الشعبي أو من خلال البرلمان. وفي نفس الوقت فإن هذه المادة الدستورية قد أبقت الباب مفتوحا ولم تحدد الفترات الرئاسية بعدد معيّن بل أشارت الى جواز الفترة الثانية ثم التزمت الصمت حيال ماهو أبعد. وبذلك يكون الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرِد نص يقيّد عدد الفترات (وهو مبدأ مُسلـّم به دستوريّاً).
هذه المادة الدستورية المقترحة والصلاحيات المفتوحة لرئيس الاقليم (الخارجية والداخلية) التي يقرّها الدستور المقترح، ناهيك عن تجريد البرلمان من أي سلطة على رئيس الاقليم سواءً المتعلّقة بالعزل أو الإستجواب، هذا وغيره يترك شكل النظام السياسي في الاقليم مبهماً، ومتأرجحاً ما بين الملكية الوراثية والرئاسة التوريثية التي أسدل عليها الستار في المنطقة. وفي كل الأحوال، فأن مسودة الدستور الحالية لاتنتمي في طبيعة موادها الى النُظم الديمقراطية المعاصرة، أنما (كما وصفها عدنان عثمان العضو البرلماني عن قائمة حركة التغيير) بـ"أن هذه المسودّة أقرب الى دساتير القرون الوسطى".
ما يجري اليوم يعكس حالة من التضاد المبدئي بين (قوى المعارضة) التي تمثّل الى حدّ ما، الإرادة الشعبية الهادفة لكتابة دستور يمتلك القدرة على الحد من سلطة ادارة الاقليم ويكفل آلية التداول السلمي للسلطة ويضمن حريّات وحقوق المواطنين وبين الفريق الآخر المتمثل في (الثنائي مسعود والمطني) الذي يسعى حثيثا لتكريس السلطة بيد رئيس الاقليم الحالي وحصر تداولها مستقبلاَ في نطاق العائلة البارزانية.
المصادقة الشعبية أو البرلمانية وتمرير مسودّة الدستور دون تعديلات جوهرية هو الضمان الأساسي لإستمرار مسعود على رأس السلطة، ويستدعي منه ذلك، إيكال الأمر الى رجل المهمّات القذرة (فاضل المطني) الحائز على الثقة العمياء لرئيس الاقليم وأفراد العائلة البرزانية نتيجة الجهود الاستثنائية لتي بذلها المطني لبسط سلطة العائلة قي ربوع الاقليم وبشتى وأقذر الوسائل، سواء المتعلّق منها بالقمع والإغتيالات أو الأخرى المختصّة بشراء الذمم وشق صفوف الأحزاب الأخرى بالترغيب والترهيب.
على العموم، فقد كانت الخطوة الأولى هي اقتحام سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني لبرلمان الاقليم، التي تعد تجاوزا على السلطة التشريعية كون المطني لايمتلك أي صفة قانونية تؤهله للتواجد في باحة البرلمان والقيام في إملاء وجهة نظر الحزب على رئيس البرلمان. ومن جانب آخر، تُعد استخفافاً بأعضاء الكتلة البرلمانية التي تُمثل الحزب الديمقراطي كونهم المعنيون في ابداء الرأي واتخاذ القرار بشأن المداولات الجارية حول مسوّدة دستور الاقليم.
بطبيعة الحال ان التحركات المشبوهة التي يقوم بها فاضل مطني ميراني (سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني) والسعي المحموم من قبل (رئيس الحزب) البارزاني نفسه، لإقرار دستور الاقليم بهذه العُجالة كان قد أثار المخاوف لدى أطراف عديدة داخل وخارج الاقليم، وبما شكّل انطباعا لدى هذه الأطراف مجتمعة بأن الاصرار الاعمى على تمرير المسوّدة من قبل فريق (البارزاني/ المطني) هو إجهاض للحياة الدستورية في المهد وليس تأسيسا لها، وقد عبّروا عن ذلك (بالتصريح أو التلميح)، ومع افتراض أن التلميح لم يكن مقصودا فان اثارة مظلومية المكونات بالتزامن مع الحديث عن الدستور يعكس الرغبة في تثبيت الحقوق الدستورية لهذا المكون أو ذاك.
تجسّدت هذه المخاوف بشكل جلي في المقالات التي كتبها مثقفو الأقليات القاطنة في حدود سلطة الاقليم، وعلى سبيل المثال: ما جاء في مقال الكاتب وسام جوهر الذي حمل عنوان (الحكم الذاتي لايزيدخان) والذي يتطرق فيه الى أن التعويل على تجربة الاقليم في انصاف الإيزيديين لم يعد مجديا، ويؤكد على ان الانتقائية في تطبيق القانون باتت ظاهرة شائعة وأكيدة خصوصا اذا ماتعلّق الأمر بمظلومية أحد أفراد المكوّن الإيزيدي، ويستدل بالشواهد على ذلك.
أما المثال الآخر، ما ورد في مقال د. حبيب تومي، الذي ورغم ما عُرف عنه من مواقف مؤيدة وداعمة للعائلة البارزانية، ألا أنه لم يتردد من تسليط الضوء على سياسة التغيير الديموغرافي التي تستهدف القرى والبلدات المسيحية داخل الاقليم، .. مطالبا رئيس الاقليم بتحمّل مسؤولياته في صيانة الخصوصية الثقافية والتاريخية للوجود المسيحي داخل الاقليم أسوة بالاهتمام المناط بالخصوصية الاسلامية والكردية من قبل قيادة الاقليم.
وتزامن مع الحدث أيضا ماجاء في مقال الكاتب نهاد القاضي الذي حث فيه رئيس الاقليم على التريّث في انجاز الدستور، مؤكدا على ضرورة اشراك التكنوقراط المستقل من المتخصصين في القانون الدستوري وعدم اقتصار مهمة صياغة المواد الدستورية على ممثلي الأحزاب.. وقد رفع هو الآخر مظلومية (المهاجرين والمهجّرين في الغرب والمؤنفلين في بقية المدن العراقية ) فقد أغفلت مسودة الدستور هذه الشريحة ولم تتطرق لتضحياتها ونضالاتها التاريخية ومايرتب على ذلك التاريخ المشرّف من اشادة معنوية أو استرداد للحقوق الضائعة.
وأما خارج الاقليم، تنص مقدمة الدستور المقترح على مايلي " التقت إرادتنا مع إرادة بقية مكونات شعب العراق وقواه الوطنية اقليما اتحاديا ضمن دولة العراق"..
وبهذا الصدد يؤكد خبراء في القانون، على وجوب عرض مسودة دستور الاقليم (قبل اقراره او الاستفتاء عليه) على البرلمان الاتحادي للاطلاع عليه وابداء الملاحظات على المواد التي لاتنسجم مع الدستور الاتحادي، وبذلك يكون دستور الاقليم ملزماَ للحكومات العراقية القادمة وفي نفس الوقت تأسيسا الى حالة من الإنسجام والتعاون المثمر بين برلمان الاقليم والبرلمان الاتحادي بدلا من الحرب المفتوحة التي يشعل فتيلها دستور الاقليم المقترح في حالة اقراره بالشكل الذي هو عليه الآن.
وفي هذا الصدد يعلّق الخبير القانوني وائل عبد اللطيف على محاولة تمرير المسودة بشكلها الحالي بالقول : ان من حق البرلمان الاتحادي اقامة دعوى قضائية امام المحكمة الاتحادية العليا لابطال النصوص المتعارضة او تغييرها او تبديلها، مشيرا الى ان قرارات المحكمة الاتحادية نافذة على كل الارض العراقية وملزمة لكل الافراد والسلطات بما فيها اقليم كردستان".
هذه الأمور المذكورة أعلاه وأخرى لايسع المقام لذكرها هي تداعيات أكيدة سوف تلقي بظلالها على الوضع السياسي والاجتماعي في الاقليم يتسبب بها سلوكيات مسلول البارزاني وعميل النظام الصدامي فاضل مطني الذي لم تحدث مشكلة بين حزبين أو خصومة داخل حزب أو حركة سياسية أو حرب داخلية في الاقليم إلا وكان المطني خلفها أو أمامها أو في الوسط.
ولم يكتفي المطني في ايذاء الجيل لمعاصر وحسب، بل يصرّ مع سيده على ترحيل الدكتاتورية والأذى الى الأجيال القادمة عبر مسودة دستور تحمل بين صفحاتها بذور الدكتاتورية والتوريث.
يرجّح الجميع بأن قوى المعارضة لن تكون شريكا في مأساة الأجيال بتمرير هذه المهزلة الدستورية.
فلا يمكن لمسعود أو المطني أن يكسبوا اعتراف هذه القوى بالمسودة الحالية للدستورومن ثم تمريره عبر البرلمان. لكن الخشية من التأجيل المفتوح للإنتخابات أو تحوّل مسعود والمطني الى الشق الثاني من الخطة بالعمل على إنتزاع حل وسط يتيح لهم التجديد لولاية ثالثة، تبقي آمالهم معقودة على عامل الزمن ومايرافقه من مستجدات ومتغيرات تصب في مصلحة حلم العائلة الأكبر.
ويبقى السؤال قائماً، هل يتمكن (رجل المهمات القذرة) فاضل المطني من اغتيال الديمقراطية في الاقليم أم يقتصر نجاحه على ادخالها بيت الطاعة البارزانية لأربع سنين قادمة؟ .. بلا ريب أن ذلك يعتمد على مدى تلاحم وثبات قوى المعارضة، وقدرتهم على التصدي لمحاولات المطني الرامية لتمزيق الصف المعارض. فالرجل ذو قدرات لايستهان بها في هذا المجال، ذو باع طويل في (تفريق الأحبة) وشق صفوف الخصوم، وتاريخه السياسي بل والإجتماعي أيضا، يشهد بذلك!.