ذكرياتي:معركة بشتاشان بين غدر الطالباني وصمت الحزب الشيوعي
Wednesday, 17/11/2010, 12:00
عند سفح جبل قنديل في الشريط الحدودي العراقي الايراني تقع مجموعة قرى كردية مهجرة وخالية من السكان هي قرى< بولي> و<آشقولكا> و <كاسكان> و <بشتاشان> وباسم تلك الاخيرة ستسمى المعركة التي اشعلتها عصابات الاتحاد الوطني الكردستاني
( الجلاليين) حينما اعتدت، في مثل تلك الايام، في الاول من ايار عام 1983 على مقر القيادة المركزي، للحزب الشيوعي العراقي
( حليفها في الجبهة الوطنية..جوقد) الواقع في تلك المنطقة. والمقر هذا كان مقرا خلفيا، خدمي واداري، يقع فيه الاعلام المركزي والمستشفى المركزي ومقر المكتب السياسي للحزب، وغالبية افراد الموقع هم من المرضى والعوائل باطفالهم وكبار السن وبعض الانصار القادمين من قطاعات اخرى لبعض الاعمال ويجهلون جغرافية المنطقة. باختصار لم يكن موقعا عسكريا بالمعنى الحقيقي.
تحمل تلك الايام ذكريات حزينة ومؤلمة مليئة بالحسرة على فقدان رجال صقلتهم التجارب ونمى قدراتهم المراس وبناء الذات.. ابو سمير(عبدالحسين احمد)، ابو ليلى(كاظم طوفان) ولاحقا يوسف ناجي( ابو ليلى) ودكتور عادل( ابن المربي والمناضل الوطني عاكف حمودي) وشباب في مقتبل العمر واعدين موهوبين مفعمين بالامل والحيوية والقدرة على العطاء، طارق عودة ( رعد) و( عمار) و( سعد) ولاحقا جبار شهد(ملازم حسان). رجال عرفوا بالطيبة والبساطة والمرح والنقاء، ناصر عواد( ابو سحر) وتوفيق وابو حاتم(علي عودة) وابن السماوة الصامت ابو محمد. امراة جنوبية تحلم بوطن جميل، احلام(عميدة عذبي حالوب).. فلاحون وكادحو مدن عُرفوا بالشجاعة والكبرياء والاخلاص( مام رسول، خدر كاكيل، رستم، الشقيقان محمد حسن وعبدالله حسن دركلي اللذان تركا شقيقهما الثالث حزينا وشغوفا بتشبيههما بالقمر والشمس.
هي ذكرى حزينة بلا شك لمن عاشها او عرف تفاصيلها المجهولة للكثيرين والتي تكاد تكون ملغية او منسية في تاريخ الحركة الوطنية وتاريخ الحزب الشيوعي العراقي. ذكرى مليئة بمشاعر الالم وتدعو الى التامل في احوالها وماتركته من اثار وتداعيات، وان بدت غير مرئية ومحسوسة، الا ان لها اثرا مميزا اسس لانعطافة في مسار حياة الحزب الشيوعي العراقي. لكن قبل الحديث عن تلك الاحداث وكيف ولماذا وقعت لنلقي نظرة سريعة على بعض الحوادث التي تدور الان فهي ستعين على فهم الاوضاع والاحداث التي اريد الخوض فيها.
مثلما ابتلى العرب بكارثة اسمها حزب البعث، وهو تنظيم حزبي ضم في صفوفه ابناء الشوارع والمجرمين العاديين والانتهازيين وذوي العاهات النفسية، فان الكرد سيبتلون، ان لم يبتلوا بعد، بتنظيم هو نسخة كردية لتنظيم البعث، اسمه الرسمي الاتحاد الوطني الكردستاني، والدارج (الجلاليين) نسبة الى طالب الجاه والسلطة ( المام والاستاذ) جلال الطالباني. والجلاليون هؤلاء، مثل اشقائهم البعثيين، يزايدون سياسيا على كل الاطراف، على الاسلامي والشيوعي والقومي والعشائري و.. و.. واي نوع من الوجود السياسي يمكن العثور عليه. ويطرحون انفسهم بديلا مطلقا عن الاخرين، وبطريقة اقصائية لاتحتمل وجود اي راي او شخص او عقل مغاير. وهم، كما قدوتهم البعث، يلجئون الى كل الوسائل والطرق ومن اهمها الطرق الخسيسة كالغدر والسرقة( النهب) والاستهتار بالقيم والاعراف، ولاداعي للحديث هنا عن مبادئ !..وحتى لايقال اني اطلق الكلام جزافا فساطرح بعض الوقائع التي ماتزال احداثها جارية الان، وهي استغلالهم للاوضاع الاستثنائية التي يمر بها العراق الان والدعم الخفي الامريكي في غض النظر عن ممارساتهم فقاموا بالتجاوز على العديد من الاسر العربية والتركمانية بطردهم من مناطق سكنهم في كركوك ومندلي في محاولة لفرض امر واقع ينقي المنطقة عرقيا لاستثماره سياسيا فيمابعد، وكذلك بحرقهم للوثائق والسجلات في مدينة كركوك لاجل اثارة البلبلة. بماذا تختلف هذه الممارسة عن ممارسات البعث؟ ان مسالة عودة اصحاب الارض، المبعدين قسرا نتيجة سياسة التعريب الشوفينية، الى اراضيهم هي مسالة مهمة لكن حلها يجب ان يكون عن طريق القانون اولا وضمن وضع سياسي ياخذ حيثيات المشكلة وطبيعتها بنظر الاعتبار وضمن اطار الحل الشامل للمسالة الوطنية العراقية وليس بطريقة العصابات التي يتبعها جماعة (خفيف الظل). وهناك ايضا محاولتهم سرقة ملايين الدولارات من السيارة التابعة للبنك المركزي ( الحادثة المعروفة في بغداد في الاونة الاخيرة) والسرقات الاخرى وعمليات النهب في الموصل وكركوك...
ماذا بعد؟
هل هذا سلوك لحزب سياسي ام لعصابة نشالة وقطاع طرق؟
وطبعا ان اي مس بالنقد لسلوكهم المخزي هذا سيرد بالحجة التي طالما لاكتها الحركة الصهيونية وساسة اسرائيل في اتهام من يتعرض لممارساتهم بالنقد، بالعداء للسامية، فقد اطلق ( القائد التاريخي ) تهمة الشوفينية على منظمة دولية محايدة عبرت في تقرير نشرته عن قلقها ازاء ممارسات جماعته( كما يحب هو التسمية) ذات الطابع العنصري والعرقي واللاقانوني.
لنعد الى احداث بشتاشان.
قبل الاحداث بعامين وقعت بعض التشنجات في العلاقة بين الحزبين( حشع واوك) فجماعة الطالباني في شقاق وصراع دائمين مع كل الاطراف السياسية. فبعد ان صدهم< بيشمةركة> الحزب الديمقراطي عام1979 في معركة <هاكاري> وصارالطالباني وجماعته ليس فقط لايستطيعون الدخول الى مناطق بهدينان وانما لايستطيعون حتى النظر باتجاهها. عندها انحصر وجودهم في مناطق< سوران>. وبطبيعة الحال فقد اصطدموا عسكريا وسياسيا بكل الاحزاب< عدا حزب البعث طبعة الكبيسي فقد كانوا ضيوفهم>، حتى انهم اصطدموا مع حزب هامشي ومنسي في الخريطة السياسية هو حزب الباسوك القومي العنصري.
بدأ صدامهم مع الحزب الشيوعي عام 1981 في مناطق اربيل وتحديدا في قرية< ورتة> وهُزم الجلاليون في تلك المواجهة وقد اصيبوا بنوبة سعار وحنق بعدما لقنهم الانصار الشيوعيون هناك درسا تاديبيا. ورغم ذلك فقد اعادوا الكرة في ذات القاطع اكثر من مرة ولاسباب غير مفهومة ولامقنعة. تواصل الشد والجذب في العلاقة رغم المساعي السلمية الملحاحة التي بذلتها قيادة الحزب الشيوعي لتعديل العلاقة الى ان جاء اليوم الذي تحفزت فيه غرائز التسيد والتملك عند <الطالباني> واراد الانقلاب على حلفائه الايرانيين، وحينها كانت الحرب العراقية الايرانية مشتعلة،فاراد اللعب على الحبال كعادته< الاخلاقية وليس السياسية> فدخل في مفاوضات مع الحكم البعثي ضاربا عرض الحائط بكل التحالفات والشعارات في وحدة المعارضة واهدافها في اسقاط النظام. وكثمن لهذه العلاقة الجديدة ولحقدهم على الشيوعيين خططوا لضرب الحزب الشيوعي، وبما انهم يتحلون باخلاق( الفرسان) فقد اختاروا الحلقة الضعيفة وهي المقر المركزي للحزب الشيوعي لما ذكرته فيه من خصائص.
كيف تمت العملية؟.
بالغدر.. نعم وليس بالخدعة التي هي اسلوبا مشروعا في الحرب. كيف ذلك؟.. كما قلت، رغم كل التشنجات فان الحزب الشيوعي ، ولاتخلوا القضية من اخطاء في الحساب السياسي، كان يعتبرهم حلفاء له وعقد الجبهة معهم مازال قائما(مثلما كان الامر مع البعثيين في عام 1978 .. الام اقل ان اوجه الشبه كبيرة) لكنهم كانوا يخططون لضرب المقر الرئيسي لاسيما بعدما اخذوا درسا آخر في نفس الوقت في قاطع اربيل،فهم لايستطيعون مواجهة مقاتلين. ففي تموز 84 وفي سهل <دشت> حرير اصطدموا مع قوة للحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي الكردستاني فخسرو المعركة مع انهم كانوا مدعومين من النظام بالسيارات والاسلحة < والكباب والببسي كولا!>..
ومما يؤكد صفة الغدر في اسلوبهم، فمن العجيب، والذي يدلل على الدناءة والخسة، هو انهم وفي طريقهم للتحشد لضرب المقر المركزي، كان طريقهم يمر عبر مقر لانصار الحزب الشيوعي في منطقة( رزكة) فكانوا يتخذون من المقر محطة استراحة لهم يتناولون فيه الطعام (من زاد وملح الشيوعيين). وهنا لابد من الاشارة، مع اني لااريد الخوض كثيرا في هذا الجانب الان، من ان الحزب الشيوعي كان عليه ان يتخذ بعض الاجراءات الاحتياطية. اولا لان العلاقات مع الجلاليين في تشنج مستمر وثانيا لانه يعرف ان <الطالباني> كان يتفاوض مع النظام البعثي وثالثا لان مقر (رزكة) اعطاه اشارات عبر فيها عن شكوكه لهذه التحركات. الا ان الحزب الشيوعي، ولاسباب عديدة تتعلق في وضعه الذي لاانوي الخوض فيه الان كما اسلفت، لم ينتبه الى المثل العربي القائل< احذر عدوك اذا كان جبانا>. وترك الامور كما هي، واثقا من ان حليفه لايمكن ان يغدر به. وفعلا ففي يوم المعركة الاول وحين بدأ الصدام في الصباح كان الانصار الشيوعيون يظنون ان الموقع يتعرض لهجوم من الجحوش( مرتزقة النظام) ولم يعرفوا ان من يقاتلهم هم الحلفاء في الجبهة.
واستمر القتال اربعة ايام مع ان الانصار الشيوعيين كانوا اقل عددا واضعف عدة اذ ان الجلاليين قد حصلوا حينها من النظام البعثي على معدات عسكرية متطورة< بنادق قنص واجهزة اتصال ورشاشات ثقيلة اضافة لعددهم الكبيرجدا.> والموقع ليس فيه قوات عسكرية قادرة على المواجهة فكما اسلفت هو كان موقعا خلفيا. وبدات ممارسات( الفرسان)، بعد سقوط الموقع والاستيلاء عليه ، في النهب <انفال جلالية> التي سيمارسها نظام البعث لاحقا على الكرد، فقد هبوا كالهمج مسرعين يتسابقون ليدخلوا احد المقرات(بولي) لينهبوه ، وقدخسروا في انفالهم تلك عددا من المجرمين حيث انفجرت عليهم الابواب المفخخة في ذلك الموقع كلها!!وبدات الممارسات العنصرية الفاشية في القتل على الهوية حيث اعدموا الانصار العرب الاسرى ميدانيا وبطريقة قذرة( جعلوا من بعضهم < حامد الخطيب ابو ماجد>. اهداف للرمي كما فعل عدي وصدام كامل والجبوري في المعارضين العراقيين.. مرة اخرى الم اقل ان اوجه الشبه تصل حد التطابق).
ان ماسردته من وقائع هو بسيط جدا امام ثقل الحدث واثره المعنوي والسياسي الذي انعكس على وضع الحزب الشيوعي الداخلي من بلبلة سياسية وارتباك في ادائه التنظيمي والسياسي لاستيعاب الموقف ومعالجته. فقد حدث ان عضو المكتب السياسي والقائد الفعلي للحزب انذاك في قوات الانصار كريم احمد* وقع في الاسر مع مجموعة من الكوادر والانصار ووقع على بيان سياسي مع الطالباني مما ازم الوضع الداخلي للحزب ومما عقد الوضع اكثر ان كريم احمد حين فُرض عليه ان يمارس النقد الذاتي امام اعضاء الحزب في جلسات تنظيمية عامة مال الى تبرير سلوكه وقدم تهديدات لمن يحاول ان يثير القلاقل داخل التنظيم . منذ تلك اللحظة ستبدا قيادة الحزب في تشديد المركزية والعقوبات والزجر والضغوط وبعض الاغراءات لتعديل المواقف وتهدئة الجو العام حيث سيستغلون اول فرصة ستتاح لهم في عام 1984 لطرد وابعاد عناصر قيادية من قاطع السليمانية( بهاء الدين نوري وملا علي) لانهم عقدوا اتفاق سلام مع قيادة الاتحاد الوطني هناك، ومع انهم كانوا يطبقون سياسة الحزب الا ان قيادة الحزب استغلت الموقف وعاقبتهم لاسباب تعود الى طبيعة نشاطهم العام داخل الحزب. وعلى ذات الخلفية وفي نفس العام ستستغل حادثة قتل لاحد الانصار من قبل نصير اخر( قصة طويلة ومعقدة) فاستغلت قيادة الحزب هذا الحادث وشددت من قمعها حتى بلغ لحد الاعتقال لبعض الاعضاء والكوادر الوسطية وتعذيب بعضهم حيث قتل احد الاعضاء تحت التعذيب.
كما اسلفت فان الحدث كبير والخوض فيه يفتح مواضيع ويثير شجون ولست بصدد ذلك الان، فقط اردت ان اذكر بهذه الحادثة الكبيرة والمؤلمة في مسيرة الحركة الوطنية العراقية،واثير بعض التساؤلات، فان مايثير الريبة بهذا الصدد هو الصمت المطبق للحزب الشيوعي عن هذه الواقعة فهو لم يعالجها بما تستحق من اهتمام في ادبياته ومنابره الرسمية، حيث اكتفى بالاشارة للحدث في احد مؤتمراته اشارة عامة كما انه لا يحيي ذكراها مع انه اعتاد على احياء ذكر مناسبات مماثلة. بالاضافةالى ان هذه الاحداث بالذات لها وقع خاص عند الانصار الشيوعيين، فهي تلح على ذاكرتهم ووجدانهم، فقد خسر الحزب فيها مايزيد على المئة من الانصار والكوادر الحزبية.
وفي ظني ان الصمت هذا يعود اولا لما كشفته هذه الحادثة من اشكالات في وضع الحزب الداخلي وقضايا تتعلق بالكفاءة القيادية وسياسة بناء واعداد الكادر وتوزيع المهام والمراقبة الحزبية والديمقراطية الداخلية واشكالات تنظيمية وفكرية اخرى مرتبطة بذات السياق. وثانيا تعود الى طريقة الحزب في ادارة علاقته مع الاطراف السياسية الاخرى وهي طريقة اتسمت بالمدارات والتبعية منذ فترة طويلة، منذ رفعه لشعار وحدة القوى الوطنية واعلائه وتقديمه على كل الاهداف والخطط وبطريقة خاطئة وغير متوازنة مع توزيع الجهد والاهتمام لحياة الحزب الداخلية وتوفير القناعة والاداء المشترك والمسؤولية الجماعية. فقد تكرس هذا المنحى من خلال اعلاء سياسة التحالفات على حساب خطاب الحزب السياسي وخطه العام ومن غير ان ترتبط هذه التوجهات بالاتفاق الداخلي الواسع. وهذا الاتجاه تكرس اكثر واكثر في المرحلة الاخيرة من حياة الحزب حين ازداد ارتباطه بالحركة القومية الكردية بشكل عام وبالتوجه السياسي والفكري القومي الكردي داخل الحزب بسبب اتساع وتقديم هم الشق القومي الكردي في المسالة الوطنية العراقية وتحول الحزب تدريجيا الى تبني صيغة ضيقة من الطروحات التي تقدم الاولوية للقضية القومية الكردية. ونسي الحزب انه حزب وطني عراقي يجمع في سياسته الهم العراقي العام. اقول اختصارا ان هذه الخلفية هي التي وراء عدم الاهتمام في هذه الذكرى وهذا الحدث. مداراة او خوفا- لاادري- من غضبة <المام والاستاذ> وتحت يافطة الحفاظ على الوحدة الوطنية وهو شعار مريب وسط هذا المعترك والصراع.
ان معركة بشتاشان هي كبيرة في كل شيء والاكثر في خسارة الوجوه الرائعة التي غيبتها مجاهل الجبال بغير قبور ولاعلامات, وهي امانة في رقاب من شارك في الاحداث وعايشها وعليهم ان لايتركوها تقع في مهاوي النسيان ومستنقعات الاهمال وعليهم ان يحيوها ويقولوا قولتهم في الحدث لكي يبقى دليل ادانة لايمحى في وجه من ارتكبه من المجرمين، وليكن درسا للقادمين حتى لاتقع بشتاشان اخرى ولاينتصب من منحدرات الصمت والمداراة مجرم جديد يحل مكان صدام والبعث كالطالباني وعصابته.
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست