مصر، أُم الثورات، الى اين ؟
Friday, 15/06/2012, 12:00
و اخيرا بعد انتظار طويل لما يمكن ان يدلنا الى تعين النقطة التي يمكن ان نصل اليها، و نتمكن من استوضاح الامور المتعلقة بمستقبل الثورات المندلعة في منطقتنا و الانحرافات الخطيرة التي فرضت نفسها على مسيراتها، و تبدا الخطوة الاولى لبيان و تحديد مصير هذه الثورات من مصر الحضارة . ان التعقيد الحاصل في مجرى هذه الثورات و في مقدمتها الثورة المصرية و التدخلات الكثيرة فيها لبيان سعة و شكل و اتجاه طريقها و التفاعلات الكامنة فيها و ردود الافعال البارزة منها و التاثيرات المتعددة على مسارها و دور الشعب و اللاعبين الكبار في تحديد مواقعها و تصنيفها و كيفية استقرار البلد و المحطة التي يمكن ان تقف عندها الثورة، جعلنا ان ننتظر لما يطفح منها و يبرز ما يوجهنا و يمكننا ان نلمح المستقبل المنظور لها .و لمحنا بالامس الضوء الخافت لاتجاه السير المفروض التطرق عليها .
في كل الحسابات المطروحة استنادا على ماموجود على الارض و نظرا لما تتميز به مصر من السمات و التي هي غير موجودة في البلدان الثائرة الاخرى من كافة النواحي الاجتماعية السياسية الثقافية التاريخية الاقتصادية، و لانها الثورة و البلد المحددة و المخططة الكبرى لمستقبل المنطقة الشامل و ما تتجه اليه بشكل طبيعي، فان مسيرتها تهم الكبار قبل الصغار في العالم اجمع. لذا نرى يوميا ما لم يتوقعه احد او ما يفكر به الجهات الداخلية، او بالاحرى نكتشف يوميا تغييرا سريعا في الاتجاهات و التوجهات من قبل الاطراف كافة وفق المستجدات المتسارعة على الساحة السياسية ، و اننا نلمس ما يفرز من الاخطاء الداخلية المتكررة التي ترتكبها الاطراف التي لم تقرا جيدا المرحلة الحالية للوضع السياسي العالمي، و محاولات الجميع المستديمة في بيان موقعهم من الصراعات المختلفة للحضارات و ان كانت خفية الى حد كبير، و لم تحسب هذه الجهات الداخلية لما تخطط له القوى الكبار و لم تكن حساباتهم على ان الاستراتيجية الكبرى لمصر لن تدع هؤلاء مكتوفي الايدي لما يمكن ان يحصل و يكون بالضد من مصالحهم و استراتيجياتهم الخاصة و ما هم جاهدون انفسهم فيها للوصول اليه من التخطيط و الفعل و التدخلات في ادق الامور التي تخص هذه المنطقة منذ امد بعيد .
شابت الثورة المصرية العديد من التخبطات و فرضت بنفسها الكثير من الالغاز التي تصعب على المتتبع استقراء المستقبل المنظور لهذه الدولة المؤثرة على الشرق الاوسط و العالم اجمع . عدم وجود المؤشرات بشكل واضح لاستدلال ما تقع فيه الثورة و ما تستقر عليه الدولة في النهاية يصعب الامر على الباحث .
سياسات امريكا و توجهاتها معروفة بشكل كبير للجميع، و هي تفعل و تعمل ما بوسعها بما تملك من القدرة و الامكانية المتاحة لها على ان تخرج من نهاية المعادلات المستجدة البارزة من حدوث هذه الثورات بنجاح او على الاقل باقل الخسائر، ان لم نقل انها تنوي ان تستغل ما تحصل لتحقيق ما تفرضه عليها اهدافها الاستراتيجية العالمية، و هذا بديهي و من عمق عمل و واجب دولة عظمى صاحبة المصالح المعلومة وراعية اسرائيل و ما لديها من المشاكل المستعصية اصلا في المنطقة و ما تريد مساعدتها لاخراجها من نفقها بنجاح ملحوظ .
عندما تتقبل امريكا ادنى مستوى من الموقع الذي تفكر هي ان تكون فيها هذه الدول و تتعامل وفق سياساتها و ثقافاتها و استراتيجياتها المرسومة لمسيرة المنطقة و ما تفرضها عليها مصالحها، و هي تفكر باللاعب الكبير المؤثر و المحدد القاطع لشكل و طبيعة و ثقافة المنطقة باكملها و هي مصر الحضارة، فانها حتما لها الدور الاكبر و لم تدع ان تفلت القضية الكبرى من يدها مهما حصل، لذلك تتعامل بروية و هدوء و تفعل ما بمكانها ان تفعله من الساحة المصرية لتؤثر و تحدد موقع و شكل و طبيعة و مسيرة البلدان الثائرة الاخرى و تعمل ما بوسعها لتبقى ما تسير اليه هذه الثورات باتجاه ما تفعله امريكا هي بذاتها قبل الاخرين . ان امريكا تفكر و تنتظر الوقت المناسب لكل خطوة و لديها من الابواب المتاحة التي يمكنها الدخول منها و هي لم تفتح منها لحد الامس القريب، و بدات بالخطوة الاولى تقريبا، و نرى ملامح ما تقدم عليه اليوم بالذات . نتلمس ما هي جادة فيه و لها الدور الرئيسي في طبخته يوميا، و هذا ليس بخاف على احد و لم نكشفه نحن ، و لكن السؤال المحيٌر الذي يطرحه البعيد قبل القريب وهو؛ لماذا لم تقرا الجهات و الاطراف السياسية المصرية الداخلية الواقع الجديد جيدا و لم تقيٌم السياسات العالمية و توجهاتها و ما تتطلبه المصالح الكبرى، و هذه الجهات عملت خلال هذه الفترة المنصرمة وفق ما تمليه عليهم عقائدهم و عواطفهم فقط بعيدا عن بدايات ما تتطلبهالسياسة العالمية و النظرة الاستراتيجية الى الوضع القائم و الثورة التي غيرت الكثير فيه. ليس من المعقول ان تخرج البلد من موقعها و تاثيراتها الجيوسياسية الاستراتيجية على السياسات العالمية، و لا يمكن ان نفكر بان الدول العظمى تنسحب من هذه المستجدات و تتركها كيفما تقع و تدعها مرهونة بما تتفاعل معها التوجهات و العقائد المختلفة في داخل البلد لوحدها .
التوجهات و الثقافات و الاستراتيجيات الغربية واضحة للعيان، هل يعقل ان يكف الغرب عن ماهو المتشبث به من العمل و النظر و التعامل في صراعاته مع الشرق و بالاخص ما يتميز به الشرق الاوسط بالذات، و المصر قلبه النابض تاريخيا و ثقافيا و اجتماعيا و سياسيا و المؤثر و المتاثر اقتصاديا. اذن التيارات المصرية التي تفاجئت بنفسها بما حدث دون سابق انذاربعد اندلاع الثورة و لم تكن مستعدة للتغيرات التي طرات و وقعت بنفسها في خضم تفاعلاتها، و هي وصلت الى المطب الاكبر بمحاولاتها السيطرة المطلقة على زمام الامور فيها و ربما نفي الاخر من على الساحة من بكرة ابيه ان تمكنت من ذلك، و الادهى انها تستغل الديموقراطية الفتية و التي كان من الواجب ايصالها الى الحالة الطبيعية لها و في الوسط غير المستقر للتجربة الفتية من الحرية النسبية السائدة في مصر اليوم في ظروق اقتصادية عامة معلومة الاركان و الاعمدة و البنى ، و بسياسات ضيقة نابعة من الخيال و الطوباوية في العقلية و الفكر، فهل يعقل ان تسمح امريكا و ليس غيرها التي تدفع دم ابناءها من اجل سيطرة الفكر و العقلية و التوجه و الثقافة و الكلتور التي تحمله،ان تسمح بسيطرة فكر و عقلية مضادة لها من قبل المتشددين و في بلد مثل مصر راس و عقل المدبر للشرق الاوسط. و تعجبي الاكبر من القوى الاسلامية المتمرسة و الملمة في التكتيكات العديدة اثناء الانظمة السابقة و التي عاشرت اوضاعا غير طبيعية تاريخيا ، ان تتزحلق الى موقع و وضع من النشوة تنسى سياساتها و كيفية العبور بمراحل بشكل طبيعي بعيدا عن القفزات التي يمكن ان تكسر العظم و تعيد الفاعل الى الوراء خطوات اكثر من انتقالها الى الشاطيء الاخر .الاخوان المسلمون باخطائهم العديدة في وقت قصير قياسي لم يتعهدوا عليها من قبل في خطواتهم ، و في مقدمتها نقضهم لعهودهم و غرقهم في نشوة نصرهم في الانتخابات البرلمانية، بعيدا عن الاحتمالات الاخرى من المتطلبات العالمية، فلم يجهدو بانفسهم في تحليل الحسابات الدقيقة المعقدة بدقة كافية لما تتطلبه المرحلة الحالية من الوضع السياسي و ما فيه العالم . ان الاخوان و الاتجاهات الاسلامية جميعا لم يستفدو من تجربة ايران طوال هذه السنين من ثورتهم و ما وقعوا فيه و ما يعانوه لحد اليوم من دخولهم الصراعات المميتة التي لم تنته بعد، نتيجة ما اقدموا عليه من الخطوات غير العقلانية، و لم يحاولو الحذر من اجل عدم تكرار اخطاء الاخرين بل اعادوا الخطاء ذاتها في بلد اكثر اهمية و استراتيجية من الاخرين من حيث الموقع و التاثير .
اما داخليا و على وجه الخصوص في قراءة التاريخ القريب و بالاخص مراحل ما بعد الملكية و مصر الجمهورية و ما تراكمت فيها من الاحداث المتتالية انهم لم يهتموا بالحضارة المصرية العريقة و متطلباتها و ما تفرضه على المدى البعيد بعيدا عن العقائد و الافكار المستوردة سواء كانت اصيلة ام سطحية ، فتبين للجميع مدى قصر النظر الذي عقد الوضع و فرض خطوات سريعة من الجانب الاخر المضاد لما تتطلبه المصالح المصيرية. لم تتوصل هذه الجهات الداخلية الحائرة الى نقطة هامة جدا لما تتميز به مصر دون غيرها و هي، لا يمكن ان تدار مصر بقوة العقائد التي لا يمكن ان تؤمن بها و تفعل وفقها و تفكر بها الاكثرية الساحقة، وكان التسرع في اتخاذ القرارات و الخطوات الضربة القاصمة لظهر السياسات العقلانية التي كانت من المفروض اتباعها .
انني على اليقين التام، بان مصر سوف تنهض بما لديها من القدرة الخلاقة التي منحتها اياها حضارتها و تاريخها العريق الثري اقوى من المتوقع، و ستكون القدوة و طليعة النظام الملائم و ستتواجه المضادات لفترة معينة الا ان المخاض التي تعيشه ستولد في النهاية نظاما مصريا اصيلا ملائما مؤثرا على المنطقة، لو لم تتجه الفاعلون المتشددون الى الافعال الخيالية وفق الافكار المستوردة اليهم و هي ليست وليدة رحم امتهم .
ان تكلمنا عن الجزئيات للمرحلة الحالية و ما يتواجد على الساحة السياسية المصرية ، فان الاسلاميين و الليبراليين و اليساريين الموجودين بقوة متواضعة ليسوا في جبهة واحدة من حيث توجهاتهم الحالية من الناحية السياسية التكتية حتى، و كل منهم بحجمه المعلوم منقسم في المرحلة الحالية على توجهين عامين و رئيسيين رغم ما يتشدقون به علنا غيرذلك نتيجة سيطرة بعض المصالح الضيقة، و هما بين النظام المدني و سلطة جمهورية علمانية يفرضه التاريخ و الحضارة، و النظام العقائدي الديني و ان كان مدني في الظاهر. ان كان التوجه و المحاولات في التاثير على هذين التوجهين سرا لم يجهر اي طرف في اعلانه على الملا لاسباب عديدة و اهمها محاولة زيادة القاعدة و الانتماءات، و ان كانت هناك من النظرة الوسطية الا انها قليلة النسبة و الحجم وغير مؤثرة بشكل ما على الراي العام . الثقافة العامة و الحضارة العريقة و التاريخ الثري المديد لهم تاثيراتهم على المدى الطويل لمنع الانزلاق في الاوحال العديدة ، و لكن الخطوات السياسية الانية لم تلتفت الى العوامل تلك في الممارسات التي تقدم عليها اكثرية الجهات القديمة الجديدة على الساحة، نتيجة السطحية القحة في التفكير و التعامل لبعض الاطراف . كل المعادلات السياسية العالمية كانت ام ما تتمسك به المنطقة ام المعتدلون في الداخل المصري لم تقبل القسمة على الاثنين من حيث توجهاتهم و عملهم و نظرتهم الى النظام السياسي الملائم لمصر فيما يخص الطريق للوصول الى المبتغى ام المحطة النهائية، اي الاطار العام يجب ان لا يخرج من الفكر الانساني التقدمي العلماني المدني الذي تفرضه العوامل الكبيرة الحساسة المصيرية المؤثرة . لذا على جميع الاطراف ان تعيد الحسابات و تعيد النظر في السياسات و الخطوات بعد القراءة الصحيحة لما يحدث ، اليوم قبل الغد .
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست