ظواهر مخيفة في الشارع الكردي العراقي
Friday, 27/07/2012, 12:00
تكاد تكون كردستان ومنطقة بهدينان (بادينان) من المحافظات والمناطق التي يسيطر فيها الفاسدون إداريا وماليا وفنياً بل وخلقياً، على إدارة الحكم فيها. وخاصة منذ سقوط النظام الصدامي 2003م والى حد الآن.
فالشعب في كردستان يعلم أن السراق والمفسدين هم على شاكلة المافيا الايطالية، لا يستطيع كائن من كان إزاحتهم من الطريق ، لا عن طريق القضاء والعدالة لأنهم هم المفسدون والمرتشون إلا ما رحم ربي.
فعندما تسير في طرقات مدن اربيل والسليمانية ودهوك و زاخو _ الأحياء الراقية تحديداً التي يطلق عليها سكان السليمانية ودهوك : حي الفراعنة وحي الملايين، هذه الأسماء لم تطلق جزافاً، بل إنها حقيقة واقعة، وبعد سنوات ، سيصبح أبناء هؤلاء السراق والنهابين الساكنين في تلك القصور والفلل أبناء ذوات وأصول ، وان أصولهم ترجع إلى عوائل عريقة وراقية ، على عادة اسر الشيوخ والأغوات و أسر القاضي والمفتي وغيرهم من الاسر الارستقراطية في القرن الماضي، وأنهم جاؤا من المريخ وكوكب المشتري. والسيارات الفارهة وذات الدفع الرباعي(المونيكا) أصبحت بحوزة القاصي والداني منهم؛ فحتى الذين بنوا في مناطق التجاوز ترى سيارات البرادو واقفة أمام دورهم.
وعندما تراجع الدوائر الحكومية ترى ظاهرة الواسطة، والرشوة والمحسوبية، والروتين القاسي بدون مبرر، وهذا ما يستفيد منه الفاسدين والمنتفعين ، وينوء بثقله الكادحين وأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، فاسر الشيوخ والأغوات والذوات بقيت كما هي ، خرجت من الباب ودخلت من الشباك، فهم المسيطرون على الدوائر الحكومية والمقرات الحزبية لكل الأحزاب إلا ما ندر.
وظاهرة بناء الفلل والمزارع والمسابح خارج المدن، وخاصة على طريق اربيل مصيف صلاح الدين ، أربيل كويسنجق، مصيف صلاح الدين شقلاوة حرير، السليمانية طريق أزمر قله جولان، السليمانية سورداش دوكان، السليمانية عربت سيد صادق، دهوك زاويته سرسنك العمادية، دهوك سميل زاخو، من الأمور التي تؤرق المراقب الحصيف، فغالبية الأراضي الأميرية العائدة لوزارة المالية؛ تمت السيطرة عليها من قبل المسؤلين والإداريين و الحزبيين الأقوياء( من الحزبين الرئيسيين من الطالبانيين والبارزانيين وأتباعهم)، ومن أبناء القرى الواقعة على الطرق الرئيسية، وتم تسييجها بالأسلاك الشائكة وبنيت داخلها الفلل والمساكن والمزارع والمشتملات الراقية والمسابح ، التي قد لا تجدها في مناطق الشرق الأوسط ، بل قد تجدها في أوروبا وأمريكا فقط، والحكومة لم تفعل شيئاً تجاه هذه الظواهر المخيفة، والتي امتدت إلى الجبال والتلال والهضاب والسهول، حتى حدثت ما يسمى ( معركة التلال) بين المسؤلين السراق والنهابين الذين أفسدوا العباد والبلاد.
لذا أصبح الفرد العادي الكردي ، أو المصطاف العربي الذي يحضر إلى كردستان، لا يجد المكان المناسب لتقضية نهار او أمسية جميلة مع أفراد عائلته أو أصدقائه، فتم نهب كل شيء حتى الطبيعة، فقط بقي الأوكسجين لم يتدخل فيه المسؤلين، وقد تدخلوا فيه عن طريق ما يسمى بحماية البيئة، فشكلوا ألوية حماية البيئة، وهم أكثر من يدمر ويحرق البيئة!. وقبل هذه التسميات كانت البيئة جميلة ولا تحترق أشجار الغابات، بل الذي يجري الآن هو تدمير الغابات والأحراش من اجل بناء فلة أو قصر أو مزرعة لهذا المسؤول أو ذاك، وهكذا تحطمت الطبيعة الكردستانية ، بعد ان كانت قد تحطمت سابقا على يد علي الكيمياوي وأتباعه فرسان الأفواج الخفيفة(الجحوش الكرد أو فرسان قادسية صدام على حد وصف الانتهازي- عزت البريفكاني - في مؤلفه المهم فرسان قادسية صدام حسين )، وبعضهم يحرق الغابات والأحراش نكاية بالوضع السيئ القائم، كتنفيس عن كبته ومظلوميته؛ لأنه لا يشعر بأن كردستان وطنه، بل إنها وطن الفاسدين الناهبين الحاقدين المجرمين...!
وهناك ظاهرة أخرى، وان بعض من هؤلاء السراق والفاسدين يتهالكون على الذهاب الى الحج والعمرة بحجة غفران ذنوبهم، ويسدون الطريق على بعض المسلمين المستحقين للذهاب الى الديار المقدسة في مكة المكرمة ، عن طريق رشوة مسؤولي الحج والعمرة في وزارة الأوقاف، ودوائرها في المحافظات ، وبواسطة طرق المحسوبية، وتدخل قياديي الأحزاب العلمانية الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الأخر، فقط من أجل ذهاب أمهاتهم وزوجات أقربائهم إلى الديار المقدسة، وهذا لعمري لا ينقص من قيمة الركن الخامس في الإسلام ، ولكنها الحقيقة المؤلمة ؛ إلا إنني والحمد لله مسلم أتألم من شخص سارق يقول بأنه ذهب إلى العمرة كذا مرة، نعم أنا اعرف أن للمذنب والسارق والقاتل والزاني توبة عند الله قبل موته ، ولكن الذي يسرق مال الشعب، فكيف به أن يرد تلك المنهوبات إلى جميع أبناء الشعب الكردي والعراقي معاً، إنها لمصيبة وكارثة.
كان الكردي في السابق مثل العربي يتأفف من دعوة مضيفيه إلى المطاعم على عادة أهل بغداد والموصل والبصرة، على أساس أنها عادة تقلل من شيمة وكرامة الرجل العشائري، ولكنها أصبحت في المجتمع الكردي ظاهرة مخيفة، وخاصة في فصل الربيع والصيف عندما يأتي الاكراد المقيمين في أوروبا لزيارة وطنهم وذويهم، فلا يزورك لا أخوك ولا ابن عمك ولا قريبك ولا صديقك إلا بدعوته مع إفراد أسرته وأقربائه إلى مطعم راقي، ويقوم خدم تلك المطاعم الراقية بإلقاء أطنان من بقايا الأطعمة إلى المزابل، التي لكثرة ما يلقى فيها من الطعام تؤرق بعض ذوي الشأن، وفي اعتقادي أن بقايا الطعام والشراب في كردستان العراق فقط كافية لإشباع سكان القرن الأفريقي مجتمعين.
والأخطر من كلها ظاهرة التعازي عند الموت ، فأصبح لها أركان وشروط، وافتخار بمجيء المسؤولين الكبار السراق الى التعزية، ووقوف السيارات الفارهة ذات الدفع الرباعي ومعها الحمايات وأصحاب الزنود الفولاذية، كما ان النساء الكرديات من العوائل الراقية والغنية ؛ وبعضهن أزواجهن وأقربائهن سراق، يلبسون ملابس خاصة وأطقم ذهبية خاصة بمناسبات التعزية غير الفرح، وإذا مات مسؤول او ابن مسؤول او قريب مسؤول، فترى الناس سكارى في الذهاب عدة مرات الى حفلة العزاء ، وترى لسان حالهم يقول: بان هذا المسؤول الذي مات كان ملحداً وزنديقا وغير متديناً، ولكنه في التعزية يقول اشهد انه كان مسلما صواما قواما؛ وبعد خروجه من التعزية مباشرة يقول هو نفسه: بأن المسؤول الميت كان سارقاً ولصاً ولا يؤمن بالله ولا بكتابه ، انه النفاق الذي حذرنا منها الله جل جلاله في بداية سورة البقرة، وذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة، وكشفت كتابات الدكتور علي الوردي نماذج عديدة منها في المجتمع العراقي بعربه وكرده في كتبه العديدة.
المدير أو المسؤول يرافقه شلة من الموظفين والكوادر الحزبية ( على أساس انه شخص مسؤول) تاركين الدوام ومعاملات المواطنين للقدر بحجة التعزية، وأصحاب المعاملات يتأففون ويتضجرون ولا يطيقون فعل شيء إلا تكرار ( ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ، والآخرين يلتزمون الصمت ويحترقون في دواخلهم ، وبعضهم يتفوه بكلمات غير مفهومة حول الوضع السيئ الذي يعيشه المواطن الكردي، وإذا ما اقتربت منه لزم الصمت خوفا وهلعا من أن تكون من الحزب القائد( اليكيتي والبارتي حزب طالباني وحزب بارزاني)، أوالاسايش، أو الزانياري، أو مكافحة الإرهاب، أو الباراستن. وترى البعض منهم يدخنون السكاير بشراهة قتلا للضجر والكبت. أما إذا كان الميت إنسانا عادياً أو فقيرا ، أو لا يقرب بصلة للمسؤولين ، أو ليس من أبناء العشائر القوية المتنفذة في المنطقة: كالبارزانيين، أو الزيباريين، أوالبرواريين، أو النيرويين، أو الدوسكيين، أو المزوريين، أو السنديين، ( إشارة إلى قوة العشائر في بهدينان في مدن عقرة ودهوك والعمادية وزاخو حسب التسلسل المذكور)، فان كل من يحضرون لتعزيته لا يربون على أصابع اليدين، خاصة إذا من أهل المدن المذكورة، وليس من العشائر، وإذا ما سمع به بعض هؤلاء الذوات ، قالوا: رحمة الله عليه، ليس لدينا الوقت لتعزيته، وكان إنسانا مسلما عفيفا.
وهناك ظاهرة قيام بعض المتزلفين والمنافقين من أرباب السوابق( أغوات الفرسان (الجحوش) ، عملاء المخابرات والأمن والاستخبارات العراقية سابقاً) بالتحدث عن كرديتهم ونضالهم السري أيام الثورة الكردية، وهم في هذا كله يكذبون ويكذبون لكي يصدقهم الناس، وتراهم يتصدرون المجالس وحفلات العزاء والأعراس وغيرها من المناسبات!، والمناضل والمكافح الحقيقي لا يستطيع الكلام، أو لا يسمح له بذلك، الثورات يخطط لها العقلاء، وينفذها المتهورون، ويستفيد منه، أو يأكل ثمرتها الانتهازيون والوصوليون والمنافقون. والحزبين الكرديين الرئيسيين يصرفون آلاف الدولارات من خزينة شعب كردستان على ديوانخانات هؤلاء الفرسن الجحوش الانتهازيون الوصوليون ، وهم بالحقيقة الآن مستشارون في مكتبي زعيمي الحزبين الرئيسيين، ولا يهم كلام بعض المسؤولين الحزبيين، وبعض منظمات المجتمع المدني ! المرتبطة بالمخابرات الخارجية والداخلية حول محاكمتهم بحجة الأنفال وغيرها، أو أن العشائرية هي الداء المزمن للكرد على مر التاريخ، وأنها سبب نكبات الكرد، لأنها فقط للاستهلاك المحلي، ولذر الرماد في عيون أمهات وأخوات وأرامل وأبناء الشهداء.
ولكن الذي يحز في النفس ويؤلمها: أن هؤلاء الأغوات في نظر الناس هم الأنظف من المسؤولين الحزبيين والإداريين الحاليين، لان سرقات وفساد وطغيان وتخر صات هؤلاء الحثالى فاق كل شيء! .
أما ظاهرة الخادمات الأجنبيات الاندونيسيات والفليبينيات وغيرها من الدول الفقيرة، فيكاد مجتمعنا الكردي( الداخل في الحداثة من العشائرية مباشرة)، ينافس المجتمعات الخليجية في هذا الشأن. وقد قال لي مسؤول من هؤلاء بأن خادمته الأثيوبية تصلي، فقلت له ؛ احذر من أن تكون إسلامية! .
وكثير من نساء المسؤلين السراق والحرامية تفتخر بان لها كذا خادمة ، وتسير الخادمة ذات اللون الأسمر الداكن خلفها في الشوارع والأسواق للتباهي على أبناء جلدتها، وأطقم الماس والذهب تطوق عنق وجيد زوجة المسؤول، وشعر رأسها مصبوغ باللون الأصفر والأحمر حسب الموديل، أو تضع باروكة على رأسها إقتداءً بالممثلات المصريات والأجانب، ويكاد لون بشرتها في الحقيقة لا يختلف إلى حد كبير عن لون بشرة الخادمة السوداء ، ولكنه الغنى الفاحش المبتذل على حساب الشعب الفقير الكادح والمناضل؛ الذي سمح لهذه الطبقة الطفيلية بان تسير على رقابهم بحجة العاطفة والدجل والديماغوجية، والدفاع عن حقوق الشعب الكردي، والمادة 140...
عارف خالد شيدا نلي
كاتب كردي مقيم في المهجر
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست