ايران بعد العراق: التفكيك و اعادة التركيب
Thursday, 21/10/2010, 12:00
مقدمة: من اجل فهم ما سيكون ؟
يبدو ان مشروع تفكيك العالم الايراني سيأتي مباشرة بعد تجربة تفكيك العراق التي بدأت منذ العام 1991 ضمن مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي اخذ له اكثر من رؤية واستلهم العديد من المقترحات والافكار ونشرت الكثير من الخرائط والرسوم.. لقد نشرت قبل يومين مقالا بعنوان (تقرير اتلانتيك: شرق اوسط جديد بعد العراق) (البيان، 6 فبراير 2008) وقد وضحّت فيه التقديرات الزمنية التي تتراوح بين 20 25 سنة لتغيير خارطة الشرق الاوسط الحالية، وكان العراق قد خضع لمتغير
تاريخي صعب كونه يحتل قلب الشرق الاوسط، وذلك بعد ان بدأ جّر العراق من قرونه الاثنين جّرا الى الهاوية السحيقة بعد ان تمادى في غّيه وخصوصا حول ما اسمي بـ " اسلحة الدمار الشامل "، فضلا عن تدخلاته السافرة في شؤون المنطقة بالكامل. ان اغلب الاهتمامات التي نجدها اليوم في مشروعات ومقالات وافكار وسيمينارات.. تؤكد بأن ايران تمر بدور شبيه كالذي مرّ بالعراق تماما، بل ربما اخطر بكثير نظرا لمساحتها الواسعة، وكثرة القوميات والاعراق التي تقطنها.. وعدم انقسامها تاريخيا منذ القدم بالرغم من توغل حملات وفتوحات كبرى في اعماقها.. السؤال المهم: هل باستطاعة ايران التاريخية ان تقاوم تحديات مستقبلية ؟ وهل باستطاعتها ان تتوقّف عن تدخلاتها في شؤون الاقليم الذي تتطلع ان يكون رهن ارادتها؟
مربع الازمات في الشرق الاوسط
لقد نشرت مطلع العام 1997 النص التالي: " ان ما ستصادفه المنطقة هذه (= الشرق الاوسط)، وفي اطار مربع الازمات: مشاكل واضطرابات وتفتيت لكيانات واندثار لعملات، وذوبان لاحزاب وحركات، واستلاب لافكار ونضالات، وتهجير لعقول وطاقات، ونهب منظّم للثروات والامكانات، واضعاف لتواريخ وقسمات.. وسوف لن يقتصر الامر كما كان عليه في القرن العشرين على العرب وحدهم، بل سيشمل اقاليم اربعة ضمن نطاق المجال الحيوي الشرق ـ اوسطي، هي: المشرق العربي ــ ايران ــ شرق الاناضول ــ ترانس قوقاسيا (انظر سيار الجميل، العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الاوسط: مفاهيم عصر قادم، بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1997، ص 76).
الجغرافية القومية لايران:
ايران تتكون منذ القدم من اقليم مركزي قديم يسمّى باقليم بارس (= بلاد فارس) وعاصمته شيراز، وتحيط به عدة اقاليم (كالتي وصفتها ورسمتها في البحث الذي قدمته لندوة العلاقات العربية الايرانية التي عقدت بين جامعة قطر ومركز دراسات الوحدة العربية ببيروت عام 1995)، وهي من الشمال في دورة حول بارس: طاليش ــ مازاندران ــ قزوين ــ كيلان ــ اذربيجان ــ كردستان ــ همدان ــ عيلام ــ لورستان ــ خوزستان (= عربستان) ــ لارستان ــ بندر عباس للعرب
بلوجستان وسيستان (في الجنوب) ــ خراسان (في الغرب).. وغيرها هذه الاقاليم تستوطنها شعوب غير فارسية، ولكن اغلبها قد تفّرست مع مرور الزمن.. فالعالم الايراني قد احتوى منذ اكثر من الفي سنة عدة شعوب ومجتمعات صادفت اضطهادات قاسية، ولكنها لم تزل تحافظ على هوياتها وانتماءاتها سواء كانوا من البختياريين او العرب او الاكراد او البلوش او السيستانيين او اللور الفويليين او عرب خراسان او الاذريين او الارمن او التاليش القزوينيين او الافغان او السريان الاثوريين او التركمان او اليهود.. الخ
التفكيك من خلال مركزية البترول اولا
ان اول الطروحات حول تفكيك ايران ينادي باغنى اقليم ايراني يزدحم بحقول النفط، ويتمثّل بخوزستان العربية المتاخمة لجنوب العراق.. وينادى اليوم بفصله عن ايران، وتأسيس جمهورية مستقلة فيه تمتد الى بندر عباس في الجنوب، ثم يتلوه في الاهمية اقليم اذربيجان الذي تقول الخطط الجديدة بدمجه مع اقليم اذربيجان الام وتأسيس جمهورية اتحادية للاذريين تكون عاصمتهم التاريخية تبريز (علما بأن اذربيجان الايرانية منقسمة الى قسمين شرقية وغربية)، ثم يأتي ثالثا اقليم بلوجستان وسيستان في الجنوب حيث سيدمج مع مناطق باكستانية ويؤسس نفسه جمهورية كبرى تكون عاصمتها زاهدان.. اما كردستان ايران، فهي جزء من كردستان الكبرى، ولكنها مشروع مؤجل الى حين ينادى بتأسيس دولة قومية للاكراد في المستقبل، والتي تجد صعوبات كبيرة في تأسيسها بسبب انغلاقها تماما وانعدام فرصة ايجاد اي سواحل بحرية لها ـ كما يقول تقرير الواشنطن بوست ديلي 23 يونيو 2005).. واذا كانت ازمنة الامبراطوريات الايرانية الشاهنشاهية في السابق لم تسمح لايران بالتفكك، فان تلك " الازمنة " قد ولّت منذ قرابة ثلاثين سنة، وان ايران غدت تحكم لأول مرة من قبل رجال دين تصفهم اغلب التقارير الغربية باسوأ الصفات! ومع وجود عدد من السياسيين المدنيين الممتازين، ولكنهم كلهم قد وقعوا تحت سيطرة المرجع الاعلى للثورة الاسلامية وهو الامام الذي يسمى نفسه بصاحب العصمة ويشرع باسمه فهو الولي الفقية مرة واحدة.. فهو مستحوذ على سلطة الدين والدنيا معا، ويستوجب اتباعه، ومن لم يتبعه فهو خارج عن الملة وينتظر غضب الله عليه!
ايران واللعب بالنار ـ كما يقولون ـ
يبدو ان الطبخة ضد ايران ستستغرق وقتا طويلا، فحسب بعض الافكار المعروضة من جانب ستيفن لاتوليب حول ما يسمّى بـ " تحرير ايران "، ان الصراع ضد ايران قادم على الطريق بعد السماح لايران ان تتمادى اكثر فاكثر على ايدي حكامها الملالي الذين يترجمون رغبة عارمة لا في السيطرة والهيمنة ليس على شعوب ايران فقط، بل يريدون فرض اجندتهم على منطقة الشرق الاوسط باسرها، واكبر دليل على ذلك اختراقاتهم العراق ولبنان علنا، واختراقاتهم لكل بلدان الشرق الاوسط سرا! وعندما
سئل بأن هذا " النهج " كان يمتلكه الشاه
محمد رضا بهلوي من قبل ايضا ؟ اجاب: كان الشاه يتدخل في العراق ومنطقة الخليج باسم ايران، في حين يتدخل الحكام الجدد لايران باسم الاسلام وباسم مذهب الشيعة الاثني عشرية لمصالح ايران، وهذا من اخطر الجوانب التي اقضّت مضاجع الدول والمجتمعات السنيّة منذ قرابة ثلاثين سنة، وما الحرب العراقية الايرانية الا واحدة من اقسى واجهات الصراع! ويستطرد فيقول: ولكن من جانب آخر..بات واضحا أن التطوّرات الجارية في العراق المجاور.. تركت بصماتها بقوة على تحرّك القوميات الإيرانية، التي يتواجد فيها من يُـخطط أو يُـفكّـر بالانفصال، خصوصا أن الولايات المتحدة الامريكية التي أصبحت اليوم تُـحاصر إيران من جميع الجهات، والتي تدعَـم أو تؤيّـد على الأقل أي تحرك سياسي او اثني ضد النظام،، وهي تنظر إلى (تفكيك إيران، وتفجيرها من الداخل)، أنه السلاح الأنجح لإسقاط النظام الإيراني، والتخلص منه بعيدا عن الحرب ووقوعها في ورطة قوية على شاكلة ما حصل في العراق).
الحرب ضد ايران
اما بالنسبة للحرب على ايران لوضع خاتمة للصراع المكشوف والاتصالات الخفية، فثمة جدول اعمال بصدد ايران.. ولم يدرك اغلب المحللين السياسيين اسراره، وكان كارل روف ولم يزل يردد قائلا: كانت الحرب منتظرة منذ 2004، ولا يعرف هل تأجلت الى اشعار آخر، ام ان الظروف ليست مؤاتية.. ويرى روبن رايت، وهو صحفي يرافق الملف الايراني منذ زمن طويل بأن الامريكيين لا يبدأون الا بعد ان يأخذوا الوقت للتحقيق في واقع ايران بحيث تكون اكثر وعيا واكثر احساسا بالخطر، وابلغ معرفة عن الحقائق السياسية لتلك الارض القديمة التي تؤمن الولايات المتحدة بالهيمنة عليها، ومن ثم البدء بتفكيكها. ويعتقد نيكولاس بينز بأن تفكيك ايران سيكون اسهل بكثير من تفكيك العراق الذي استعصى علينا. ووضع ايران اخطر بكثير من العراق، ليس بسبب دكتاتورية كل من النظامين الاثنين، ولكن العالم كله يعترف الان بأن ايران صاحبة برامج لانتاج اسلحة الدمار الشامل التي ـ كما يؤمنون ـ سنتنقل الى اسامة بن لادن لا محالة والقيام بهجمات ارهابية مميتة ضد امريكا والعالم الحر. واستطيع القول تعقيبا على هذا الرأي بأن العراق بلاد جغرافية، فمها تفكك مجتمعها، فان جغرافيتها ضمانتها بحكم شرياني دجلة والفرات الازليين، وما يحيط البلاد من حدود طبيعية.. اما ايران فهي بلاد تاريخية لها جغرافيات متنوعة، ولا يمكنها ان تبقى متحصنة بتاريخها، فالجغرافية اليوم اقوى بكثير من التاريخ.
التجربة الايرانية.. الى اين؟
ان نظام الادارة الايرانية قد صّمم من قبل آية الله الخميني في العام 1979، وبعد اجراء استفتاء الايرانيين على الدستور الذي اقره وولدت الجمهورية الاسلامية في ايران على اساس النظرية التي تبّناها وبشر بها، باعتباره اماما معصوما وعلى هذا الاساس نشأت المؤسسات التي تشكل الحكومة الايرانية اليوم.. وبالرغم من ملايين المعجبين بالتجربة الايرانية في عموم العالم الاسلامي، ولكن الغرب يرى الشرق ـ والشرق الاوسط بالذات ـ من خلال مصالحه العليا والدنيا فقط.. فهو لا يهتم ان رضيت ام لم ترض، بل عليك بالقبول والرضوخ مهما كانت النتائج. المهم بالنسبة للولايات المتحدة والغرب عموما ان لا تعترض على مصالحه مهما كانت.. هنا نحن بحاجة الى قادة اذكياء باستطاعتهم قيادة السفن الى بر الامان باقل الاثمان.. هنا نحتاج الى معرفة ما يفرض علينا من تحديات والاستجابة لها.. هنا نحن بحاجة الى المحافظة على كل المنجزات والمكتسبات قبل ان تشتعل النار وتصبح هباء منثورا تذروها الرياح.. هنا علينا ان نعي حجومنا في العالم، ونحترم ارادة الاخرين في الاقليم من دون التدخل في شؤونهم.. هنا علينا ان نستدرك الكثير من تجارب الاخرين الذين ذهبوا بعد ان سحقوا اوطانهم، وكانوا سببا في سحق شعوبهم! هنا علينا ان ندرك بأن هذا " العصر " لا تنفعه الشعارات ولا الاشعار ولا الاقوال ولا النصوص ولا الخطابات ولا تمجيد الذات.. هنا علينا ان ندرك بأن التدخل في شؤون الاخرين وخصوصا ذوي القربى هي اعمال لا يقبل بها احد.. هنا علينا ان نراعي مصالحنا ونحافظ على ثرواتنا وندافع عن بلادنا واقاليمنا ومنطقتنا بالكامل من دون خلخلة امنها ولا تحطيم استقرارها ولا سرقة نفطها ولا قتل ابنائها.. خصوصا وان تجارب واقعية قد مرّت من امامنا سواء في العراق او لبنان او غيرهما.. ثم علينا ان نفكّر ونتساءل: هل من مصلحة ايران التدخل السافر بالشأن العراقي كيلا تستعرض عضلاتها امام العالم وكأنها تصارع امريكا على ارض غير ارضها!
الشرق الاوسط: هل ليس له مستقبل؟
لقد كانت حرب العراق قد بدأت انتاج " التغيير بالجملة
وهذا ما يخالف الواقع، اذ يمكنني ان اقارن بين دول الشرق الاوسط ودول شرق اوروبا.. انها دول مركبة فتفككت بسرعة اما دولنا فهي اوطان موحدة لا يمكن ان تفتك بها اية خطط! ولكن يؤكد تقرير اتلانتيك ان صياغات جديدة للشرق الاوسط ستأتي بعد العراق، وسيتطلب مدخل الى مصطلحات مع اعادة تشكيل الشرق الاوسط، والتفكير فيه في طرق جديدة. ان محاولة فهم الاشياء القادمة في الشرق الاوسط شرط ضروري من شروط بناء مستقبلنا والمحافظة على اجيالنا القادمة، بل ورعاية مصالحها القادمة على امتداد القرن الواحد والعشرين.. ان التقرير يؤكد قوة انهيار الدولة العربية، ويبشر بحرب طائفية شيعية سنية طويلة الامد يغذيها تحالفين اثنين: تحالف عربي سني وتحالف شيعي ايراني، ان الهدف الحقيقي هو الهيمنة على المنطقة الزاخرة بالنفط العربي سواء كان في العراق ام في خوزستان العربية ـ كما يسميها التقرير ـ.
يقول مورسلي، بأن "الشرق الاوسط ليس له مستقبل." أما المؤرخ العسكري إدوارد لوتواك فيؤكد بأن: الغرب غير قادر على تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، ويمكن للولايات المتحدة ان تتخلى عن اسرائيل كليا.. ولكنها قد تتبنى العرب ولم تكسب ثقتهم.. والمتوقع أمكانيه صراع اقليمي بين السنة والشيعه في العراق وبالنيابة طبعا بين السعودية ومن يتحالف معها من اجل سحق ايران اولا والاستحواذ على منابع النفط كلها ثانيا، فضلا عن قوة المبيعات للاسلحة المتراكمة وباغلى الاثمان ثالثا، ومن ثم الالتفات لتصفية الحسابات مع البقية الباقية رابعا. فهل ستتحق هذه الامنيات التي تعجّل بكوارث لا تبقي ولا تذر ؟
متى تظهر التركيبة الجديدة للشرق الاوسط ؟
قد تظهر التركيبة الجديدة للشرق الاوسط فى السنوات ال 20 القادمة، ويمكن للدول الجديدة
ان تنكمش وتختفي وتعيد انتاجها من جديد: انفصال خوزستان العربية عن ايران.. الباكستان الصناعية تتفكك لتنضم لقسمها الغربي بلوجستان وسيستان والصحراء والهدف انكماش ايران على نفسها بعد ان تلّقن درسا خطيرا.. انها اليوم مطلقة اليدين في كل من العراق ولبنان وغزة واماكن اخرى، بعد ان تورطت فيها عن عمد وسبق اصرار.. ناهيكم عن الورقة الطائفية التي يباركها مارتن انديك، مدير مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد بروكنغز بأن عشر سنوات هي فترة زمنيه معقولة تقود الى الاعتقاد بان الصراع الطائفي سيحتاج هذا الزمن
ليلعب بالمنطقة لعبته.. وان كل "الاطراف" سوف تستنفد نفسها وكل قوتها في نهاية المطاف.
يقول التقرير: ان العاصمة الاميركية تدرس بعناية تأثير اميركي ضربة على ايران سيتعين على النمطيه الايرانيه. وبعد 30 عاما من حكم المسلمين الاصوليين الظلاميين، سيناصر الايرانيون الشعب الامريكى ؛ وستتغير ايران الى حالة افضل حسب ما جاء في التقرير.
واخيرا: ماذا اقول؟
اعتقد ان كل ما يخطط له ليس له اساس من الصحة، نظرا لتصادم الاراء واختلاف المشروعات.. لا يعرف احد ما الذي يدور في خلد الامريكيين والغربيين بشكل عام حيال ايران.. ولكنني اجد ان ايران تسلك سلوك العراق نفسه قبيل سقوط النظام السابق بعشر سنوات. فهل ستبقى ايران تمارس هذه الادوار في الشرق الاوسط ؟ وهل ستنتظر الادارة الامريكية من دون ان تفعل اي شيئ حيال النفط الايراني ؟ وهل ستتغير الامور في العام القادم، اي عام 2011 والذي اعتقد ان احداثا خطيرة سيشهدها على مستوى الشرق الاوسط.. فهل ستعيد ايران حساباتها من جديد على ضوء متغيرات عديدة ؟ هل ستعتني بامورها الداخلية قبل الاقليمية ؟ هل سنشهد تغيرات ساخنة في ايران ليس كالتي يتمناها الامريكان، بل من اجل ان تفتح صفحة جديدة من العلاقات بينها وبين مجتمعاتها فيى الداخل اولا، وبينها وبين كافة دول الاقليم ثانيا ؟ دعونا ننتظر..
شام
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست