اتهامات المثقفين العرب حول علاقاتالاكراد بالاسرائيل
Sunday, 09/03/2014, 12:00
1974 بینراوە
بعض السياسيين والمثقفين الكورد يظهرون امتعاضهم لما يقرؤونه على الدوام من مقالات لمثقفين عرب تتهجم على الكورد وزعمائهم وتعمل على إظهار الكورد كخونة ومارقين في المنطقة، كعملاء لأمريكا واسرائيل ومستعدين لبيع أنفسهم لمجرّد الإضرار بمصالح الأمة العربية... وما إلى هنالك من اتهامات شنيعة وقاسية حقا.
وفي الحقيقة لم تتوقف هذه الحملة المسعورة المأجورة في يوم من الأيام، والهجوم على قيادات الكورد منذ نشؤء الحركة السياسية الحديثة للأمة الكوردية له تاريخ، وهذه نظرة كثيرين من المثقفين العرب الذين يخافون من التهجم المباشر على حكومات بلدانهم وزعمائهم المنغمسين في العمالة والخيانة بحق شعوبهم حتى آذانهم ، ولايجدون متنفسا لأحقادهم وضغائهم إلا عن طريق صبها على رؤوس الكورد، فالكورد لا يملكون الوسيلة والسلطة لمحاسبة هؤلاء أو قطع ألسنتهم ورقابهم ، وهم مثلهم ضحايا أنظمة إرهابية أو عسكرية فاشية أو متحجرة في نظامها العشائري أو الطائفي أو المناطقي، وأين للضحية أن تضر بالضحية؟
ولكن الغريب أن هناك تنسيقا بين الزعامات العربية والإعلام العربي وكثيرين من المثقفين العرب الذين يظهرون أنفسهم بين الحين والحين كمعارضين لأنظمة بلادهم. ويتجلى هذا التنسيق الكبير في الموقف من القضية الكردية، فكلهم مع حق الشعب الكردي في تقرير المصير نظريا ولكنهم يرفضون أن يطبّق ذلك الحق على أرض الواقع، وهم يتباكون على المذابح التي حدثت ضد الشعب الكردي ولكنهم يبرئون النظام البعثي الفاشي الإرهابي من هذه الجرائم بصورة أو أخرى، كما أنهم يشنون حربا شعواء على الكورد بسبب العلاقة مع أمريكا واسرائيل ولكنهم يغضون النظر عن العلاقات المتينة لعديد من الحكومات العربية مع أمريكا واسرائيل، بل يشجّعون ذلك بإسم المصالح المشتركة ومن "أجل حل سلمي وعادل في فلسطين!!"، وهم يرون الإسرائيليين الذين يدخلون كوردستان سرّا ولكنهم لم يروا عناقات السيد عرفات وملوك العرب مع زعماء أمريكا واسرائيل التي صار لها تأريخ طويل وملفات بالألوان لا يمكن لأحد التهرّب منها. ولقد نشرنا في مقالنا "الضمير لا يرضى والعقل لا يستوعب" منذ أيام جزءا من رسالة الأمير فيصل في عام 1919 التي ضمّنها ترحاب العرب بعودة اليهود إلى فلسطين وأبدى فيها تأييده للمشروع الصهيوني واعتبره معتدلا وواقعيا.
الأكراد أنفسهم مختلفون في تقدير العلاقة مع اسرائيل والاسرائيليين، فمنهم من يراها شيئا عاديا وطبيعيا حيث "لا توجد أي عداوة مباشرة بين الطرفين، لا تاريخيا ولا اليوم" ، واليهود النازحون من كوردستان إلى اسرائيل لهم الحق في العودة إلى بلادهم مثل عودة اليهود الألمان إلى بلادهم بعد سقوط النازية، أو عودة التجار اليهود إلى روسيا بعد سقوط النظام الشيوعي، ومن الأكراد من يعتبر "النظام العربي" أشد وطأة على الكورد من اسرائيل، فهي لم تقم بمذابح جماعية ولا أنفال ولاحرب كيميائية في كوردستان، وإنما الذين قاموا بذلك هم عرب مسلمون كانوا يرفعون فوق رؤوسهم علما عليه عبارة "الله أكبر"...
ومن الأكراد من يقول:" تركيا التي كانت فيما مضى دولة الخلافة الإسلامية لها علاقات عسكرية وديبلوماسية وسياسية واستخباراتية واقتصادية مع اسرائيل، ولها في نفس الوقت علاقات حميمة مع العرب وتأخذ مكانها في منظمة الدول الإسلامية، بل تطلب السماح لها بالمشاركة في الجامعة العربية...وإن أكثر الدول العربية تشددا حيال اسرائيل يعمل على إرضائها سرا والجلوس معها كجار لا يمكن تجاهل وجوده..." ويتساءل هؤلاء الأكراد: "لماذا لا نفعل نفس الشيء وما ضررنا في ذلك؟" وقد سمعنا بأن الحكومة العراقية ستنشر قريبا وثائق تثبت علاقة "المجاهد الأكبر، حارس البوابة الشرقية" باسرائيل وتوسله إليها لانقاذ عنقه من الضربة القاصمة.
ومن بين الأكراد من كان قاسيا وشديدا ضد أي علاقة مع اسرائيل والاسرائيليين، لا من منطلق إسلامي وإنما من منطلق يساري، وتضامنا مع اليسار العربي والقضية الفلسطينية، ولكنهم اكتشفوا مع الأيام بأن هؤلاء اليساريين والفتحيين هم أقرب إلى اسرائيل من الكورد وكردستان، بل يتباهون بأنهم يعملون من أجل إقامة دولتين على أرض واحدة: اسرائيل وفلسطين!! ولايتوانون عن اقامة تنسيق أمني بينهم وبين الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، "فلماذا لا تكون هناك دولتان في العراق: إحداهما عربية والأخرى كوردية؟! ومن الأكراد من يتخذ موقفا حذرا تجاه أي علاقة مع اسرائيل لأنه يرى في ذلك تلاحما خطيرا بين سائر القوى المعادية لاقامة الأكراد لمثل هذه العلاقات التي قد تزيدهم قوّة فيتكالبون على كوردستان ويتعاونون على سحق الحركة التحررية الكوردية، وهؤلاء الأكراد الذين يفكرون هذا التفكير، في معظمهم تؤثر فيهم خلفيتهم الإسلامية أو أنهم راضون بالقدر الكردي الحالي وهم لا يستطيعون الانفكاك أو الانفلات من المثلث الناري الذي شكلّته حول كوردستان القوميات العربية والفارسية والتركية بتياراتها الإسلامية والقومجية المتعصبة ضد أي طموح وطني كوردستاني.
والصراع الفكري داخل كوردستان كما في غير كوردستان مستمر وقوي، ويكثر الحديث والنقاش حول موضوع العلاقة مع اسرائيل والاسرائيليين. حيث أن المسألة متشابكة ومتعلقة بقوة اللوبي اليهودي الاسرائيلي الصهيوني في كل من أوروبا وأمريكا والدول الاشتراكية السابقة، وحتى في تركيا أيضا، وتأثيره على القرار السياسي الدولي وعلى الإعلام العالمي وعلى الحركة الاقتصادية العالمية. لذا فإن من السخف أن يتهم بعضهم ليل نهار الأكراد بالعمالة والخيانة للقضية العربية أو للوحدة العربية أو للقضية الفلسطينية في وقت ينظر فيه إلى التعاون والتنسيق بين دول عربية واسرائيل، أو بين منظمة التحرير الفلسطينية والأجهزة الأمنية الاسرائيلية نظرة "موضوعية وعقلانية!".. ومن الخبث حقا أن تقبّل عيون وزير الخارجية التركي الذي لبلاده علاقات متينة مع اسرائيل على كافة المستويات وابداء التخوّف في الوقت ذاته من احتمال علاقات مضّرة بالعرب بين كوردستان واسرائيل، كما فعل بعض وزراء العرب مؤخرا، ومنهم من يضع الكورد المسلمين في خانة اليهود بهدف تبرئة كل الفظائع التي ترتكب أو ارتكبت سابقا بحقهم، كما يضع كوردستان في خانة اسرائيل ليعتبروا اقامة دولة كوردية مثل اقامة الدولة الاسرائيلية، وهذا ما لن يقبله الكورد ولا العالم المتمدّن الذي يرى فرقا شاسعا بين هذا وذاك.
برأيي إن من الأفضل للمثقفين العرب العنصريين هؤلاء أن يعرّوا مواقف حكومات بلدانهم إن كانوا فعلا قادرين على ممارسة النقد ويتركوا الكورد وكوردستان لحالهم، فقد خرجت القضية من أيدي هؤلاء المثقفين التابعين لاشارات وزارات إعلام حكوماتهم، ولم يعد بالإمكان إرجاع عجلة التاريخ نحو الوراء وضرب الشعب الكوردي بالنابالم أو الأسلحة الكيميائية مرة أخرى أو تشريده وتجويعه وصب ينابيع الماء في كوردستان بالاسمنت وتدمير قراه ومدنه لاقامة عرش صدامي تكريتي آخر مبني على أجساد ضحايا الكورد ودمائهم.
وشيار عباس مصطفى
سوريا -دمشق