قطرة دم انسان ولا مائة وطن
Monday, 21/01/2013, 12:00
ربما يستغرب البعض ممن تربى منذ نعومة اظفاره على ما ملئوا ذهنه به من المسميات الفكرية العقيدية التي تقدس الارض و ما موجود عليه من البنى التحتية و الفوقية اكثر من ما خلق عليه من الكائنات الحية و التي وصلت الى الانسان كارقى ماموجود اليوم، و تهمل هذه الافكار المكونة بذاتها من ذهن الانسان الانسان ذاته، و كانه خلق من اجل خدمة الجماد و ليس العكس تماما. ان الخرافيات و الاساطير و الفلسفات الخيالية ومن ثم الافكار و العقائد و الايديولوجيا هي التي وجهت الشعوب في العصور الغابرة لحد اليوم، و هي التي فرضت مجموعة من المعتقدات باسم المباديء المتعددة الاشكال، و لاغراض عديدة و توارثتها الاجيال، و كل هذا العمل جاء متسلسلا او عبر مراحل، و فرض من قبل مجموعات مختلفة من الناس لمصالح حياتية معيشية معينة و جاء لاستغلال الانسان للانسان و باسماء و جواهر فكرية مختلفة و ليس من اجل التراب كما ادعوا ظاهرا او ما تحول اسمه بعد مراحل حياتية و تاريخ طويل الى الوطن .
لو تمعنا بدقة متناهية و بعيدا عن كل توجه او خلفية في كيفية وصول هذه المفاهيم من حيث المعنى و الجوهر و المحتوى و المدلول الينا، يظهر لدينا بشكل جلي ان هناك عوامل عديدة و مختلفة الشكل و التركيب و الدوافع حسب كل مرحلة، هي التي اجبرت الانسان بنفسه على تهميش الانسان بذاته و عدم اعتباره جوهر قضية و هدف الحياة، و في مقدمة العوامل و الاسباب هو الاقتصاد بمعناه البسيط قديما و المعقد كما هو حاله اليوم ، اي ماوراء كل تلك التشويهات عوامل مادية بحتة و من ثم خلقت الحجج و التبريرات و اعذار لما اقدموا عليه من اجل توفير الارضية المناسبة لانبثاق الافكار او التوجهات المستندة على تلك المصالح التي قامت من اجلها الافكار المؤدية لخراب الانسان . اي مصالح ضيقة لقوة معينة او مجموعة متسلطة حسب المرحلة و باي شكل كان . اي منذ تجمع الانسان على رقعة معينة و احتياجه للاخر لضمان معيشته و ضرورياته و هو يلهث وراء ما يبقيه متصارعا مع الاخر الضد او المنافس، و هو يحاول خلق او ما بمكن ان يسمى بالابداع ان لم يكن يضر بالانسان و ذو قيمة و اصالة كوسائل لضمان وتطور حياته و نجاحه و نصره في كل تنافس مع من يصارعه على هدف معين او اهداف شتى من قبل مجموعة و تحاول الاخرى معنها . او جاء منذ استغلال القوي من حيث المعنى المتعدد و التكوين، للضعيف، للسيطرة على اموره و من ثم على ما يهمه هو دون غيره . لو تعمقنا اكثر و بشكل عقلاني حيادي بحت و مجرد من اي فكر مسبق و كانسان بكل معنى الكلمة، اي ككائن حي عاقل يستحق العيش الرغيد و السلام و الحياة الهنيئة الكريمة بمعناها المتشعب و مستندين على المفاهيم التي تساعده على الحفاظ على حياته، تتبادر الى الاذهان مجموعة من الافكار المجردة ايضا و التي تخلق الاسئلة المنطقية النابعة من الهدف او الغاية منها خير للبشرية فقط؛ اليس من المعقول ان يكون كل شيء مسخرا للانسان كما يقوله الجميع بمختلف المشارب، لانه ارقى كائن على الكينونة، ام المفيد هو تاطير معيشته ضمن حلقة فكرية معينة و ضيقة الافق و المساحة من الارض و اعتبارهذه الحلقة هدف سامي فقط ؟
لنعش فرضا في خيال انساني راقي بحت و لكن جميل، لنجرد انفسنا من المسميات التي استحدثت من اجل مصالح و افكار من القومية و الدين و المذهب و العقيدة و التاريخ و الجغرافية و الفكر و المباديء ايضا، و بعيدا عن اللغة و اللون و الجنس، بعدما نسلخ انفسنا من التربية الخاصة الضيقة ايضا للعائلة و المحيط و المجتمع و المنطقة بشكل شامل، اليس من المعقول ان يكون الانسان هو الاول من حيث الهدف و الغاية في اي عمل او توجه، افليس سلامته و حريته ومعيشته بسعادة هي الغاية، ام زجه ضمن الوسيلة المستخدمة لغايات ابتدعتها المراحل المنحرفة لحياة البشرية، و هي غايات في اصلها خلقت من اجل توجه او ما يمكن ان نسميه فكر ضيق ضمن اطار مادي معنوي معين . لو نظرنا الى الحياة من الاعلى، اي من رقعة و مكانة سمو الانسان بذاته عن اي شيء اخر، فهل يمكن ان نعتقد بان القضايا الكبيرة المستفحلة التي عقدتها المراحل المتتالية لمعيشة الانسان و تشعبت تكويناته و سماته، فهل يمكن ان تشغل هذه المشاكل البسيطة التي حدثت نسبة الى التاريخ الطويل للبشرية، ان تشغل عقلية الانسان ذاته و تبعده عن مساره الصحيح و الطبيعي، ام لو نظرنا الى الرقعة الكبرى اي الكون و الكرة الارضية على وجه الخصوص ، اليس استغلال جهة او ما يمكن ان يسمى بالفكر و نتاج عقلي معين و الذي انبثق من المسار التاريخ و المستجدات والتطورات الطبيعية، استغلال للاخر من اي جانب كان، اي للاخر المستغَل المضطهَد هو الذي فرض تحوير مسار حياة الانسان و حوله الى آلة مجردة من عقل و ذهن و رقي و ذكاء، اي حوله الى الة او وسيلة من اجل خدمة رقعة ضيقة و مساحة معينة من المكان و الزمان و الفكر و المعنى . و هكذا يمكن ان نصغر الفكر شيئا ما لنصل الى ما يمكن ان نعتبره الان الوطن و هو مقدس و مستقر في عقلنا نظريا و نربي اجيالنا للتضحية من اجله و ان ذهب من اجله حياة البشرية جميعا كما هو مستقر مشاعرنا و الانا الداخلي لنا جميعا على قدسية هذا المفهوم،و من ثم نصغره اكثر الى اقليم او مدينة او حي و من ثم الى المنزل او البيت ، اليس من حقنا ان نقول قطرة دم فرد من افراد العائلة و لا مئة منزل .
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست