العراق يقف على مفترق الطرق
Monday, 23/06/2014, 12:00
1840 بینراوە
ان تسارع الاحداث و تطورها منذ العاشر من الشهر الجاري تشير الى ان مصير العراق بات على المحك. نحن بدون شك نشهد ما يمكن تسميته ببلقنة العراق و قد دخل العراقيون مرحلة الفرز الطائفي و تصحيح و تعزيز الحدود العرقية الطائفية تمهيدا للمرحلة القادمة في الانفصال النهائي بتقسيم العراق الى ثلاث دول، او على الاقل الى ثلاث كانتونات تنتظم في كيان كونفيدرالي يجمعهم في دولة شكلية لا لرغبة العراقيين فيها بل تماشيا مع المصلحة الاقليمية الدولية.
كوردستان:
لقد تحرك الاقليم سياسيا و عسكريا بشكل فوري و ذكي، لتعزيز موقعه الجيوسياسي لكل ما هو قادم من التطورات، اذ سيطرت قوات البيشمه ركه الكوردية على كافة المناطق المتنازعة عليها مع بغداد، بما في ذلك كركوك و مناطق واسعة اخرى. لقد بات قادة الكورد من الان يؤسسون اية مفاوضات او حلول سياسية قادمة على قاعدة واقع امر الحال. لا شك ان كوردستان كجزء من العراق هي الاقرب الى الاستقلال عمليا، فكل ما يمنع الكورد من اعلان دولتهم المستقلة هو العامل الاقليمي الدولي .
كل التقديرات و التكهنات تشير الى ان الكورد سيرفعون من سقف مطالبهم و شروطهم في البقاء ضمن العراق الموحد المفروض عليه خارجيا، لكي لا يكون اقل من الكونفيدرالية و سيدفعون بكل تاكيد نحو اقامة الاقاليم الشيعية و السنية ليضع العراقيون و الى الابد نهاية لعراق ايام زمان ، عراق الطائفة او المجموعة الذي يقهر الاخرين.
شيعستان:
بتقديرنا ان الشيعة كمكون يشكل اغلبية عددية في العراق و كقوة سياسية رئيسية في العراق الجديد، فشل في استيعاب مقومات الدولة الجديدة، و استهلو المرحلة الاولى و للاسف الشديد بالارتماء في الحضن الايراني اكثر مما يتحمله عراق الطوائف و الاعراق، و فشل في الارتقاء الى مستوى تجاوز رغبة الانتقام من الكثيرين من الضباط و العسكريين و القياديين من منتسبي جيش النظام السابق، مما ادى عمليا الى معاقبة مكون باكمله بجريرة نظام ديكتاتوري لم يسلم من بطشه اقرب المقربين اليه. العراق الجديد لم ينهج مسلك ـ عفى الله عما سلف ـ اسوة بتجارب عالمية عديدة مرت بها امم، مثل روسيا الاتحادية و نظام جنوب افريقيا و غيرها من الامم التي تغلبت على غريزة الانتقام وشرعت تاريخها الجديد بالاكتفاء بازالة الانظمة القمعية و حافظت على هيكل الدولة و استطاعت بعدها و بكفائة عالية ان تنهض باممها في ظل انظمة سياسية جديدة ادارت ظهرها الى القمع و الارهاب اسلوبا في الحكم.
قراءة في المشهد السياسي الشيعي بعد احداث الموصل تشير الى عدم استيعاب المكون الشيعي حقيقة و حجم الكارثة التي حلت بهم كمكون و بالعراق كدولة تحت قيادتهم. القيادات الشيعية مستمرة في نكران ما حدث و التعويل على الحل العسكري رغم ان كل المعطيات على ارض الواقع تشير الى لا واقعية هذا الامر. اكثر من ستة اشهر مرت على احداث الرمادي و فلوجة و الجيش العراقي بكل عظمته و عدده و عدته لم يتمكن من القضاء على المسلحين بغض النظر عن هويتهم او هوياتهم السياسية، فكيف سيتمكن جيش منهار و بغض النظر عن اسباب الانهيار، من استعادة مدن و محافظات كاملة اقل ما يقال عنها ان الوضع الامني و السياسي و العسكري فيها شديد التعقيد؟
كل ما نشاهده في بغداد هو الاناشيد الحماسية المتكررة و طوابير المتطوعين و المجاميع التي تقدم عروضا في الرقص على الاهازيج الخطابية الحماسية، و انسحابات عسكرية تكتيكية على حد وصف بغداد، الا انها اقرب الى حقيقة انقاذ ما يمكن انقاذه للدفاع عن حدود شيعستان. لا احد يتسائل كيف لهذه الجموع الذي يتم اقحامهم في عجالة، في معارك شرسة ان تصد هجمات عسكرية بالكاد يقف في وجهها الجيوش النظامية. لو ان المعارك و الحروب كسبت بالاعداد، لما فشل جيوش صدام حسين في حروبه الطائشة و لو ان الحروب تكسب بالكثرة العددية هذه الايام لما تقهقر فرق و فيالق امام مؤامرة و اول هجوم عسكري عليها. المتتبع للمشهد العسكري هذه الايام يجد ان بغداد من الناحية العملية انما تركز كل جهدها على حدود شيعستان التي ستمر الى الشمال من سامراء اذا ما تم لهم ذلك. هذا واضح من زيارات القادة الى قاطع سامراء و انسحاب القطعات العسكرية من مدن الانبار و تاخرهم، بل اخفاقهم بمد اهالي تلعفر و لواء ابو الوليد بالتعزيزات الكافية بعد بسالة و صمود كبيران، و كأن جماعة بغداد في قرارة النفس قد قبلت بامر واقع و بان الشيعة انما يريدون التخلص من وجع الراس السني بشقيه العربي و الكوردي.
سياسيا فان خطاب بغداد هو الابعد من الواقع الجديد الذي تجاوز الانتخابات و نتائجها الاخيرة في نظر الاخرين من الشركاء سواء كان الكورد ام السنة. بغداد تدعوا الى انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان و الى الالتزام بجدولة العملية السياسية في اختيار رئيس البرلمان و رئيس الجمهورية و لاحقا رئيس الحكومة و الحكومة نفسها على اساس و مبدء الاغلبية السياسية ، و كأن شيء لم يكن ! و كأن العراقيين عمرهم سيقبلون بحكومة الاغلبية!
سنستان:
لا ريب في ان المشهد السياسي في سنستان هو الاكثر ضبابية و هيلاميا و فوضويا و الاصعب فهما على المحللين و المراقبين ناهيك عن المواطنين. من هو سيد الموقف في سنستان؟ هل الدواعش؟ ابناء العشائر الثائرة على التهميش و الاقصاء؟ ام المجموعات المختلفة من الجيش السابق؟ مشكلة المكون السني الاساسية تكمن في التباس الامر عليهم وعلى غيرهم لفهم هذا التزاوج بين الدواعش و شركاء العملية السياسية و رافضيها بفصائل سنية متعددة، و الذين لا يشتركون مع البعض سوى بالعداء لنظام المالكي كما يعبرون. لا احد يستطع التكهن بما هو ات بعد مرحلة التخلص من سيطرة بغداد العسكرية؟ اسئلة برسم الشارع السني لا اجوبة لها تلوح في الافق القريب. ماذا بعد، لنقل: تحرير اراضي سنستان؟ هل يريدون اقامة الدولة الداعشية؟ هل يريدون انشاء اقليم سنستان على غرار كوردستان و يريدون البقاء في عراق فيدرالي او كونفيدرالي؟ اين هي المقومات الاقتصادية لاقامة دولة سنية ؟
الحل؟:
تاريخ العراق البعيد و القريب و خاصة تجربته الاخيرة بعد سقوط النظام السابق، يشير الى فشل كل المحاولات القسرية و غير القسرية في اقامة وطن و دولة على اساس هذه الثقافات الرئيسية الثلاثة، والتي تختلف فيما بينها اكثر بكثير مما تتفق و تتوافق، و تتناحر اكثر من ان تتعايش. و لا ياتينا احدهم ليكرر لنا الدجل الذي سئمنا منه، باننا كلنا عراقيين و لا فرق بيننا و الى غير ذلك من الترهات لان الواقع العملي من سلوكيات وممارسات، يثبت و بشكل لا لبس فيه العكس. فعلى سبيل المثال سمعت مرة السيد رئيس االوزراء نوري المالكي يقول انه شيعي قبل ان يكون عراقيا و انني على يقين هكذا هو الحال مع القادة الاخرين من السنة و الكورد، وهكذا هو الحال مع كل عراقي بعمومه فان ولائه للدين و المذهب و القومية قبل الوطن ، فكيف يبنى وطن علي هذه الثقافات و الاساسات؟
العراق و بكل المقاييس و بكل تاريخه و ثقافاته و سلوكيات افراده انما وصل الى نهاية الطريق الواحد و يقف اليوم بكل جلاء على مفترق الطرق و على ساسته و من باب المسؤولية الاخلاقية و الانسانية ادراك هذا و العمل على حقن الدماء التي تسيل بلا معنى. لقد سبقتنا شعوب اوروبا الشرقية في هذا المنحى و ها هي اليوم تعيش جنبا الى جنب دولا و شعوبا في امن و سلام.
راي الشخصي ان الاوطان التي يراد منها ان تبنى على التعدديات الثقافية و العرقية و الدينية يجب ان تقام على الولاء للوطن قبل كل ما عداه و ان يكون انظمتها السياسية فوق كل هذه الاعتبارات، تضمن لكل المواطنين حريتهم في كل المجالات و حقوقهم دون تمييز. لكنني اقر و اعترف ان تجارب العراق على مر مئات بل الاف من السنين يثبت لنا ان هذا ليس الا حلما يساور السفهاء.
عليه فان الطلاق اخير من زواج بائس فاشل فيلذهب كل في طريقه و يقابل مصيره لوحده و ليتحمل مسؤولية مستقبله و امنه و امانه و ازدهاره بنفسه. لا اعتقد على اية حال ان طريق الاستقلال و الانفصال لاي فصيل من هذه الفصائل مفروشا بالورود ، ولكن بعد ان سالت انهار من الدماء بين ابناء ما يسمى بالبلد الواحد ، ان الاوان لان يمشي كل في سبيله.
و اذا كانت المصالح الاقليمية الدولية لا تسمح بهذا الطلاق الحر الكامل فليتحول العراق الى كونفيدرالية تجمع هذه الفصائل ضمن اطار زواج شكلي لحين تسمح الظروف الاقليمية و الدولية بالانفصال التام.