كوباني عين كردستان... عين الشعوب الثائرة
Thursday, 09/10/2014, 12:00
1651 بینراوە
لا يمكن إختصار التاريخ بكلمات محدّدة، كما لا يمكن إختصار الشمس ببقعة من الضوء، كذلك لا يمكن إختصار الأكراد بتصويرهم كشعب ضمن دول فقط.
منذ تشكيل أولى شرارات الوعي السياسي والفكري لديّ، تقريباً في عمر الـ 16 سنة ، بعد التعرف على الأفكار اليسارية الثورية، بدأت التعرّف على الأكراد بشكل فعلي. لم تكن معرفتي بالأكراد قبل ذلك الوقت وثيقة، إذ كل ما كنت أعرفه، هو ما يشاع في الشارع العربي، "الأكراد هم شعب يعيش بين سوريا والعراق وتركيا وإيران، ويملكون نوعاً من الحكم الذاتي". وكل ما عدا ذلك، فهو مغيّب عن الثقافة في الشارع العربي.
مع الوقت إكتشفت ان للمسألة أبعاد أخرى، أن للفكر والمقاومة والثقافة والتراث والجبال والنيروز والزهرة المشتعلة فوق فوهات البنادق، معنى آخر يجب إحترامه. إكتشفت أن نار النيروز تخلّص البشرية من أخطائها، وتجعل الشر خيراً. لكنّها لا تترك حقّها المغتصب، ولا تبتسم بوجه المعتدي، فنار النيروز تلقي وجهها الطفولي جانباً، لتحمل وجه القوّة والبأس ضد الظلم. إكتشفت أن الأكراد شعب مسالم ما لم يغتصب حقّه.
إنّه الوقت الذي سمح لي بإزاحة ستار الثقافة السائدة في الشارع العربي، الثقافة التي تنشرها الأنظمة الفاسدة عبر مؤسساتها، من أعلى الهرم الوظيفي الى أدناه، الى أصغر نادٍ ثقافي في قرية نائية، يعمل قياديوه على تلميع صورة من يريدهم النظام، وذلك تبعاً للمصالح. إنه الوقت ذاته الذي يستغله كثيرون لإعادة ترتيب أوراقهم داخل الأذهان التي تعشق البحث عن الحرية الحقيقية، الحرية التي يجب ان نتمناها لغيرنا قبل ان نتمناها لأنفسنا. الحرية التي يرسمها أطفال كردستان في العراء، كما يرسمها أطفال فلسطين في أزقّة المخيمات، الحرية التي يجب أن نرفع رايتها الملونة بالدم في فلسطين وفي كل جبال كردستان.
هو الوقت إذاً، هو الريشة التي أعادت تكوين حجارة قلعة الفكر الصامدة، الفكر الذي علّمني انّ إنتمائي الى العرب لم يكن بإختياري، وان إنتمائي الى ثقافة محدودة لم يكن بإختياري أيضاً، وعلّمني ان الإنتماء الحقيقي هو ما أختاره أنا بكامل حريتي التي لا تُقيّد ولو بكلمة واحدة، ان الإنتماء الحقيقي هو لفلسطين ولجبال النار في كردستان. وعلّمني ان الجبال ليست خضراء بريئة، يمكن إستغلالها، وان ضفائر الجميلات ليست سهلة المنال. فالجبال قد تحتضن أشرس المقاتلين، والضفائر الجميلة قد تشنق الجلاّد.
واليوم، تعلّمني كوباني انها ليست "عين العرب"، تعلمني انها عين الكورد، عين الصقر الكردي المقاتل، عين فتاة جميلة حملت سلاحها وضفائرها وذهبت تطلب حريتها. كوباني اليوم هي قبلة الصلاة اليومية، صلاة تجمع ما بين البراءة وحدّ السيف، بين وردة في شَعرِ صبيّة في عمر الورد، وبين رصاص البنادق الثائرة. كوباني هي طلقة القرار الأخير، هي إتخاذ الموقف الحاسم بين "مع" أو "ضد"، فلا مكان للرمادي الآن، لا تتّسع الأرض إلاّ للونين، الأسود والأحمر، لا تتسع إلاّ لقرارين، الموت أو الثورة التي تعيد الوطن... والوطن المُستعاد في هذه الحالة هو كردستان المستقلة.
نعم كردستان، لا الوطن العربي الذي ولدنا وعشنا ومتنا ونحن نغنّي له ولأمجاده، وهو ما إهتزّ له هُدبٌ ليُقول لنا أنّه هُنا. لا الوطن العربي الذي قتل حكامنا آلاف البشر من أجل الحفاظ على "وحدته"، وأي وحدة كانوا يقصدون ما دامت الحدود مشرّعة أمام الأعداء، وما سمعنا صرخة الوحدويين؟ أي وحدة كانوا يقصدون حين رأينا الدم العربي يسقط من تونس الى ليبيا الى مصر الى سوريا، وقبلها العراق وقبلها فلسطين؟
الوحدة المطلوبة اليوم، هي الوحدة التي يختارها الشعب لا النظام الجائر، هي الوحدة التي تختارها ضفائر المقاتلات وأزيز الرصاص في الجبال، هي والوحدة التي لابد وأن تتحقق يوماً، هي وحدة كردستان. وحينها ننتظر العرب ليحققوا وحدتهم، إذا قامت، لنقول لهم كوباني هنا... الكورد هنا. فإن لم تستطيعوا تحقيق وحدتكم التي تحمي الشعوب وتحترمها، فإستلقوا جانباً وتابعوا نومكم، واتركوا الشعوب الثائرة تكتب التاريخ، وكفاكم تسجيل أسمائنا رغماً عنّا ضمن خارطة العروبة النائمة، العروبة التي ترك فكرها قياديون ثوريون أمثال جورج حبش ووديع حدّاد، ليلتحقوا بفكر الثورة الأممية التي تحطّم القيود لتلاحق الظلم أينما كان.
تحية الى الشعب الكردي... تحية الى شهداء وحدات حماية الشعب