زيارة المالكي الى اربيل ... بين التحدي و التفاهم
Friday, 07/06/2013, 12:00
1958 بینراوە
اعلن مكتب دولة رئيس مجلس وزراء العراق عن عزم سيداته لعقد الاجتماع الدوري القادم لمجلس الوزراء العراقي, في مدينة اربيل وذلك في يوم الاحد القادم. السؤال الذي يطرحة المراقبون على الفور هو مغزى و دلالة هذه الزيارة. السؤال يكتسب اهميته نظرا لحساسية و توتر الاجواء السياسية العراقية بشكل عام و توتر العلاقة بين بغداد و اربيل بشكل خاص و على وجه التحديد بين قطبين سياسيين رئيسيين يكاد ينفرد كل واحد منهما في قيادة العملية السياسية على طرفي المعادلة السياسية بين بغداد و اربيل.
ان الصراع البارزاني المالكي هو صراع الاضداد بكل المقاييس و المستويات. انه صراع بين شخصيتين كاريزميتين و سياسيين محنكين شاء القدر ان ينتميان على طرفي النقيض من المعادلة السياسية الواحدة. انه صراع بين ارادتين متعاكستين على 180 درجة. صراع بين مركزية الدولة العراقية الموحدة ارضا و شعبا واستقلالية الاقليم الى اقصى الحدود كخطوة حتمية لا محال في طريق الانفصال عن العراق. ولسوء حظ العراقيين و الكوردستانيين على حد السواء اصبح هذا الصراع وجها للصراع الشيعي السني بقيادة ايران من جهة وتركيا و قطر و السعودية من جهة اخرى.
من الجدير بالذكر ان لكل واحد من الرجلين مشاكله و همومه و تحدياته الداخلية التي تتكاثر و تنمو لكل يوم يمر. فمن جهة لم يعد هيمنة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة فخامة كاك مسعود البارزاني امرا مسلما به كما جرت العادة على عقود من الزمن بل نرى اليوم تصدعا واضحا بينه و بين اكبر حلفائه الاستراتيجين اعني الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي انتبه الى حاله و هو على وشك الاضمحلال في ظل حليفه الديمقراطي الكوردستاني و هيمنته و قائده على مجمل العملية السياسية في اربيل. من ناحية اخرى اشتدت المعارضة المتكونة من حركة التغيير كوران و الحزبين الاسلاميين خاصة بعد تحالفهما الاستراتيجي الاخير مع كوران و كل المعطيات تشير الى احتمالية انضمام الاتحاد الوطني الكوردستاني الى جبهة المعارضة بغرض كسر الهيمنة الشبه المطلقة لشخص البارزاني و حزبه على مجمل العملية السياسية في كوردستان. لا ننسى مشكلة الفساد التي يتكلم عنها الكل و الجميع خلف الكواليس و ما من ارادة حقيقية للحد منها. تخلف الاقليم في بناء الدولة المؤسساتية هي الاخرى مشكلة حقيقية تواجه قيادة الديمقراطي الكوردستاني. التقارب الكوردي التركي بزعامة كل من البارزاني و اوردوكان لا يخلو هو الاخر من تحديات و علامات استفهام كبيرة لا يتجرء احدا على التكهن بانعكاسات هذا التقارب او التحالف على مستقبل كوردستان و العراق.
على الطرف الاخر نرى ان السيد نوري المالكي هو الاخر يعاني و يواجه تحديات عديدة و خطيرة. فهو على الجبهة "الخارجية" في صراع الموت مع الاكراد و القائمة العراقية التي تحولت من صراعها السياسي الحاد مع الاكراد الى التحالف معهم في مشروع اسقاط المالكي. اما على صعيد الجبهة الداخلية نجد التيار الصدري و على راسه شخص سماحة السيد مقتدى الصدر قد اعلن على المليء خصومته و عدائه السياسي للمالكي و حزبه الى درجة انه اصطف خارج جبهة المذهب ضده.
لقد انتهى زمن المجاملات السياسية و دخلنا مرحلة حسم قضايا سياسية رئيسية و مهمة مما يصعد من وتيرة صراع الاضداد حيث ان كل طرف يبحث عن تحالفات و شراكات و اليات لتحقيق مشروعه السياسي.
على خلفية هذا الصراع المميت و بين شد و جذب تاتي هذه الزيارة الى عاصمة الاقليم اربيل , فيحاول كل طرف اعطاء هذه الزيارة اشارات و دلالات تستقيم مع رؤيته و مشروعه و هيبته و هيمنته السياسية.
لا شك في ان دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي يتحرك في هذه الزيارة بخطوة سياسية ذكية يحرج بها الكورد و على وجه الخصوص القيادة السياسية بزعامة فخامة رئيس الاقليم كاك مسعود البارزاني. يريد ان يرسل اشارة واضحة و دلالة لا لبس فيها انه ماضي في مشروعه الوطني الذي يرفض كل انواع التقسيم و الانفصال و يجسد هذا في تاكيده على ان هذه الزيارة هي لعقد الاجتماع الوزراري في مدينة اربيل بصفتها مدينة عراقية حالها حال البصرة و نينوى وغيرها من المحافظات الاخرى. لاشك انها رسالة سياسية قوية و في الحقيقة فيها من التحدي اكثر من التفاهم.
اما الكورد ادركو و فهموا جيدا قبل غيرهم المغزى السياسي لخطوة السيد المالكي هذه و لتفادي الصدام و التقاطع سارعوا الى التعامل مع الوضع المحرج بذكاء سياسي لا يقل عن دهاء المالكي , فاعلنوا على الفور بان دولة رئيس الوزراء الاتحادي مرحب به في تراس الاجتماع الوزراي المشترك, ملمحين بذلك و كانهم هم الذين بادروا الى هذا اللقاء و انها تاتي تلبية لدعوة منهم و انها ليست مفروضة عليهم كامر واقع ! لم يتاخر السيد المالكي في الرد على هذا بلغة سياسية واضحة مؤكدا بان زيارته لم تات بتلبية من الكورد بل تاتي في اطار روتيني لعقد اجتماع مجلس الوزراء في اية مدينة عراقية, ثم اضاف و صرح بما يوحي الى ان اي لقاء بفخامة الرئيس البارزاني او اية شخصية اخرى انما سياتي من باب انه مستعد للقاء بكل من يريد اللقاء به لكي لا يفهم احدا بانه ذهب الى اربيل بغرض اللقاء بخصمه الرئيسي الذي تفادى النزول الى بغداد اخيرا لكي لا يفهم انه نزل الى بغداد و المالكي.
لا ننسى اننا مقبلين على الانتخابات القادمة مما يجعل السياسي المحنك يحسب الف حساب لك خطوة يقدم عليها لوضعها في ميزان الدعاية الانتخابية بكل عناية. المالكي الذي خرج قويا من معارك سحب الثقة و المظاهرات التي دعت الى اسقاطه بكسبه نفوذ وتواجد لا يستهان به في مناطق خصومه و اعدائه السياسيين بعد ان مزق القائمة العراقية شر تمزيق لغبائها السياسي. المالكي يريد اليوم ان يتوج هذه الانتصارات بالذهاب الى ارض الكورد التي بدت خارج سلطته و سلطة بغداد بالتمام و الكمال منذ الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003. هذه اول مرة يقوم بها حاكم بغداد منذ ذلك التاريخ بزيارة الى كوردستان دون توافق و ترتيب مسبق مع الكورد. هذه الاشارة لا تمر دون انعكاسات و دلالات واضحة على الشارع السياسي العراقي برمته. بقى ان نرى ان كانت حنكة الطرفين قادرتان على استغلال الفرصة لايجاد مخرج من الازمة الحالية على اساس لا غالب و لا مغلوب في صراع الضدين.
مهما يكن من الامر فاننا مقبلون على تقلبات و اصطفافات سياسية جديدة قد ترسم خارطة سياسية جديدة على ضوء المؤشرات في اقامة تحالفات سياسية اكثر وطنية عبر الحدود المذهبية وربما القومية. خير شاهدين على هذا هما الكلام هذه الايام عن تشكيل جبهة الانقاذ الوطني بزعامة المالكي و معه السيد صالح المطلك و تتضمن 30 كيانا سياسيا من مختلف الطوائف. و كذلك التقارب الاخير بين الاكراد و قسم من قوى القائمة العراقية خاصة النجيفيين و اياد علاوي, و التيار الصدري الذي لن يتوانى بتقديرنا في التحالف مع اية قوة تريد اسقاط المالكي ما لم تكن لايران السلطة على هذا التيار.