نوشيروان مصطفى لماذا لا تنسحب من بغداد ؟
Friday, 05/03/2010, 12:00
تشير نتائج استطلاعات الرأي، ان المنافسة بين الكيانات السياسية في كردستان العراق حول المقاعد البرلمانية في بغداد، والمحصورة بين التحالف الكردستاني وقائمة التغيير التي حجزت لنفسها 25 مقعدا في برلمان الاقليم، تتسم بصراع انتخابي قوي في الميدان والحملات الدعائية للطرفين شهدت تصادما اعلاميا بين الاطراف الثلاثة، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني ومجموعة التغيير.
وشهدت التجاذبات السياسية بين الاطراف الكردستانية وجهات نظر مختلفة لكنها كانت استعراضية وشكلية، ولم تكن جوهرية ولم تتسم باستراتيجية معينة، وخطة عمل سياسي مدروس، مثلما لجات اليه الكيانات العراقية مثل الائتلاف الوطني العراقي ودولة القانون وحزب الاحرار من خلال طرح برنامج معد من قبل خبراء وسياسيين، لتقديم صورة واضحة للناخب العراقي عن برنامج الحزب او الائتلاف في حالة الفوز بمقاعد مجلس النواب المقبل. والاسباب في ذلك تعود الى ضعف تأهيلي في اغلب المرشحين، وعدم وجود الخبرة المهنية في ادارة الحملات الانتخابية، وحصر الترشيحات وبرامج العمل بالحزبيين والاعتماد على المحسوبية والمنسوبية، وابعاد اصحاب الخبرة الحقيقية من المستقلين من دائرة الترشيح والعمل الانتخابي من قبل كل الاطراف السياسية الكردستانية، وحصر الخيارات داخل الدائرة الحزبية الضيقة.
واعتمادا على هذه الرؤية، من المتوقع ان تحصل تفكك في الموقف الكردي في بغداد، نتيجة تشتت وتوزيع اصوات الناخبين اللكوردستانيين بين الاطراف الثلاثة، الاتحاد والديمقراطي والتغيير، وسيكسب كل منها عددا معينا من المقاعد، مما سيجعل من الموقف الكردستاني في البرلمان المقبل في بغداد غير موحدا، وقد سيلحقه انقسام في البيت الكردي، مما يؤثر سلبا بدرجة كبيرة على الوضع السياسي العام في الاقليم وفي العراق.
ولهذا فان الموقف الانتخابي للاطراف الكردستانية في البرلمان العراقي المقبل، والمشتت حاليا، بحاجة الى اعادة نظر واستيعاب مبادرات سياسية عاجلة، خلال فترة التصويت وفيما بعدها، لارساء استراتيجية عملية كردستانية تتسم برؤية عراقية للتعامل مع السنوات الاربع المقبلة وللحفاظ على البيت الكردي موحدا في بغداد التي اتسم بها الوضع السياسي العراقي خلال السنوات الماضية.
والقبول بالمبادرات السياسية من قبل الاطراف السياسية الكردية، تتطلب المسؤولية والادراك الكبير بالأهمية التاريخية لمرحلة الدورة البرلمانية المقبلة لانها ستكون حاسمة للكثير من القضايا المصيرية بالنسبة لكل المكونات الرئيسية العراقية، الشيعة والسنة والكرد، والاستعداد بتضحية المصالح الانية من اجل المباديء -ولو لفترة قليلة تاريخيا- ، والالمام العقلاني باهمية الحاضر لضمان مصالح مستقبلية على المدى البعيد، وسمات اخرى تبقى ادراكها مسالة عادية للعقول السياسية التي تتحكم بقيادة الاحزاب الكردستانية.
والمبادرة الاولى والاخيرة من ناحية المنظور المنطقي والتفكير العقلاني والرؤية الواقعية والنظرة الموضوعية، والتي تلزم طرجها امام الاحزاب الرئيسية الكردستانية، الاتحاد والديمقراطي والتغيير، تخص طرف مجموعة التغيير اكثر من الطرفين الاخرين، لاسباب تتعلق بكونها حركة سياسية سريعة الولادة، وان انصارها تجمعت حولها نتيجة ردة افعال وليس الايمان بفكر او نهج حزبي جديد، وفقدان الحركة الى منظر فكري معين وبرنامج عملي سياسي، واتسامها بالشعارات واستغلالها السيء للمشاعر العاطفية والقيام بسلوكيات انفعالية، واسباب اخرى تتعلق بها، تجعل منا ان نطلب منها ان تتعامل بعقلانية وبمسؤولية تاريخية، لكي تتحرك وفق مساحتها الحقيقية وان لا تنجر الى اوهام الغرور فترسم لنفسها حجما كبيرا وهي لا تدرك انها ترفع رؤوسا فارغة غير مثمرة بينما الرؤوس الملئى تبقى منحنية بتواضع وهي مثمرة نافعة.
والدوافع التي تدفع بنا الى طرح هذه الرؤية، هي الاحساس بأهمية المرحلة التي نمر بها، واهمية الدور التاريخي للبرلمان المقبل، ولا اخفي ان الاحساس بهذه الاهمية، دفعني الى التفكير بالترشيح الى هذه الدورة، ولكن لاسباب مادية لم تكن لدينا القدرة على الترشح الفردي، فاقترحت في الايام الاخيرة من فترة قبول الترشيحات، على السيد كوسرت رسول علي النائب الاول للامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، الترشيح على قائمة الاتحاد، ولكن لم تثمر عن نتيجة، فاقترحت على السيد سفين ملا قرة مسؤول التغيير في اربيل، الترشيح على قائمتهم، ضمن محافظة اربيل او بغداد، ولكن الاقتراح كان متأخرا.. المهم في الامر حرمنا من فرصة المشاركة في الترشيح للدورة المقبلة، لاسباب معينة، وكان في تفكيرنا ان نطرح برنامجا عمليا لخدمة الوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن العراقي، وباعتقادي ان هذا الامر هي نقطة التحول الكبرى التي يمكن من خلالها عمل تغيير حقيقي لضمان حياة كريمة متسمة بالكرامة لكل مواطن عراقي للبدء بالاعمار والنهوض بالعراق، ولا شك في حالة الاستمرار بتهميش هذه المسألة سيبقى الوضع على حاله غير مستقرا مهما طرح من شعارات، ومهما تغير البرلمان وتعددت الحكومة، لان هذه المسألة جوهرية في بناء الانسان.
والمبادرة السياسية التي اطرح بها الى السيد نوشيروان مصطفى، رئيس حركة التغيير، تتضمن النقاط التالية:
اولا: لاهمية ترتيب البيت الكردستاني داخل الاقليم في الوضع الراهن، والعمل على احداث تغيير حقيقي في مجمل العملية السياسية والاقتصادية والحياة الاجتماعية داخل الوضع السياسي والمجتمع الكردستاني، فان حصر مهام الحركة بالشأن الكردستاني، كغاية رئيسية لمرحل البرلمان الحالي للاقليم، تعتبر من ضرورات الامن القومي والمصالح العليا للاقليم والعراق الجديد.
ثانيا: بسبب شدة وقوة الصراع السياسي في بغداد بين الكيانات العراقية، وارتباطها بتدخلات خارجية واقليمية، فان التفهم السياسي لحركة التغيير لمكامن ومفردات الوضع السياسي العراقي، يبقى في حدود التقصير، لانها ليست بتماس مع الوضع في بغداد، ولانها تفتقر في كل الاحوال الى الوسائل العادية وغير الطبيعية للمجابهة والتعامل مع الشأن السياسي العام داخل البرلمان العراقي، ويمكن من خلال العمل السياسي داخل الاقليم ان تهيأ نفسها للدورة اللاحقة مع اعتماد الخبرة والوسائل للتعامل مع العملية السياسية العراقية.
ثالثا: الضعف الشديد في العلاقات العراقية والاقليمية والدولية، لقيادة الحركة التغيير، لا تساعد باي حال من الاحوال في موازات العلاقات التي تملكها قيادات الكيانات السياسية العراقية داخل العراق وخارجه، ومع دول الجوار، وعلى صعيد العلاقات الدولية، وهذه القدرة والامكانية تفتقر اليها القائد السياسي للحركة، ولكن هذه الامكانية متوفرة بدرجة كبيرة لدى قيادات الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، وباعتقادي من خلال معرفتي ومعيشتي في بغداد والتعرف على بعض خبايا القضايا السياسية، فان الوضع المقبل سيكون مخيبا للامال بالنسبة لدور رئيس حركة التغيير نفسه، واستنادا الى سلوكياته القيادية في الماضي، فان المسرح المتعلق بالحركة قد يتعرض الى انتكاسات خطيرة نتيجة اخطاء قيادتها وعدم استيعابها للمكونات المتنوعة والمتعددة، الظاهرة للعيان والمخفية وراء جدران البصر، للفضاء السياسي العراقي.
لهذا، بعد سرد النقاط التوضيحية للمبادرة، فان الضرورة الوطنية والاهمية التاريخية للمرحلة الراهنة واللاحقة في اقليم كردستان وفي عراق ما بعد سقوط النظام السياسي الشمولي الفردي الايديولوجي، ودخول البلاد والعراقيين في مرحلة ديمقراطية ودستورية واتحادية وتعددية ونقل السلطة سلميا وقانونيا استنادا الى خيار الشعب، وتعقيد المرحلة الراهنة التي نمر بها في بغداد، والانتماء الوطني الى العراق والاقليم، يدعوننا ان نطلب من رئيس حركة التغيير السيد نوشيروان مصطفى انسحاب مرشحي الحركة من الانتخابات المقبلة لمجلس النواب العراقي، استنادا الى الاسباب التي ذكرناها، وما هدفنا من وراء هذه الا الكلمة الطيبة وهي صدقة بمعانيها الخيرة، ولا شك ان قبول السيد مصطفى بهذه المبادرة، سيكون خدمة وطنية وتاريخية كبيرة لحاضر ومستقبل الكرد ولاقليم كردستان وللعراق، وما قصدنا من وراء هذه الدعوة الا خيرا.
* رئيس تحرير مجلة بغداد
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست