يختزلون الانسان في الدين ... و الدين في اللادين!
Sunday, 16/03/2014, 12:00
وسام جوهر
قلما تجد شعبا عانى من العزلة و الاضطهاد كالشعب الايزيدي، شعب الله المنسي. تنبش في مصادر التاريخ و المخطوطات دون جدوى لا تفلح ان تجد شيئا يستحق القراءة، فجله ساذج ملفق و غير منصف بل عدائي في معظمه. كتب عنهم البعض و نقلوا عن بعضهم البعض فازادوا في الطين بلة. يخال للمرء و كان التاريخ متامر على هذا الشعب المسكين. عاش الايزيديون او ما تبقى منهم من تلك الفرمانات و الحملات اللاانسانية و التي استمرت لمئات من السنين، زمنا طويلا في عزلة شبه تامة يداوون جراحهم.
لقد ادى هذا الانعزال الى كارثة حقيقية في مختلف مناحي الحياة من تعليم و صحة و اقتصاد ناهيك عن تنزيلهم الى ادنى درجات المواطنة. لقد ترك كل هذا شرخا كبيرا في شخصية الايزيدي فولدت لديه غريزة الخوف من كل مايحيط به و فقد الثقة بكل الخارج الايزيدي، فامتنع عن التعليم خوفا من ان يكون التعليم وسيلة تبشيرية تهدف الى سلبه بعقيدته. فكانت النتيجة ان بقى المجتمع الايزيدي غارقا في الامية حتى بداية الستينات من القرن الماضي حيث بدء نفر قليل من الارتواء من منابع العلم و المعرفة.
ربما كان اول و اكبر تغيير ديموغرافي ايزيدي حصل في الشرق الاوسط ،هو نزوح الايزيديين من تركيا الى المانيا التي كانت تنادي الايدي العاملة على اثر الحرب العالمية الثانية المدمرة لالمانيا، فكانت النتيجة ان الموجة الاولى من المغتربين الايزيديين شملت كل الوجود الايزيدي في تركيا. في بداية الثمانينات و على اثر حروب صدام حسين الكارثية حتى بدايات التسعينات، كان لايزيدية العراق موعدا مع الموجة الثانية التي اخذت طابع الهجرة الجماعية في تسعينات القرن الماضي. و على التوازي نزح ايزيدية سوريا و ارمينيا الى الغرب هربا من الظروف القاسية التي حلت في تلك البلدان على اثر تقلبات سياسية كبيرة. مع بداية الالفية الثالثة اصبحت المانيا الاتحادية ثاني بلد ايزيدي بعد العراق و دولة السويد تكاد تصبح ثالث دولة من حيث عدد المهاجرين الايزيديين.
هنا حصل شيء او بالاحرى تغيير لم يكن ليفطن له الكثيريين و هم منشغلين بهمومهم اليومية يرزخون تحت طائلة من الظروف القاسية من ديون هائلة و اهل في الوطن الام في حاجة يومية الى مساعدتهم ناهيك عن صعوبات التاقلم مناخيا، ثقافيا وهم في غالبيتهم اميين ضحايا الظلم التاريخي الذي لحق بهم. فمع مرور السنين تحسنت اوضاعهم و كبر الجيل الثاني من ابنائهم و اختلط مع الجيل الثالث من ولادة الاوطان الجديدة.... كل هذا افرز تحديات جديدة لا تقل عن سابقاتها. كيف يحافظ الايزيدي على هويته و ارثه و كيف يوفق بين هذا و ان يكون مواطنا في بلده الجديد له ما لغيره و عليه ما عليه؟
الاجيال تتوارث الثقافات من الاباء في بيئاتها التاريخية بشكل ديناميكي و طبيعي فالطفل الايزيدي مثلا في ختارة او سنجار او بحزاني يتلقى عناصر الهوية الاجتماعية الدينية الوطنية على مدار الساعة ليلا و نهارا في المنزل كما في المدرسة و كما في الشارع وفي المسرات و الاحزان، يحج لالش على الاقل مرة كل سنة. اين هذه البيئة في المانيا و السويد و كل الخارج ؟ و حتى في بيئته التقليدية يتعرض الانسان الايزيدي الى عواصف من التاثيرات الخارجية من خلال التلفاز و المسلسلات التركية الرخيصة و عالم الانترنيت ، فلم يعد الايزيدي اسير قريته التي كانت الى الامس القريب عالمه و كل العالم من حوله.
ان يعمل الايزيدي في بارات بغداد و البصرة و اربيل و السليمانية كعامل اجير او حتى صاحب متجر صغير و عائلته في ايزيدخان فهذا شيء.... لكن ان يهاجر الايزيدي و عائلته الى ديار الغربة فهذا شيء اخر.... انها ليست نزهة صيفية يعود بعدها الى ايزيدخانه غدا او بعد غد ....انه انتقال و تحول و تغيير الى الابد....بعد جيل او جيلين سيكون للايزيدي الغربي ذاته و شخصيته الجديدة في الكثير منها غربية كما هي في الكثير منها اليوم عراقية و كوردية و سورية و جورجية. هذه حقائق و ليست تمنيات او مطالبات من جانبنا كما يحلوا للبعض ان يسميها اليوم.
كيف تريدون ان يعيش الايزيدي الغربي في قلب الحضارة الغربية و بعقلية و احكام زمن قديم اصبح من الماضي البعيد. يبدوا لي اننا، و كما كانوا دعاة التغيير في كل الازمنة و في كل الثقافات، نواجه التحدي الكلاسيكي من دعاة الجمود على اساس، هكذا عاش ابائنا و اجدادنا فلما التغيير اذن؟؟ بالامس القريب كان ضربا من الخيال ان تلبس الفتاة الايزيدية في قريتها البنطلون او ان يحلق الشاب الايزيدي شاربه .... انظروا الان الى حفلة عرس ايزيدية في ايزيدخان و ستفهمون حجم التغيير، الذي ما ان وصل نقطة التراكمات النوعية لم يعد ممكنا عندها لكائن من كان ان يقف بوجهها ....هذا هو التغيير الطبيعي الذي نعني به نحن، فانه كامواج السونامي يجرف كل ما يقف في طريقها.
ان وجود الطبقات من عدمها لا يغير من ماهية العقيدة كما يتخوف البعض فلكل زمان مقوماته و متطلباته. فهي مستحدثة اصلا على العقيدة و على يد الشيخ الجليل عدي بن مسافر، اي ان العقيدة الايزيدية الحقة عاشت من دون الطبقات قبل ظهورها.
في الحقيقة ان << السد و الحد>> ما هو الا <<شريعة>> وضعية يراد منها تنظيم حياة الناس الدنيوية و لكي تكتسب السلطة تم ربطها بالحياة الاخروية. في الماضي الذي كان له مقوماته و ضروراته كان للشيخ و البير دورا مهما بكل تاكيد...كان دوره مهما و لهذا خصص له منصبا و خصص له راتبا <<ماش ـ معاش>> سماه ب <<الرسم ـ الزكاة>> لكي يكون متفرغا الى امور الدين، ولكن اين نحن من كل هذا اليوم؟ كم شيخا او بيرا يعيش اليوم على <<رسوم>> المريد. كم شيخا يحفظ نصا دينيا؟
المشكلة كل المشكلة تكمن في تقديس اللامقدس على حساب المقدس. انا اتسائل ما قيمة الدين ايا كان هذا الدين من غير الانسان؟ لاجل ماذا وجد الدين؟ و من هو هذا الذي خلق الدين؟ لقد عاش و يعيش الانسان من دون الدين، و لكن اين هو الدين الذي يعيش من دون الانسان؟ !!! انا لا ادعو هنا الى الالحاد طبعا ، و لكن اريد ان اذكر بقيمة و قدسية الانسان في هذه العلاقة التي شوهها الانتهازيون المنتفعون من الدين. الدين كالسياسة وجد او من المفروض به انه وجد ليسد جانبا من احتياجات الانسان التي يمكن تقسيمها الى حاجات مادية و اخرى نفسية روحية او سميها ما شئت... حتي الدين يؤكد على هذا اذ يقر بان الانسان خلق من المادة (الطين) و الروح (نفس الله )...... لقد حاول الانسان منذ بدايات وجوده او وعيه على وجوده ان يفهم كل ما حوله من ظواهر الطبيعة...و جاء بتفاسير او اجوبة عديدة لاسئلة كثيرة تحدته
التاريخ يبين لنا اتجاهين رئيسيين في هذا المنحى، الاتجاه الميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة) الذي يقول بخلق الكون من قبل خالق يقع خارج الزمان و المكان، هذا هو الاتجاه الديني الذي في اهمه يحقر الدنيا و الحياة الدنيوية لصالح حياة اخروية لا احد راها و ليس لدعاة هذا الفكر اي دليل او اثبات و لا ضمان لوجودها. يمنحونك مقعد انتظار في هذه الدنيا الى جنة لا وجود لها الا في مخيلة المستفيدين و المنتفعين من الدين على حساب المريد المسكين المقهور.
الاتجاه الفكري الثاني للانسان تجلى في رؤية مادية ترى ان المادة ازلية لاتفنى و لا تخلق من العدم و هي الاصل ، اصل كل الظواهر من جماد و حياة. هذا هو الاتجاه العلماني و الذي يستند الى العلم و مبدء التجربة و البرهان، يطالب نفسه بالبرهان قبل ان يطالبه غيره بذلك. هذا الاتجاه الفكري العقلاني و على عكس الاتجاه الميتافيزيقي الذي يستند على الغيب و الاسطورة دون دليل او برهان.
الاتجاه المادي العلماني، يقدس الانسان ولا يرى فيه عبيدا لاحد، لا يؤمن بالغيب و لا بالاخرة و يوم الحساب ، الحساب على ماذا؟! هذه هي الحياة الوحيدة التي يعيشها الانسان الفرد بشكلها و صيغتها الفردية الحالية مرة واحدة، وعلى الانسان ان يستمتع بها و ان يعيشها على افضل وجه ممكن دون تحويلها الى جحيم على الارض لصالح وعود لا احد يضمن تحريرها.
اصحاب الاتجاه الديني يربطون بين الاخلاق و الدين و بشكل يخال اليك بان لا وجود للاخلاق دون الدين، او ان الدين هو خالق الاخلاق !!! في الحقيقة هذا ادعاء غير صحيح، فالتاريخ يثبت لنا ان الانسان في بدايات التاريخ و الى زمن متاخر جدا لم يكن يربط بين الدين و الاخلاق بل كان اخلاقيا قبل ان يكون متدينا و كان مصدر اخلاقه، الانسان نفسه ـ ضميره ـ و بيئته الاجتماعية و علاقاته بالاخرين فيها. الانقلاب الديني على الاخلاق و اختطافها و استغلالها لصالحه بدء مع النبي زرادشت و بلغ ذروتة في الديانات الابراهيمية و على وجه الخصوص في الاسلام كاخر ديانة ظهرت في الشرق.
ماساة مفهوم الاخلاق في المنظور الديني في الشرق تتجلى في اختزال النظام الاخلاقي كله في امور محدودة و محددة يعظمها و يقدسها على حساب امور و اخلاقيات اكثر اهمية و قداسة. فالشرف و كل الشرف اختزلته الثقافة الشرقية اسيرة الثقافة الدينية ، ليسكن بين فخذين. اما امور اخلاقية كالصدق و الامانة و حقوق الانسان و الى غير ذلك من الاساسيات لبناء المجتمعات المزدهرة فيكاد ان يكون مفقودا لدى انسان هذه الثقافات. سياتيك احدهم باية قرانية او قول من اقوال الايزيدية ليقول لك، قال الله سبحانه تعالى كذا و كذا ... و حرم كذا و كذا..! جميل جدا ليكن كذلك لكننا نجد من بين النصوص الدينية ما يدعو الى عكس ذلك تماما و التاريخ يثبت لنا ان انبيائه قتلوا الناس لاختلافهم معهم، لا بل يعظم الدين من شان القاتل و يمجده و يوعده جنات الخلد كثناء لخدماته الجليلة في قتل اعداء الله من الكفرة الذين لا تطالهم يد الله دون جنده!
