الاستراتيجية الدولية للحرب على الارهاب، البداية والإتجاه ..
Thursday, 02/10/2014, 12:00
2267 بینراوە
مع كل ما أنتجته ماكنة الارهاب في الأوطان من خراب وتسببت به للأفراد والمجتمعات من شقاء ألاّ أن المشهد العام وعلى ماهو عليه من عُمق وعِظم في المأساة هو أقل سوءً مما يمكن أن يكون عليه الحال فيما لو استمرّ المجتمع الدولي في التغافل عن خطر الجماعات الارهابية التي إلتهمت المُدن تباعاُ وابتلعت القرى جـِماعاً ، وسيطرت على حقول النفط وخططّت لإستنساخ تجارب سياسية من حضيض التاريخ لبناء دول مفترضة في عالم اليوم، بعد أن كانت هذه الجماعات وحتى الأمس القريب فصائل سرية متناثرة لايملك عناصرها الجرأة على ازالة اللثام عن الوجوه، ويبالغ الكثير منهم في تضخيم صوته عند القاء الخُطب والبيانات خشية الظفر بهم من قبل السلطات. أما المناطق التي كانوا يتحركون فيها بحذر شديد احتراساً من الوقوع في دائرة الرصد للمخبر السرّي، تلك المناطق كانت تثير القلق والمخاوف لديهم قد أصبحت اليوم حاضنة آمنة وخزيناً بشريا احتياطيا آخذا بالتوسع والازدياد لرفد المعارك التي تخوضها داعش.
أن انكفاء الوجود الأمريكي من المنطقة، والفراغ النسبي للسلطة الذي أعقب أحداث الربيع العربي، عوامل بمفردها غير كافية لأنتاج ظاهرة عابرة للحدود بهذا الحجم وهذه السرعة كتنظيم داعش وما امتلكه من فعل مؤثر في الاتجاه السلبي تمكن من خلاله ازاحة الفرق العسكرية واحتواء الفصائل الارهابية الأخرى المتواجدة أصلا في المناطق التي زحف اليها هذا التنظيم الارهابي داعش.. بلا شك أنها عوامل غير كافية ان لم تكن داعش جزءا من مخطط استراتيجي لطرف أو أطراف اقليمية ارتئت من خلاله تحقيق اغراض داخلية تتعلق بالإفلات من الاستحقاق الجماهيري في بالتغيير عبر توجيه الزحف نحو جبهات أخرى بديلة عن العواصم الآمنة، وأخرى خارجية ترتبط بإستثمار الغياب الدولي عن المنطقة لبناء منظومة سياسية يشكل فيها بناة هذه المنظومة نقطة الارتكاز وأصحاب القول الفصل فيها بما يحقق لهم مستوى من التوازن الأقليمي مع قوى أخرى أو يتيح لهم التفرد بالقوة الإقليمية. ومع ما ينطوي عليه هذا التوجه من استخدام للوسائل المبتذلة والعابثة بأمن شعوب المنطقة والعالم وما رافقه من استغفال للمجتمع الدولي بكافة مكوناته ألا أن الخشية لم تكن بالمستوى الرادع عن ارتكاب هذا الفعل كون الرهان لدى هذه الأطراف وكما كان شائعاً في وسائل الاعلام في حينه وفي الفترة التي سبقته ، كان الرهان مبنيا على الاعتقاد السائد بأن "السياسة الأمريكية في ظل ادارة أوباما جانحة للسلم، وأقصى ما يُمكن أن تقدم عليه هو الضربات المحدودة أو جمع المعلومات عبر الطائرات المُسيّرة دون طيّار".. وأن مصالح الأطراف الدولية بالنتيجة هي من يتحكم في توجيه مواقفها السياسية من الآخر، بعبارة أخرى، فرض سياسة الأمر الواقع على العالم طالما هناك اتفاق من حيث المبدأ، مُحكم الى حد ما بين القوى الرئيسية في المنطقة.. ولسنا هنا بصدد تقييم مشروعية الطموح ودواعي انطلاقه في أذهان أصحابه بقدر التأكيد على الخطورة المطلقة للوسائل التي اعتمدت للوصول الى الهدف.
ذلك هو ما يمكن أن تنطق به أدلة العقل المستقاة من واقع الحدث، فإن لم تكن داعش قد نزلت من السماء، فلا شك أن ما جرى تقف خلفه أطراف اقليمية على الأرض تحمل مثل هذه التصورات..وأن الذهول والارتباك الذي اعترى ردود الفعل على المستوى الدولي بعد الذي حدث من قبل داعش في العراق، كان قد مبدّدا للشكوك ومؤكدا على حقيقة أن ما حصل هو مخطط اقليمي بإمتياز أنتجته قوى المنطقة تأسيسا لشرق أوسط جديد (جغرافيا) وقديم (سياسيا) وبشكل معاكس لما كان يراد له تماماً.. وفي هذا السياق كان كثيرا ما يتردد في ذهني مشهدا يبحث عن تفسير أو بالأحرى توظيف لإستنتاج في حينه، كنت قد شاهدته في بداية الأحداث في أحد المقاطع الفيديوية للإصدرات الداعشية، لشاب داعشي رث الملبس وفقير الثقافة لايبدو عارفاً بمن هو سايكس ولا مدركا لما هو بيكو يعبر الحدود العراقية السورية مرددا عبارة (بأنفاس ثأرية) يبدو ان أحدا قد لقنه اياها "الحمدلله اليوم قد تحطمت والى الابد شواخص جريمة سايكس بيكو".. قاصداً الحدود بين الدولتين، العراق وسوريا ومعاهدة تقاسم النفوذ بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة روسيا للمعاهدة عام 1916 بعد تهاوي كيان الامبراطورية العثمانية!!.
وفي هذا السياق نود القاء الضوء على الكيفية التي شكّل فيها التاريخ السياسي للمنطقة عاملا مساعدا وباعثا أساسيا لما يجري اليوم من أفعال متطرفة لجماعات متسربلة بشعارات دينية ترفعها زوراً، ومتمترسة خلف جدار اقليمي تشكلّه أطراف إلتقت مصالحها مرحلياً، ومع اختلاف الأجندة السياسية لهذه الأطراف الرئيسية الداعمة للإرهاب تبعاً للتراث السياسي/ الديني الذي يستند كل منهما إليه، ألاّ أنها تلتقي مرحليا في العراق وسوريا، بمعنى آخر أن الإرهاب في المنطقة لم يكن وليد اليوم، فقد جرت العادة من قبل السلطات السياسية في (الدولة الأموية، الدولة السلجوقية، الدولة العثمانية) على احتكار فكرة الإسلام الصحيح لأنفسهم، وقد نجحوا في فرض وجهات نظرهم الدينية (المذاهب السياسية) على المجتمع عن طريق القوة، بصفتها (الحقيقة الدينية المطلقة). وفي حقيقة الأمر، لا توجد علاقة صميمية بين الاسلام الحقيقي وهذه الخطابات التبريرية ذات الاهداف السياسية التي تدور حول محور التأسيس للذات والتفرد بالسلطة عبر العنف والتطرف الأعمى، أي أن العلاقة بين هؤلاء والاسلام المحمّدي لا تتعدّى المسمّيات من حيث العقيدة، والشكليات في الجانب العبادي، وهو بالضبط ما يجري اليوم في المنطقة خاصة مع وجود حواضن سياسية تشكل امتداد تاريخي لتلك النماذج الارهابية المندثرة أسهمت في تأسيس (الميكانيك المجتمعي) او الآلية الاجتماعية المرتبطة بتوليد الآيديلوجيا الداعية للإرهاب.
ومع أن الدين الاسلامي (المحمّدي) كان قد أعطى العقل أولوية، ألاّ أن الدين الذي يعتمده هؤلاء يكاد يختفي فيه هذا الدور مطلقاً أو ربما بشكل محدود مقتصر على الحالات التي لم تشملها السلطة (الدينية/ السياسية) في نصوص لا تلتقي في معظم الأحيان مع الاسلام الحقيقي الاّ من حيث الأساس التاريخي المحض. وهو السبب الرئيسي الذي اعتمدت عليه بعض الأنظمة السياسية في المنطقة في توسيع أرضية الآلية الاجتماعية أو (حواضن الارهاب) ، وما يؤسفنا قوله، هو أن بعض هذه الأنظمة كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في بناء هذه الحواضن. ولربط ما يجري اليوم بالشواهد التاريخية السياسية التي أشرنا اليها، فلا يخفى على أي مُتابع بأن النظام السياسي في السعودية يشكل امتداداً للنهج الأموي (الدولة الأموية)، ويشكل النظام السياسي الاردوغاني في تركيا هو الآخر إمتدادا للنهج (السلجوقي/ العثماني). ويعود السبب في اختيار الدولتين لأسباب تتعلّق في الحرب الحالية على الارهاب، فإذا ما اسثنينا عناصر الأصقاع الأخرى حول العالم الآخذة بالتزايد أيضاً، فأن الأغلبية المطلقة من عناصر تنظيم داعش يعود في الأساس الى أصول سعودية/ تركية، مع الاشارة الى ان (نسبة العراقيين هي الأخرى تتصاعد بشكل مُلفت للنظر- ويبدو أن ذلك هو المعوّل عليه من قبل الأطراف الداعمة نسبة الى اناطتهم قيادة التنظيم بشخصية عراقية)، ويشير ذلك الى ان الميكانيك المجتمعي الخطير يعمل بشكل كبير بما يجعل من كل عنصر من هذه العناصر قنبلة موقوتة لا أحد يعلم من مكان وزمان وجنسية ضحيتها المقبلة.. وفي مقارنة بين استطلاعين للرأي العام السعودي الأول في عام 2009 أظهر ان 20 بالمئة من السعوديين يؤيدون تنظيم القاعدة، واستطلاع آخر جرى مؤخرا على جدران الفيس بوك أظهر ان 90% من المشاركين في الاستفتاء يؤيدون تنظيم داعش، من خلال الاستطلاعين يمكن بوضوح ادراك أهمية عامل الزمن في نمو هذه الظاهرة الخطيرة على الأمن والسلم العالمي. أما في تركيا فحكومة فالنهج الاردوغاني هو أيضا يسعى الى أقلمة وترويض المجتمع التركي مع تنظيم داعش لأغراض الهيمنة المستقبلية، وفي هذا السياق نتطرق الى تصريح القنصل التركي الذي اطلق سراحه مؤخرا بعد أن كان (مختطفا) من قبل تنظيم داعش، حيث يتساءل في هذا الصدد قائلا : " كيف لداعش أن يحتجزنا ونحن نرى عناصره في تركيا يأكلون ويتسوقون ويتلقون العلاج في مستشفيات بلادنا، لم يكن هذا دون علم الأجهزة الاستخباراتية في تركيا".. أي أن النظام السياسي في الدولتين ساعيان لخلق مجتمعات لا غرض لها من وجودها إلا الموت (قاتلا ومقتولاً في آن واحد).
والى اليوم، ومن بين دول المنطقة يكاد ينفرد الأردن في الإستجابة والانسجام التام مع الجهد الدولي في الالتفات الى داخل الدولة الأردنية وتأشير مناطق الخلل والاستعداد لتعديل قوانين او اصدار أخرى بما يؤكد ادراك المملكة الأردنية لطبيعة المهام الأساسية المأمول من دول المنطقة الإسهام بها، واستيعابها التام لطبيعة المرحلة المقبلة، وهو ليس بالمستغرب من المملكة الهاشمية، فالجميع يدرك طبيعة السياسة الرشيقة للمملكة التي سرعان ما تنتقل من مربع الى مربع آخر مضاد بسرعة الضوء. لكن الرشاقة هي الأخرى لا يُعوّل عليها كثيرا في الممرات الترابية الماطرة. مع ذلك لا توجد سياسة خارجية ينطبق عليها صفة الكمال ومع الانفتاح السياسي والحريات العامة والاستجابة السريعة والتفاعل الجاد مع الجهد الدولي من الممكن للأردن فيما لو اعتمد برامج توعوية لتقليل منسوب التطرف لدى بعض القبائل الاردنية، وعدم السماح لاستغلال الحريات الممنوحة من قبل دعاة التطرف، أن يشكل قدوة في المنطقة على طريق الاصلاح المنشود.
ولكن المستغرب أن دولاً كالسعودية وتركيا ما زالتا يعيشان خارج دائرة الزمان في طريقة تعاطيهما مع الأحداث، فالطرفان مازالا منهمكين في شؤون الدول الأخرى في المنطقة متجاهلين الالتزامات الداخلية والخارجية المتراكمة عليهما تجاه شعوبهما والمنطقة والعالم التي قد لا يتسع الوقت للإيفاء بها من قبل الطرفين.. فما كتبه مثقف السلطة عبد الرحمن الراشد يوم أمس الأول في صحيفة الشرق الأوسط وبعد أن أعلن بالنيابة عن الترك الموافقة على الانضمام للتحالف الدولي في مقال (تركيا مع التحالف)، أطلق لقلمه العنان في التبرير للتردد التركي بوصفه كان مناورة مع داعش، ثم بدا أكثر حرصا على مستقبل الاخوان المسلمين في المنطقة بنبرة مغايرة لما درجت عليه عادة الصحافة السعودية منذ زمن ليس بالقصير، بل ولحين ظهور هذا المقال كان كتاب الصحيفة قد سلكوا مختلف دروب التاريخ، وأضيق أزقة الجغرافيا بحثا عما يثبت براءة الوهابية من الارهاب وجلباً لأدلة الادانة لحركة الاخوان المسلمين في تأسيسها للتطرف والعنف في المنطقة.. والشئ الأهم في هذا الموضوع هو البشرى التي ساقها الراشد للأخوان المسلمين في سوريا قائلا : " أن من يركب قطار مواجهة داعش له حظ بأن تكون محطته الأخيرة دمشق"..في الوقت الذي لا يمتلك فيه مثل هذا الشخص المنتمي أصلا الى نظام سياسي متخلف يتصدر الدول المنتجة للارهاب حق تقييم الأنظمة السياسية في المنطقة.
وفي المقابل، أردوغان هو الآخر اعتلى منصة الاشتراط على التحالف الدولي لتهويل صورة السلطنة التركية أمام داعش بما يجعلها أكثر ثقة به وإذعانا لتوجيهاته بعد أن أثبت لهم بأن سوف ينتزع مطالب من هذا الحلف، كفيلة بإنشاء الدولة الاسلامية الداعشية وضامنة لانتزاع اعتراف قسري من دولة العالم كافة بها.. وهي بالفعل مطالب لو تم تحقيقها لأردوغان من قبل التحالف الدولي، فلا ضرورة بالأصل لأي تحرك دولي من هذا النوع اذا كان الهدف من تأصيل الوجود الطارئ للإرهاب وصيانة الميكانيك الاجتماعي المرتبط بتوليد أيديولوجيا الإرهاب.... فالشروط واضحة من حيث النوايا والأهداف فأن أهم ما تأمله الأطراف الراعية للإرهاب هو استغلال الجهد الدولي لأسقاط النظام السوري، وذلك هو مفتاح الحلول بالنسبة الى اردوغان بالذات، لأن ازاحة هذا النظام بالكيفية التي يرتئيها سوف تنتهي بإيصال الإخوان المسلمين (المؤتمرين بأوامر تركيا) الى السلطة في سوريا (كما نوّه الراشد في الشرق الأوسط) ولا تترك من خيار أمام جموع البعث السوري وعناصر الأجهزة الأمنية السورية بما تحمل من خبرات سوى اللحاق بالأشقاء البعثيين العراقيين الى صفوف التنظيم الارهابي داعش، حينها تكون دمشق هي من يؤصل لشرعية الوجود الداعشي وليس الطرف الساعي لاعادة الأجزاء المفقودة من البلاد.
ليس تكهنا إطلاقا، ولا تحاملا بكل تأكيد.. ألاّ انها الطريقة التي تفكر بها هذه الحكومات، والشراسة التي تدافع بها عن وجودها في السلطة وإلا هل من غرض ايجابي من الممكن توقعه من المطالبة بإشراك الجيش التركي منفردا على الأرض السورية أو العراقية سوى خلط الأوراق واستباق الجهد الدولي لتحقيق مآرب تعرقل تنفيذ المهام التي لا تصب في مصلحة الجانب التركي.. وكذلك ما الغرض من المنطقة العازلة في ظروف تعد فيها تركيا الأكثر قوة والأشد التحاما بالقوى المناهضة لحكومتي العراق وسوريا، سوى استخدام هذه المناطق العازلة ملاذات آمنة للإرهابيين في حال اضطرارهم أو مناطق ايواء للقيادات الداعشية لايخشى على حياتهم فيها من الاستهداف الجوي، أوساحات للتجمع والتدريب وإعادة التأهيل في حالة الانكسار، بل وملكية مضافة الى ممتلكات الباب العالي ليس بإستطاعة الحكومة العراقية ولا السورية استعادتها مستقبلاً.؟
ومالذي يعنيه اشتراط الاشراف التركي على المعونات الانسانية المقدمة من قبل التحالف الى سكان المناطق المتضررة من العمليات الحربية سوى ضمان مؤونة الدواعش واستغلال المساعدات الانسانية الدولية لتحسين صورة تركيا وتمكينها من اختراق المجتمعات الأخرى؟.
والأغرب والأهم : مالذي يعنيه اشتراط تركيا على التحالف الدولي / أن لا تتسبب الحرب الدولية في احداث أي ضرر للوضع السياسي في شمال العراق/.. (كردستان العراق) والمقصود هنا تحديدا سلطة السيد البارزاني بوصفه حليف استراتيجي تركي وأداة الضد النوعي والنافذة المشرعة للأتراك على الثروات العراقية لقاء أسعار تفضيلية وفي مقابل كونه السوق الاستهلاكية للبضائع التركية وفق أسعار فاحشة وخيالية ولا شك هناك ما هو أبعد، فعندما يكون الشريك من هذا النوع متعدد الأغراض والمنافع لا يمكن للسياسة الأردوغانية بما هو معروف عنها من أنانية وانحطاط وتسافل سوى الزج بهكذا شريك في مشاريع يُعد الافصاح عنها مدعوما بالأدلة، قاصما لظهر الآخر وهو سبيل تركيا الوحيد لضمان عدم انتقال الشريك للتأرجح في حبال أخرى دون إذن مسبق منها. وهو ما يتجسد في التلكؤ والتردد الذي رافق سلوك السلطة في الاقليم تجاه ما مرّ به أكراد سوريا ومدينة كوباني تحديداً.
ولا نقول ذلك دفاعاً عن النظام السوري، فالتعاون الأمني الرسمي (السعودي- السوري)، ريادي في هذا المجال وكان العراقيين أول ضحاياه وليس بغائب عن الأذهان.. ورغم كل هذا العداء لم يفصح الأسد عما يملك من وثائق عن الطرف السعودي الذي كان الأطباء الأمريكيون يبذلون قصارى جهودهم لتحسين صحته، وأجهزته الارهابية في الرياض منهمكة بتغرير السعوديين وغسل أدمغتهم وتوفير وسائل النقل ومرافقتهم الى مراكز تدريب الارهاب في سوريا لقتل جنود الحليف الأمريكي والعراقيين معاُ، (الرافضي والمُحتل)، لم يَعلن لأنهما معا من ذات الصنف، وهو ما يزيد السعودية اندفاعا كونها ترى في وجوده (تهديدا محتملا) قد يسئ لتحالفاتها الدولية وليس للجانب العقائدي وحسب، بل نحن على ثقة بأن الأطراف الرئيسية الدولية الداعمة للنظام السوري اليوم وخاصة روسيا سوف تصل الى نقطة لا يمكن معها الاستمرار في الدعم والاسناد، عندما تدرك، وستدرك قريبا بأن اعادة تأهيل نظام البعث السوري مهمة مستحيلة! فالتاريخ من الممكن أن يكرر نفسه اذا ما توفرت الشروط الذاتية والموضوعية للحدث، لكن عودة الزمن الى الوراء أمراً يتنافى مع السنن الكونية في هذه الحياة.. وهو ما نأمل أن يدركه الدكتور بشار الأسد نفسه، من أن وجوده في السلطة اليوم من الممكن توظيفه توظيفا ايجابيا في التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي حقيقي، بل والحث على التأسيس المماثل في المنطقة للإنطلاق نحو فضاء الحرية، بهذه الشعوب التي أصبحت أفرادها آلات لصناعة الموت وصهاريج جوالة معبئة بالكراهية والحقد الدفين على الآخر، ومن الممكن، لذات الوجود الذي يتمتع به الدكتور الأسد اليوم أن يكون تذكرة قد حجزها لنفسه بنفسه نحو مربع الهلاك الأكيد. فلا يختلف اثنان على أن بقاء الحال من المُحال.
فلابد من التأكيد على، والالتفات الى، ان هذه الحرب الدولية على الارهاب تبرز بوضوح، بأن العالم يعيش عصراً لا يمكن فيه الفصل بين المصالح والأساس القيمي الذي يجب أن تقوم عليه العلاقات والتوجهات الدولية مع والى بعضها البعض، وأن تجاهل مثل هذا الأمر هو من أوصل العالم اليوم الى هذه النقطة الحرجة. نعم للمصالح أهمية ألا أن أهميتها ناشئة من انسجامها مع القيم الانسانية المشتركة، وإلا فقد تعود المصلحة أو الثراء المادي بالنفع على أطراف محدودة ولزمن محدود، أما الثراء القيمي فيعود بالنفع على جميع من تأثر به على امتداد الأمكنة والعصور، والأهم على الاطلاق أن الخواء القيمي يشكل تهديدا لجميع ما يدركه من شعوب ودول ومصالح وقيم على حدّ سواء، وكما هو الحال الذي تجابهه البشرية اليوم نتيجة الترجيح المزمن للمصالح على القيم وإستثناء أطراف بعينها من التطبيقات القيمية السياسية أو الانسانية، سواءً ءأ كان الأمر متعلقاً بواجباتها تجاه شعوبها او الأخرى الضاربة عرض الجدار بأي التزام لها مع العالم، وهو الأمر الذي إن إستمّر كما هو عليه فمن المستبعد جدا لأي جهد دولي من هذا النوع أن يكون مُثمرا، فالتعامل مع النتائج دون معالجة حقيقية للأسباب هو العبث بعينه، ومع هذا التوقيت الحرج بالذات، يمكن الجزم بأن القوى الرئيسية في العالم لم تكن موفقة اطلاقا في تقدير حجم الخطر المحدق.. تقديم المصالح على القيم الانسانية والسياسية في العلاقات الدولية، وما ينتج عنه من ازدواجية للمعايير في التعاملات الدولية لن يسهم الاّ في اضعاف سلطة القانون الدولي التي أصبحت وبفعل التطور التقني والمعلوماتي أكثر ارتباطا وأشد تأثرا وتأثيرا بسلطة القانون الوطني والقومي في أي دولة من دول العالم.
وهو ما يفترض أن تأخذه الاستراتيجية الدولية بنظر الاعتبار.. فالمسؤوليته الإنسانية والاخلاقية تجاه هذه الكوكب الصغير الذي تضاءل حجمه وتدانت أطرافه بفعل ما أنجزه العقل البشري من وسائل التواصل وتقنيات الأتصال، تفرض على صُناع القرار توقع ومجابهة التحديات التي تفرزها الثورة المعلوماتية من تحولات سريعة لشرائح كبرى في اتجاه سلبي مغاير من شاكلة التنظيم الداعشي الذي اكتسب العالمية بين ليلة وضحاها، طارحا نفسه النموذج السياسي الأكمل ورافعا لشعار (جئناكم بالسيف) .. وقد فعلت الإدارة الأمريكية ما هو صائب في التأكيد على ان الرد سيكون استراتيجيا وشاملا لما يعكس من إدراك عميق وتقدير دقيق لخطورة الموقف. فما يمكن أن ينجزه العالم الحر بما يمتلك من قوة لمكافحة الإرهاب اليوم، ستقف نفس هذه القوة مكتوفة اليدين غداً حينما يقف الارهاب على قدميه وتتراوح الخيارات بين المساومة والتنازلات المفتوحة، بل ايذان بفقدان القانون الدولي لسلطته و القوة الدولية لشرعيتها عندما لا تتدخل ضد الأطراف التي تستخدم القوة لإخضاع الشعوب حول العالم، وتكون بذلك، قد فقدت قدرتها على صناعة السلام أيضا.!
إذن هي حرب من أجل السلام، فصحيح ان الحرب ليست الخيار الطبيعي للحياة، لكنها أيضا خيارا استثنائيا مشروعاً وضروريا حينما تكون الحرب ليست من أجل الحرب بل طريقاً أساسيا لصناعة السلام في العالم، وإزاء هذا الحال سوف تدرك بعض القوى الدولية مستقبلاً، والمترددة اليوم في اتخاذ قرار الالتحاق والتفاعل الجدي مع هذا الجُهد الدولي بأنها لن تكون في مأمن من تداعيات فشل أي جهد دولي من هذا النوع في مرحلة حساسة كالتي نحن بصددها اليوم، ولم تكن موفقة في استيعاب حجم المخاطر والتحديات التي تواجه الأمن العالمي ومستقبل الشعوب على أكثر من صعيد وصعيد.
وفي ذات الوقت فالأطراف الدولية التي انطلقت لخوض المعركة مع الارهاب، أن تكون أكثر إدراكاً لطبيعة وحجم المعركة مع الارهاب التي لا يمكن أن يُستهان بها عبر افتراض سهولة انجاز فصولها أو تصور قِصر ما تستغرقه من زمن، أو الإعتقاد بوجود فائض قوة لدى أركان التحالف الحالي يُغني عن التحرك نحو الأطراف الدولية الممكن لها أن تلعب دورا ايجابيا في هذه الحرب.. ليس من المنطقي افتراض ذلك اطلاقا، وخاصة من يدرك بوضوح تشابك المواقف والأدوار في المنطقة، وازدواجية التعاطي المحتملة من اطراف غير متوقعة، فضلا عن طبيعة المهمة التي تقتضي أصلا، اشراك أطرافا، لدى مكونات المجتمع الدولي الكثير من الأدلة التي تشير أو تجزم بتورطها أو تخادمها الرسمي مع التنظيمات الارهابية.
أن (غياب) التوازن الحقيقي بين المصالح والقيم (إزدواجية المعايير) في العلاقات الدولية، وما نتج عنه من (تغييب) للمُثل السياسية العليا عن المنطقة هما العاملان الأساسيّان في نمو الارهاب وإزدهار صناعته حول العالم. وأن المتضرر الأكبر من استمرار الغياب والتغييب فيما بعد هُما شعوب المنطقة والدول المتحضرة حصرا، لذلك كان من الممكن للتجربة العراقية أن تُعد إنجازا حضارياً أمريكياً عظيماً، وإسهاماً خلاّقاً في إرساء المُثل السياسية في الشرق الأوسط وتدعيم الأمن والإقتصاد العالميين فيما لو يتخادم استقتالا على افشالها كلا الطرفان المستفيدان من الغياب والتغييب. إذن هو العراق وترميم التجربة انطلاقا من أن (الفرد مصدر التنوع ) بعد أن فشل حُكم المكونات الاّ في اثراء طبقة النبلاء وتأصيل العمالة وإساءة توظيف الولاء.. فإن انشغال أمم الطوق العراقي الثلاث (العرب والفرس والترك) بالإستقطاب الطائفي والتدافع للإستيلاء على العراق والانطلاق منه نحو منصة النفوذ، وأمة رابعة تغذي الاستقطاب والتدافع لمزيد من الحضوة الدولية والتبييض لسجلاتها السوداء وتكريسا (للغياب والتغييب) والعبث في المنطقة وأملا بالإستيلاء على العراق أيضاً بعد انهاك هذه الأمم تحقيقا لنبوءة (من ثم الى)، ولكل أمة من هذه الأمم نبوءة دينية خاصة بها للإستيلاء على العالم انطلاقا من العراق.. فكان الارهاب وابتدأت المعركة، الفشل سيكون مُكلفاُ جداً ولا نريد الغوص به ولا يجب أن يكون احتمالاً، والتراجع يعني تقديم العالم الحر للمنجز الحضاري الانساني قربانا للإرهاب، وبالتالي الغوص بالإنسانية نحو الركود البيزنطي.. أما النجاح وهو ما نَصُرُّ عليه فله شروط منها، ماهو في طيات ما أسلفنا، وأهمها المقدمّات الصحيحة، ودون أدنى شك، أن البداية الصحيحة في طريق الاصلاح الشامل الذي نرجوه من وراء هذه الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون من ترميم الأوضاع في العراق ، ومن يروم تحقيق المصلحة العامة للجنس البشري لا يحتاج أذناً من أحد.. وليس شعاراً بل هي الحقيقة: العراق ليس ملكاًَ لقومِ ولا لأمة على الاطلاق، ويقيناً سيخسر من يقول بغير ذلك بل يكذب من يدّعيه، فلم يكن ملكاً لأحد عدا ما أوهم البلهاء به أنفسهم، بل العراق هو كل الأقوام وكل الأمم وهو منصّة البشرية جمعاء للانطلاق نحو ضفاف الخير والسلام.. نعم، كان العراق وما زال وسيبقى كذلك.. وهو ما يجعلنا على يقين من كونه البداية الصحيحة المرشدة للإتجاه الصحيح.
الدواعش المرافقين لأردوغان يعتدون بالضرب على موظّف الأمم المتحدة :-
http://www.youtube.com/watch?v=QhOet76t3QQ