الامن القومي الايزيدي ... بين الطموح و الواقع ج1
Thursday, 28/06/2012, 12:00
ليس خافبا بان العراق يمر بمرحلة سياسية معقدة يصفها المتفائلون بالفوضى الخلاقة, بينما يصفها المتشائمون ببداية النهاية للدولة العراقية. لقد دخل المشهد السياسي العراقي مرحلة جديدة مع اطلاق مشروع سحب الثقة من دولة رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي. لقد اتسمت هذه المرحلة بتجاذبات ...تنافرات...انسلاخات...تصدعات...وصراعات سياسية خطيرة ستلقي بظلالها على شكل الخارطة السياسية بل الادارية العراقية القادمة....لا بل احتمال تقسيم العراق الى اكثر من دولة.
من بين اهم النقاط و الملفات الساخنة لكل ما تقدم نجد احتدام الصراع على الارض وما ادراك عزيزي القاري ما الارض في هذه الصراعات. ملف الارض يشمل كركوك و نينوى. سنترك كركوك على اهميتها القصوى في هذا الصراع لان موضوعنا يتركز على نينوى لسببين...اولهما لانها منطقة نزاع و خلاف بين ادارتين وثانيهما لانها ارض الشعب الايزيدي منذ الازل...وهذا هو محور سلسلتنا من مقالاات" الامن القومي الايزيدي بين الطموح والواقع" املين فتح حوار جدي وبناء مساهمة في عملية النهوض بالواقع الايزيدي المتردي.
ان ما دار و يدور حاليا في الموصل من تجاذبات و تنافرات و تحالفات سياسية جديدة بدأ يشكل قلقا لدى مكونات هذه المحافظة دون استثناء بغض النظر عن الهويات. اننا على وشك ميلاد جديد لهذه المحافظة وهناك الكثير من المهم الذي يدور في دهاليز السياسة المظلمة. في ظل كل هذا نرى ان المكون الايزيدي قد استسلم وسلٌم امره للمجهول الذي ابدع ويبدع يوميا في تغييب الصوت الايزيدي الحر من المشاركة الحقيقية و الفعلية في صنع قرار ضمان استمراريته ومن ثم صنع قرار حقوقه واستحقاقاته في حياة حرة كريمة اسوة بالاخرين.
انه لامر ماساوي ان لايكون هناك سياسة امن قومي للشعب الايزيدي....انها بحق تراجيديا ان يفرط شعب او حتى بعض منه بهويته مقابل حفنة من الدولارات....! متى يفطن الايزيدي العراقي الى مقوماته وفرصته التاريخية في عراق و نينوى اليوم ليضع نفسه على خارطة الشعوب, على الاقل وفاء للملايين من شهداء و سبايا هذه الهوية على مر العصور.؟ ما من شعب بهذا الكم من الضحايا و التضحيات كالشعب الايزيدي وبهذه القلة من الحقوق...! اذن هناك خلل ما في القيادة بمعناها الشامل والواسع بما في ذلك ثقافة وسلوكية الانسان الايزيدي التي الى حد بعيد تشكل منشاء القيادات الدينية الروحانية و الاجتماعية و السياية. لقد تطرقنا الى ماساة سلوكية الفرد الايزيدي و ثقافته في مقال سابق بعنوان "محنة سلوكية الفرد الايزيدي" يجده القاريء على الرابط:
ليصحى الايزيدي من غيبوبته و ليعود من منفاه الفكري الى ارض الواقع ليرى انه يشكل كثافة سكانية تقترب من 22% من سكان نينوى وهذا سلاح ومخزون لا يستهان به في عراق اليوم حيث نرى انهيار وتصدع التكتلات السياسية الكارتونية المنتفخة الى كتل متناثرة تبحث وتفتش عن تحالفات جديدة وهنا تكمن فرصة شعب يفطن الى وضعه المزري و الى التحول من حالة المفعول به الى الفاعل به.
هنا يكمن دور النخبة المثقفة بما فيهم الاكاديميون في طرح رؤى وسياسات وهيكليات و اليات تحقق الذات الايزيدية المخطوفة المغيبة مقابل لا شيء. المعلومات تشير الى ان احتياطيات نفط نينوى تعادل احتياطيات دولة ليبيا التي و بسبب ثروتها النفطية هزت العالم كله. هذه هي الفرصة التاريخية التي لن تتكرر للفرد الايزيدي وان بقائه من عدمه مرتبط بقدرة استحسانه لتوظيف الظروف لصالحه متسلحا بايمانه بهويته و بحقه المشروع. هناك مثل و الامثال تضرب و لا تقاس , " الصبية الجبناء لا يقبٌلون الصبيات الجميلات".
لقد اثبتت التجارب و برهن الزمن على ان توكيل شان الذات لغير الذات لا يؤدي سوى الى الذل و البؤس....اذ لا سيد على شعب سوى هويته. على الفرد الايزيدي ان يتعلم الدرس و ان يقراء المشهد و ان يتعلم فنون السياسة ليرسم مستقبل اطفاله. السياسة في نهاية المطاف هي جملة من المصالح, من المفترض بها ان تكون مشروعة وان كانت عملة نادرة في عراق اليوم. اين تكمن اذن المصلحة القومية الايزيدية؟ هذا هو لب و جوهر الموضوع. لقد خسر الايزيديون وقتا ثمينا في الالتهاء بسجالات عقيمة و بصراعات دينكوشوتية تافهة تاركين ساحة صراعهم الحقيقية. ان ما هو ات مخيف جدا ان لم ينتبه الايزيدي قبل فوات الاوان. كل شيء متحرك في عراق اليوم و كل شيء جائز و لا غرابة و لا استغراب فيما يحدث هذه الايام....
لنعود بالذاكرة الى الامس القريب وتحديدا عشية انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 لنستذكر اهم ما اقام و انشاء السيد اثيل النجيفي امبراطوريته النيناوية عليها. ماذا كان برنامجه السياسي الذي حقق له فوزا كاسحا ليتربع على عرشه, محافظا, متحديا... مستقصيا... متجاهلا لعرف التوافقات السياسية الساري في عراق انذاك؟ الم يكن برنامجه السياسي فارغ المحتوى اللهم من العداء الشديد للكورد و الاقليم...ومن وعود بطرد البيشمه ركه الكوردية من الموصل و 16 وحدة ادارية اخرى, ومكافحة الفساد وتقديم الخدمات للمحافظة عموما ومدينة الموصل, ثاني اكبر مدن العراق و من بين اغناها بالموارد الطبيعية و في مقدمتها النفط, خصيصا.
و الان من و ما الذي تغير و تحديدا منذ يوم ال 26 من كانون الاول من العام الماضي عندما اقدم السيد النجيفي الى خطوة اللقاء بفخامة رئيس اقليم كوردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني السيد مسعود البارزاني في دهوك؟ هل اتى امبراطور نينوى وحي,ا فادرك حجم خطيئته وغبنه للكورد المساكين وفهم حق تقرير المصير للشعوب, ثم تذكر او ذكٌر بمباديء الاخوٌة السنية على اساس ان "اهل السنة و الجماعة " باتوا مهددين من قبل الخصم الشيعي القادم من الجنوب ؟ ام ان ثمة شيء خطير يحاك خلف الكواليس؟ فاذا كان ذلك يخيف حلفائه واقرب مقربيه الذين اصبحوا يرفضونه فكيف يهدي بال للاخرين؟
ان ما يدور في اروقة السياسة في الموصل انما يجري كجزء من مشروع ازاحة المالكي الذي يقف حجر عثرة في تحقيق مشروع اكبر من ذلك يمس مصير ابناء المحافظة جميعا بما في ذلك المكون الايزيدي. هناك حديث عن المشروع السني الاقليمي بقيادة السعودية و قطر وتركيا التي باتت تبكي دما على مصالح الاخوة السنة عربا و كوردا من العراقيين...اما انها اي تركيا قد نست التركمان المساكين الذين لطالما هددت الكورد و كوردستان دفاعا عن مصالحهم.
ها نحن نشهد فشل مشروع سحب الثقة وكما كان متوقعا من المراقبين و المحليين لا بل اجزم ان من قاد هذا المشروع كان يعلم جيدا بهذه النتيجة و عليه يبقى السؤال الاهم. يا ترى لماذا اقدمت هذه الاطراف على هذه المغامرة؟ و الجواب نجده لدى مصالح اطراف جبهة اربيل...هذه الاطراف التي في الحقيقة لاتملك قواسم مشتركة سوى الاجماع على ازاحة خصم سياسي يعكر صفوة مشاريع سياسية لاتنسجم و رؤية البيت الشيعي الذي لملم جراحه ووحد الصف مرة اخرى بعد ان ادرك اطراف التحالف الوطني بما فيهم التيار الصدري خطورة المشروع السني القادم من كل حدب وصوب.
القائمة العراقية لخصت جل مشروعها السياسي في العداء و الانتقام من شخص المالكي وظلت طيلة الفترة البرلمانية المنصرمة تبكي على مجلس السياسات العليا الذي تبين انه يتعارض مع الدستور ولم يفكر حينها الفرقاء بصلاحيات مثل هكذا مجلس ...لانشغالهم بتبوء مناصب فضفاضة وان كانت وهمية....تبين لاحقا صعوبة التوفيق بين الامال و الدستور.
الاكراد من جهتهم يرون في ازاحة المالكي بتحالف جديد, الطريق معبدا الى قيام دولتهم القومية وان كانت بين مخالب تركيا الاردوكانية راعية حقوق الانسان في الشرق الاوسط.....! اما الصدريون تبين لاحقا بانهم كانوا "زعلانيين" بعض الشيء من الاخ نوري المالكي و لم يكن الامرء اسوء من رجوعهم الى الصف وان كان بمساعدة المرشد الاعلى.
واضح ان اكبر الخاسرين من هذه المعركة هي القائمة العراقية التي سقطت ضحية غبائها السياسي بسبب افتقارها الى مشروعها ورؤيتها السياسية الخاصة بها اسوة بحلفائها الجدد. الاكراد دخلوا مشروع سحب الثقة بلعبة مزدوجة اي انهم لن يخرجوا خاسرين.
الاكراد لهم مقوماتهم التاريخية و الجغرافية والعسكرية التي تضمن لهم البقاء على عكس الاخرين من شركائهم....فها هم قد نجحوا في تمزيق القائمة العراقية شر تمزيق بحيث اصبحت تحتمي بهم و تستقوي بهم على الاخرين بعد ان كانت تقف لهم بالند و العداء بالامس القريب....!
اما المالكي فلقد خرج قويا من هذه الحرب حيث اتته الخدمة من خصومه فها هو يصول ويجول في ارض العراقية ويزداد شعبية يوما بعد يوما لا بل اصبح رمزا وطنيا ....وبدأ ينتقل من الدفاع الى الهجوم حيث بدأ يلوح ويهدد بحل البرلمان و الذهاب الى انتخابات مبكرة وهو في اوج قوته السياسية و الشعبية.....وكلنا نعلم ماذا يعني كل ذلك......!
الى اللقاء في الحلقة القادمة مع تحيات:
وسام الجوهر
كاتب و محلل سياسي
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست