مسرحية حرب
Monday, 05/12/2011, 12:00
من فعاليات فرقة التمثيل ئاشتي في السليمانية أَقيمت مسرحية (حرب) من تأليف وإِخراج: ريباز محمد جزا وتمثيل زانا محمد على قاعة الثقافة في السليمانية.
حملت المسرحية طقوسا للأَزمان الغابرة من المعابد والكنائس، وظهرت هذه العملية في فضاء مسرحي كان غارقاً في الظلام، المشاهدون ينظرون إِلى الفضاء يحملون تأويلات متعددة في ذهنهم حول إشكاليات وقوع حدث مسرحي على الخشبة، لم يظهر شيئاً أَن يعطي دلالة على حدث ما، الفضاءُ غارقُ في الظلام يشبه مكاناً أَسطورياً، عبرحوزته السحرية، بأن العرض سيبدأ بعملية غير واقعية، توقع المشاهدين في تصميم الفضاء الخيالي. تعني عودة الى المسرح البدائي بمنظور جديد، وهذه البداية مشيرة الى خلق الفضاء المسرحي بوقوع حدث غير متوقع، تنعكس في عالمنا الواقعي. وبدأت المسرحية في البياضِ للشعارات والسينوغرافيا والممتلكات والكلمات، ظهرت بحركة الفاعل الرئيس (الممثل) في زاوية مظلمة، بسيطرته على الكودات وتعاملاته مع المفردات المسرحية، إنعكسَ جسده بضوء عمودي، وخصص قدراته مع الفضاء والمفردات: (يخصص الممثل نسبة كبيرة من عملهُ اليومي لإنتاج علامات مهمتها الرئيسية أَن تقوم مقام الديكور، ويفرض العمل اليومي على الممثل أَن يتمكن من إِيصال جميع هذه الأَفعال ومن أَجل ذلك لايجهز المشهد بأَي ترتيب مادي ملائم. (1) ص24)
بداية المسرحية حرب دون وجود أَيُّ شئ ٍعلى خشبة المسرح، إنَ عملية المسرح الجديد، أَن تكون الخشبة
فارغَة من كلِّ الموادِ الإِنشائية والبنائية كلديكور الستاتي ومحلهُ الثابت على الخشبةِ، وأَظهرَ هذا المفهوم عدم وجود الأَدوات المعمارية والمنزلية، شأنه شأن المسرح الحديث، إَتفق كل من (بيتربروك وإِدواردهال) بأَنَ المسرح قبلَّ كلُّ شئٍ فضاءٌ فارغ:(فالإِستعاضة عن مؤشراتِ الديكور بالإًِيمائة مثلا أَو بالإِرجاع اللفظي، يستلزم عمل تكويد عبرالانساق: وحدة الدلالية. (2) ص25+26)
ظهرَ جسدُ الممثلُ في الظلامٍ بحوارٍات حول الحرب المتداول عملياً تنعكس في أعماله اليومية، ووجد شمعدان، ثم أَضاء الشمعة وهو رمزٌ لأَحياء المقدسات، بنطق كلماته توجه إِلى الأمام وكانت الشمعة تشتعلُ بيديهِ يختلط دخانهُ بنفسِ كلماته المحكية نحو الجمهور وظلامٌ من المكان والإِحساس، بأن المشاهد يشَّكك ويَّقلق من وقوعِ حوادث غير متوقعة، وتأتي هذه التغيرات بأستخدام الإضائة في الظلام قصداً لمفهوم الخير والشَّر في سلوك البشر، بأنَ في الإنسانُ دائماً يظهرُ جانبان، مضئٌ ومظلم، يرمز إِلى نفسية الإنسان بأَن الكثير من أَعماله شراً وقليلاً منها خير، ومهمة هذه العروض هي أَن تدفع ورقةٌ للجمهور بتشيكل الرموز والدلالات بخيالهم، وهذا هو تكيف قابلية الفضاء وتلاعب الجسد، وإِنشاء علاقة المتفرج بالتمثيل، وظهرت هذه العلاقة من أَعمال الفجائية من وقوع وبحث عن الحرب، كما لن توجد آثاره على الخشبة وهو تحويل الفضاء الواقعي إِلى فضاء خيالي وأَيضاَ هو نفس وقائع عالمُنا الذي نعيش فيه ونمارسه يومياً، وحملَ نفس الزمن والمكان الذي نسمع فيه كلمات ومحادثات حول الحرب، أَما نصوص لهذا الحرب تختلف عن ما شاهدناه أَونعرفه عن الحرب، وفي جانب آخر لن توجد أَي آثار من المفردات أَوالدلالات التي تدلُ على الحرب، لقد قام المخرج عبر الحوارات والمفردات بكيفية التعامل الفني مع المشاهدين بعمل للتفكير في الماورائيات في نظراتهم في المرآيا السحرية، ليكون ماضياً في الحاضر والمستقبل، إنَ إِستخدام الضوء الأحمر من الطبيعي يدلُّ على الحرب والدَّم، تابعنا فقط حركتين للممثل الذي يُمارس الحرب بحركاته الجسدية، يفكر، ثم يعارك ثم يأكل ثم يفلج، ويقع على الأَرض بمعنى ليس هو المحارب، ويقوم بأستخناء في الليالي ويقع عليها الضوءُ الأَصفر بمعنى العبادة وفي بعض الحركات يقومُ بتمثيل السكسي أَو يحملُ عدة معان أُخرى كالمقاومة والبقاء وإِخلاء عقلية الحرب، والصلاة تحت ضوء ملطخ وغير واضح، وهكذا دواليك...بل المعنى المسرحي هو إِيجادٌ للمعنى الآخر من سلوك الحياة اليومي، ومرآةُ وجودنا مماثل في الحرب وحياتنا ممتلئة بالموت مع العدم ليس بقاء بقعة للوجود. وإِستخدام الأَلوان تتكامل جميعها في العرض، لقد أستخدم اللون الأَصفر الطبيعي والأَحمر، والأخضر وبالذات أزرق ملطخة مرّتين، وأَزرق عادي وبنفسجي مرة واحِدة، وهذا يدلُّ علي إِستخدام مفهوم الحرب لفظياً، وإِن مهمة الرسالة المسرحية هي إظهار واقعنا المتداول عبر شفرات الحرب، الحرب حيلة لجلب الإِنتباه بأَن حياتنا تنعكس في مفهوم الحرب، ولاتعتبر الحرب فقط، في الجبهة بل في أَنفسنا ووجودنا، ولن تنتهى عبرالقرون.
إِن عملية التجديد ظهرت في هذه المسرحية عبر تلاعب بالمفردات وإِيجادها من أَجلُ العملية الدلالية وأَخرجوها بعد تحقيق مهمتها، لم يبق على الخشبة ميتاً كشكل العروض التقليدية.
من هنا نستطيع أَن ندرك أن في الخطاب المسرحي عبر المفردات التي تستخدم في العرض شمعة، خام أَبيض، طاقية بيضاء، وشاح أَحمر، ليلك قهوائي، كتاب، منظارة)
الممثل يحاول الإِنتحار من خلال طاقة الأَحمر، ونتيجة موتهُ هو الضحك الهستري، ثم يقول:(ليس إِنتهاءٌ للحرب) وتَستحضرُ إِمرأَةٌ تقول له (الحربُ هي صيدُ إِمرأَة)
ويلبس ليلك قهوائي، ثم يوجد نظارته في الظلام، الوجود من اللاوجود، والأَملُ من العبث، والحياة بعد الموت، وقبل النهاية يلبسُ خامٌ أَبيض تلون بذات حمراءِ تحت ضوءٍ أَحمر، يرمز للطهارة والمسح، بدلاً من الحربِ.
لقد حاول الممثل مُجابهة شخصيات أُخرى، وتعامل مع قرينتهُ بشكل وجود الآخرين، أَو مبنى، أَو حركةُ في الخنادق، وبعكسه هروبٌ من المحتملات نحو فتحُ ستارة جديدة على العالم .
وتأتي هذه التغيرات عبر تلآعبات وتغيراتِ، إِطفاء بعد إِضائتها، وإِخلاء القميص بعد إرتدائه، ورمي الكتابُ بعد تداولات في صفحاته، وسحب الورق الوحيد فيها، ثمَّ قرأَة مقولات الشاعر داكورتايوديو(لاتجدُّ في الحربي صاحبٌ وعدو) كل حركات الجسد والتحولات في الفضاء الحوارت تنعكس على الماوراء في مرآة الوجود، وتحمل لغة ماورائية تأملية بصيغة وفي النهاية غطاء جرجفٌ أَبيض كدلالة عن السلامِ بدلاً عن الحرب..
(ويفترض بهذا التصور لدور الحوار- الغريب كلياً بالنسبة إلى التصور الذي أعتمده النقد والذي أدى إلى حصر الفعل بالحوادث الخارجية كالجرائم والمعارك وذهاب وإياب الأشخاص وغير ذلك-أن يكون له مبرر: ماذا نعني عندما نقول بأن الخطاب يقوم بالأحداث التي تؤلف الدراما مباشرة؟ماهي أنماط الأفعال التي تنشأ بواسطة اللغة؟3ص242)
في النهاية أُضيئت الشمعةُ من جديد، دلالة على إِستمرارية الوجود ومرورالحياة بين شعلتين في البداية والنهاية والطهارة والخلود وخروج من حالاتِ الأكتئاب التي تنسج النص خلال مشاهدته إِلى الإِشاراتٍ أُفقيةٍ متعددةُ المستويات.
1/2/3/سيمياء المسرح والدراما/كيرايلام/ترجمة رئيف كرم/الطبعة الاولى1992/المركز الثقافي العربي/بيروت.
نشرت في جريدة المشرق العدد/2224في 29/11/2011
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست