هل بقى العراق كدولة كي يقاوم؟
Friday, 01/08/2014, 12:00
1433 بینراوە
الدولة بعمقها المعلوم و مؤسساتها الضرورية و ما تحمل من البنى الفوقية والتحتية و البعد التاريخي، لها التاثير المباشر على البنية و الامكانية و المقومات الاساسية للثبات و مقاومة الصعوبات و التحديات الداخلية و الخارجية . كم من دولة قاومت اصعب الظروف و كم منها رضخت لنسمة سياسية او اقتصادية خفيفة و تغيرت احوالها، و التغييرات التي حصلت لها كانت بناءا على كينونتها و مقوماتها و عمقها و وجودها كدولة حقيقية رصينة على ارض الواقع و ليس كنظام و مجموعة من التركيبات و شعب هش التكوين و البنية . و لا يمكن قياس قوة الدولة بقدرتها العسكرية فقط و انما بوجود عمق و مؤسسات و نظام رصين بقيادة و تاريخ معلوم .
بعد طول حكم الدكتاتورية و حروبه الكارثية لم يُبقي على العراق كدولة على الرغم من هيبته في المنطقة نتيجة تخوف دول المنطقة الضعيفة من تهور قيادته بوجود جيش جرار بقيادة حمقاء. فقد العراق كل عمقه و اسمه التاريخي و امكانياته نتيجة المغامرات الجنونية لقيادته البعثية، و لم يبق له عمقا دوليا و مكانة و كيان يمكن ان يُسمى دولة و ليس نظام، هذا قبل سقوط الدكتاتورية، اما بعد مجيء امريكا و سقوط بغداد و ما حصل من تدمير و ما تهاوى هذا البلد من كافة الجوانب و فقد به الاسم و التاريخ و القوة المعنوية و كل ما يمت بمقومات الدولة فوقيا و تحتيا ، اي ظاهريا و باطنيا وعمقا .
و بعد السقوط و ما شهده العراق من غمسه في عمق الوحل، بدلا من اعادة ما فقده خلال خمس و ثلاثين عاما من حكم الدكتاتوريا، علق اكثر و انغمر في بحر من الظلمات، مما انزله في الحضيض و لم يتبقى ما لديه من الحد الادنى من الامل لعودته كدولة و ان تكون لها اسمها و هيبتها و قدرتها الدولية الحقيقية . وبعدما اصبح العراق لعبة بيد من يستغله لمصلحته من الجيران و الاقليم و الدول العظمى ، اندثر اسمه و جسمه اشلاءا لا يمكن ان يتامل اي منا ان يرى دولة العراق ثانية، و التدخلات الفاضحة في شؤونه من قبل كل من هب و دب، ايقنتنا على ان العراق انتهى كدولة .
بعد الصراعات العرقية و المذهبية و ما طفح من الخلافات التي كانت موجودة في بنيته اصلا و كانت مغطاة بالقوة و الارهاب دون قناعة ذاتية، فبعد سقوط الدكتاتورية نفض الغبار عنها و دفع بالتشت و ابتعاد المكونات عن البعض كليا .
بعد مجيء داعش و ما فعلته زادت من الطين بلة و لم يبق حتى الامل الضعيف الذي كان المتفائلون يتاملون الخير من حكم الزمن و امكانية عودة المياه الى مجاريها في يوم ما، الا ان العمق الخلافي الذي وصل اليه مكونات العراق لا يمكن ان نتصور ولادة العراق كدولة ثانية مهما طال الزمن . و عليه يمكن ان يفكر الجميع في الحلول البديلة لدولة موحدة صاحبة العمق المطلوب و القدرة الذاتية . اي نظام تقتنع به كافة المكونات قناعة كاملة و دون اي توجه و فكر طوباوي اوخيالي نابع من الايديولوجيا التي سيطرت عليه طوال العقود الماضية و على حساب راحة الشعب و مستقبله، مما اوصل البلد لهذه الحال التي لا تُرضي اي فرد .
طوال تاريخ العراق منذ انبثاقه، لم تكن مصلحة الشعب و قناعاته من الاولويات التي كانت من المفروض الاعتماد عليها سواء من قبل من حدد حدوده بداية او بعد مجيء الحكومات منذ الملكية او الجمهوريات و بعد الانقلابات الدموية ايضا . اما الان لو فكر المتنفذون في مصالح الشعب كاولوية و اي نظام تختاره المكونات التي تختلف من حيث الاهداف و الامنيات، فانه يمكن ان يبني الركيزة االاولى للاعتماد على العقلية و الفكر المطلوب لضمان مصلحة الشعب كاول الاولويات و مستقبل المكونات كافة و ليس المركز فقط كهدف سامي، و ليست الدولة الا وسيلة لخدمة الشعب و ضمان مستقبله و تامين الخدمات العامة له، و به يمكن السير نحو الافق الصحيح . فالعراق اليوم فقد جميع مقوماته كدولة و عليه بقي نظاما غير متماسكا، و هذا ما جعله ان يحتاج لعملية قيصرية عاجلة و لا يمكن ان ان يعالج بادوية و مسكنات، او لا تفيده ترقيعات لعضو هنا و جهاز هناك لاي مكون من مكوناته .