ان الفساد الخلقي و الاخلاقي المتفشي في ظل هذه الثقافات ما هو الا دليلا على مادية طبع الانسان و اصله ، فتراه يكذب و يقتل و يحتال و ينافق من اجل المنافع المادية من اموال و مناصب و مزايا اخرى. نحن لا ندافع عن هذه الصفات طبعا ، على اساس مادية الانسان، بل على العكس نرى على عكس هذا الانسان، هناك الانسان الغربي الكافر نموذجا لا يكذب، يكد و يعمل بجد و اخلاص، و هو لا يفعل كل هذا خوفا من نار جهنم الابدية اذا سرق او كذب او قتل نفس ، بل يمتنع عن كل هذا لانه و بفطرته و عقله يدرك ان الامتناع عن كل ذلك يخلق له و للاخرين مجتمعا امنا يحقق له افضل ظروف الحياة الدنيوية، الحياة الوحيدة التي يعرف بانها بكل تاكيد يعيشها الان.
ولعل اتجاه الهجرات البشرية الحدية تثبت لنا كل هذا بشكل لا لبس فيه. نرى اصحاب اولى الحضارات الانسانية و ب فضل الثقافات الدينية الفاشلة، يقصدون ديار الكفار طلبا الامن و الامان و ضمان كل سبل الحياة لهم و لاطفالهم، رغم ان بلدانهم الاصلية تحوم على بحار من الذهب الاسود. من الجدير بالذكر ان حال الانسان الغربي في ظل الثقافات الدينية بشكل عام و الديانة الابراهيمية المسيحية بشكل خاص، و الى الامس القريب لم يكن بافضل من حال اخيه الشرقي، قبل ان ينتفض على تلك الثقافه وقبل ان يميز بين ما ل لله و ما للانسان، فاعاد تعريف الدين و لم يلغيه .وغير في نظرته الى الدين و لم يغير الدين. تحرر من سلطة الدين دون ان يترك الدين.
ان اللجوء الى السخرية و الاستهزاء بالمصلحين و التغيير، و العزف على وتر العاطفة الدينية ليس بجديد ، فالناس استهزئت برسلها و انبيائها و نعتتهم بالمجانين و المعتوهين. من ينكر التغيير او يعاديه فليفعل ذلك و يعيش في عالمه الوردي الذي لا وجود له الا في مخيلته. اما التغيير فمحكوم ، وهكذا كان دوما، و هكذا هو اليوم و غدا، بظرفي الزمان و المكان وهو جار من غير توقف كالرياح التي تهب من غيراذن.
بالامس كان الدين وكل الدين في لبس الابيض و التوك ـ طوق، و في الشارب و في عدم الاحتكاك جنسيا خارج الدين ...و في ... و في ... و اليوم ليجاوب المستهزئون والمثاليون ممن جعلوا من انفسهم خلفاء الله و الدين على الارض، كم ايزيديا عاش خارج محيطه التقليدي، قادر اليوم علي ان يضع يده على قلبه و يحلف بشرفه و اقدس ما عنده انه لم يخالف احدا او جل هذه الخروقات لل سد و الحد.
بالمناسبة فالسد و الحد كلمتان عربيتان لا غبار عليهما و الاثنان لا تعنيان اكثر من معنى الحد من حرية الانسان ....طبعا لن يتاخر جند لله في الاستهزاء بكلمة الحرية فليس هناك من شيء يعادي فكرهم كالحرية، فزادهم نابع من حصر حريات الاخرين المريدين ، بالمناسبة فان كلمة <<مريد>> هي الاخرى عربية و تعني و حسب معجم المعاني << تابع، متعلم على شيخ، المريد رتبة صوفية، فهو من مريديه اي من اتباعه و انصاره>> ،فثالوث الصوفية هو الشيخ و الطريقة و المريد.
لا محال ان الانسان المبالغ في الدين اي دين كان سيقع في فخ الدجل و النفاق اذ تراه يقول شيئا و يفعل الكثير غير ذلك، ولسنا بحاجة الى تسطير الامثلة التي لا تحصى و لا تعد، فدعك عن المريديين، فالانبياء المعصومين فعلوا ذلك، فما بالك بمن يعيش في الغرب هربا من الشرق الذي يقدسونه في ما لا يقدس.
المتباكون على الدين ..يختزلون الانسان في الدين والدين في اللادين ...يا لها من محنة عقل ينتحر في عشق الغيب !
وسام جوهر
[email protected]
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست