من كان جزءا من المشكلة لا يستطيع حلها
Tuesday, 21/02/2012, 12:00
ليس بخاف عن احد بان الكتل السياسية الرئيسية التي لها كلمة الفصل في سلطة التشريع و النفيذ، تكون لها ايضا القدر المعلوم من الضغوط على القضاء في هذا العالم المليء بالمصالح الشخصية و ما فيه من الطرق و الصفات الوصولية و الانتهازية لنيل ما يطمح به الساعي اينما كان و بالاخص في موقع و بلد بعيد جدا لحد اليوم عن المؤسساتية في الحكم و التي تمنع فرض سيطرة شخص او جهة، كما هو الحال في الشرق الاوسط باكمله ايضا . اذن من كانت لديه كل تلك القدرات على التاثير، هي التي تخلق المشاكل الكبيرة و تفجر الحوادث و المآسي السياسية الاقتصادية و تبني الحواجز النفسية الاجتماعية بين مكونات الشعب المختلفة التركيب كما هو في العراق الماضي و الحاضر . كلنا على علم بان الافرازات التي نتجت من مسيرة العملية السياسية و ما دفع بها من المؤثرات القوية التي تراكمت منذ عقود ، انبثقت جراء تعامل الجهات المهيمنة على الحياة السياسية مع خلال الجزئيات التفصيلية المملة لما يخص الفرد و ما يجري على الارض، و هم راكعون اليها دون ان يرفعوا راسهم ليروا القضايا المصيرية الكبرى ولو لوهلة صغيرة، و هم يحملون تلك الخلفيات التي لصقت بعقلياتهم و تفكيرهم و ما يؤمنون به طوال هذه السنين العجاف من حياة العراق .
ان كان الواقع الاجتماعي الثقافي الاقتصادي العام دافعا لخلق الكثير من الخلافات ، فان المؤثرات و المصالح الخارجية المؤججة و المؤزٌمة لكل قضية و مضخٌمة للخلافات الحاصلة وفق المصالح المختلفة ليست باقل، و انما هي في اكثر الاحيان الخالقة لها و فارضة للعديد من التوجهات و تملي ما تريد على البعض و تحصر الاخر في زاوية لا يمكن النجاة الا بتنفيذ ما مطلوب منه .
ان المشكلة الكبرى تكمن في عدم الاحساس بوجود نسبة ولو قليلة من الثقة بين الاطراف، و في عدم وجود طرف محايد مخلص لهذا الشعب ، و كل ما موجود له مصالحه التي لا تمكٌنه تصحيح المسار و ايجاد الحل المناسب المرضي . الان الصراع وقع كما نرى هكذا ، و كل طرف له مبرراته في التحجج و في قراءة ما يفكر فيه حسب هواه، و يجد ما يحقق له اهدافه في زاوية معينة يعتمد عليها للمضي في اعماله، و القضايا و المشاكل و ان كانت من نتاج هذه الجهات نفسها الا انها هي التي تسعى ايضا و في نفس الوقت لايجاد المخارج الملائمة لانقاذ نفسها في الكثير من الحالات التي يفيدها حلها، الا انها تخفق في ذلك ايضا . حتما لكل قضية خصوصيتها و لكل طرف راي ضيق الافق و موقف يفيده فقط فيما يجري و على حساب الاخر ايضا، و في هذه الحال التوافق اصعب و بالاخص في المواضيع الحساسة الاستراتيجية التي تمس مستقبل الجميع . المعاصي تبدا من اصرار الجميع على توجهاتهم و لكل طرف استراتيجيته الفكرية العقيدية و خطوطه و اهدافه التي لا يمكن وفق ما يعتقده الا بانه على الحق و لا يحق له التوافق من دونها و التسامح من اجلها و ليس له القدرة على التساوم عليه او مفروض عليه المضي على ما يُعتقد من جهات شتى، و في احيان عديدة و من جانب اخر يخاف من قاعدته التي بناها على تلك الاسس التي تؤدي الى التعقيد و التناحر و الصراع مع الاخر اصلا، خوفا من فقدان المؤيدين له جراء اية خطوة لا تتوائم مع ما ادعاه من قبل ،و ليس له مبرر امامهم في التنازل عنه، و في جانب اخر ، ان ظروفه الخاصة تفرض عليه حسابات ربما تناقض ما تفرض على الاخر ادعاءه او الطلب به او تعاكس ما تتطلبه الظروف الموضوعية المحيطة به ، فتبقى المصالح العليا بعيدة المنال و غير مرئية او حبر على الورق عند هذه الزحام غير الطبيعية من الصراعات و التفاعلات اليومية المهيجة لكل الامور .
للحق نقول هنا ، ان الطرف الكوردي هو لحد الان ما يتافعل و يتعامل باعتدال و لازال بيضة القبان في العديد من القضايا و ليس كلها، الا انه ليس ببعيد ايضا عن اهدافه و امنيات شعبه، فهو الاخر يمتلك مساحة ضيقة للتحرك على الرغم من التنازلات العديدة التي ابداها ازاء ما تمليه عليه مطالب هذا الشعب المغبون، و كان يتصرف احيانا على الضد من المصالح العليا و الاستراتيجيات البعيدة المدى له من اجل تهدئة الامور و الحؤول دون انفجار الوضع الذي لا يكون في مصلحته ابدا خلال هذه المرحلة الحساسة التي يكونهو منضوي ضمن المعادلة، لذا لم يبق امامه اليوم و في هذه المرحلة المتنقلة بالذات الا ان ينطلق وفق استراتيجية جديدة فرضتها الظروف الموضوعية المستجدة على الساحة و المنطقة و الاقليمالمحيط بالعراق بشكل عام، و عليه ان يستهل مشواره الجديد من زاوية ما يهم الشعب الكوردستاني قبل غيره، ربما لبروز الخوف من بقاء ما تحقق على ماهو، و عليه ان يفكر فى الافق البعيد كي لا يكون الخاسر الاوحد في نهاية المطاف، و عليه سوف تكون المباراة القادمة بين الاطراف الثلاث و في ساحة متعددة الحكام و لم تثبت بعد القوانين الاساسية الخاصة بهذه اللعبة الجديدة و الحاسمة، للمواضيع المطروحة و الخطط المختلفة حسب توجهات كل فريق ، كما ينبغي يجب ان يفعل ما لم يفعله من قبل،و هذا ما يفرضه عليه مستقبل و خصوصيات الشعب الكوردي ، و من اجل خلاص نفسه النهائي من الوحل التي ابتليت به المنطقة و العراق نهائيا .
الطرف الكوردستاني هو الوحيد الذي جاهد و عمل كل ما بوسعه على ان يكون جزءا من الحل كما كان و كما طُلب منه ايضا ان كنا اكثر صراحةـ وفق نتائج التحليلات التي تفرض هذا القول، اضافة الى ان هذا الدور يضيف اليه ايجابيات كبيرة على المستوى العالمي عند الاستقرار و الامان و انبثاق الحلول للقضايا الشائكة من خلال عمله هو، و ان انعكست عليه هذه بالايجاب على المدى القصير فقط، وفق ما يجري و هو وسط ما يدور في المنطقة عموما و العراق خصوصا، وهو لا يزال في بداية طريقه الطويل،الا انه لم يحسم الاستراتيجيات الضرورية .
كل المحاولات جارية من اجل صنع و فرض موانع لعدم انزلاق الاوضاع وفرط العقد و حدوث الفوضى التي تخطط لها جهات عدة و خاصة الخارجية الاقليمية منها من اجل افساح المجال الاكثر امامها للتدخل المباشر و تحقيق ما ترمي اليه وفق المستجدات الكبيرة التي حصلت على غرار ما يحصل في الشرق الاوسط بشكل عام، و تغيرت المعادلات بشكل جذري و يجد كل طرف فاعل موطيء قدم له في هذه المرحلة المتنقلة لتثبيت اركانه و لفرض كلمته في الصراع الاقليمي العالمي .
ان كان الوضع العام و العقلية السائدة و النظرات المتباينة و المختلفة اصلا الى الامور العديدة ، و الوعي و المستوى الثقافي كما هو الحال في ظل الخوف و القلق المستمر و الشك و الريبة المسيطرة و التي نبتتها العقود الماساوية التي مرت بالعراق و اهله، و ما تغير كثير، و اثر بشكل تدريجي و جذري على الحياة العامة للشعب، و ملحوظ الان على طبيعة هذا المجتمع ، و هو ما يقوٌي و يكبٌر الخلافات و الاختلافات كما هو المبان و الواضح في جميع النواحي . فمن الطبيعي ان يعاني هذا الشعب من التناقضات التي وصل اليه وهو تائه في بحر من الخلافات و لم يجد الحلول الجذرية الحقيقية المقنعة لكل الاطراف .
ان اعتبرت جميع الاطراف من التاريخ، و اخذت بالديموقراطية الحقيقية كانسب وسيلة و انجعها من اجل الحل و التعايش السلمي، و في هذه الحال يحتاج الى الخلفية المطلوبة و كما هو الملائم الخاص به، ستبقى المعضلة الى حد ما من اختيار الالية المناسبة للطريق المتبع ، و هذا و كما معلوم لدينا غير متوفر، لذا ستواجه العملية في هذه الحال البعيد المنال ايضا العوائق الكثيرة و تسبب لها الانحراف و يُسهل عليها الاستغلال من قبل العديدين ايضا . الا انها الوسيلة الوحيدة التي لا يمكن ايجاد طريق اخر اكثر ملائمة منها ، من اجل التقارب و ضمان احقاق الحق و من ضمنه حق تقرير المصير لم يظن بانه يستحقه مهما كان جنسه و لونه و معتقداته و قوميته . كل هذا وسط هذه الضجيج و التخلف المسيطر على الاكثرية العظمى من الشعب و خاصة من ناحية تعرفهم على المباديء الاساسية للديموقراطية الحقيقية و الالتزام بحقوق الاخر و الحريات المطلوبة . الا اننا نعيد و نكرر بان الحل الجذري لا يمكن ا ن يكون متوفرا في هذه المرحلة التي نعيش لاسباب معلومة، و ان استمرينا على هذه الطرق و هذا المنوال التي نتبعه لم يحتمل مستقبلنا الا القليل من النتائج و اكثرها غير محمودة و منها ما تصلنا الى حافة الانفجار الكبير، و يحرق به الاخضر و اليابس، و لم تعرف نهايته مهما بذلت من الجهود .
من المعلوم، ان الظروف الاقليمية الحالية تدفع بنا الى الاعتقاد بان احتمال الانحدار و الفوضى و الوقوع الى الهاوية وارد في كل لحظة، و الهدف الرئيسي لكل المحاولات التي تبديها الجهات المختلفة و خاصة القيادات التي تحس جيدا بهذا الوضع من اجل الحؤول دون الهيجان و من اجل التهيئة و ارساء الارضية المناسبة لاتخاذ الخطوات الواقعية الصحيحة و الاستنا د على الديموقراطية و الاعتماد على الدستور و القوانين العامة لايجاد الحلول النهائية، ستكون الجهود في محله و تحتاج اليها جميع المكونات . الا ان هناك بالضد تماما من هذا التوجه، هناك من الاطراف السياسية التي تهتم بالمصالح الفئوية السياسية الضيقة، تصر على مصالحها من اجل ايجاد سبل الصراع و الذي وصل الى اشده بعد ثورات العصر المندلعة في المنطقة، و وصلت شرارتها الى باب البيت العراقي . المصيبة في الامر، ان تلك الاطراف الخارجية تستغل ما يتمتع به مكون ما في العراق من الاعتقادات و التقاليد و على سذاجته من اجل التفريق بينهم. و بعد دراسة ما تتمتع بها جميع المكونات العراقية من الاعتماد على العاطفة و البدائية في التفكير و النية الصافية و كنتيجة طبيعية لكل الخيبات التي اصيب بها من كافة الجوانب فانه يتميز عن غيره في ظروفه الاجتماعية العامة ، و هذه الظروف هي التي تفسح المجال الاكبر للتدخل في شؤنه سياسيا . شعب طيب لاخر الحدود، أُستغل تاريخه المرير و سلب حقه و اختزل كل ما له صلة به من الخصائص المميزة في دائرة الضرورات و الاحتياجات اليومية فقط، و هو لم يحصل عليها لحد الان كما يجب، على الرغم من التضحيات الضخمة التي قدمها، و هو لحد اليوم يعاني من شتى النواقص و لم يحقق امانيه، شعب غارق في العاطفة حتى النخاع، و هو خاضع للمؤثرات الروحية و الدينية لحد الرقبة، شعب غير متحد و مضاد للبعض و ينخر في نفسه حتى العظم في اكثر الاحيان، شعب ينسى بسرعة ما يحل به و لم يفكر بردع ما يمكن ان يتكرر يحقه، انه شعب يمكن ان يوصف بسمات شتى، و هو غارق اليوم في ثنايا ما يجري على ساحته الخاصة، و ربما ينسى التاريخ و يعيد ما جرى فيه بالشكل و الطريقة المختلفة و لكن بنفس التاثير و الهيمنة و الخنوع .
بهذا الشعب و بهذه الجهات السياسات المنبثقة منه، و بهذا التدخل و ذاك في شؤونه ، و بتاثيرات هذه المصلحة و تلك، فان الخلافات ستستمر و ستكبر و ستبقى المشاكل مستعصية لفترة طويلة ، الا ان الافاق غير مظلمة حد القتامة في السواد، و الوضع و المرحلة و ما يجري داخليا و خارجيا يحتاج للدقة و التمعن و الحسابات و الجراة ، و المهم هو احقاق كل الحقوق لكافة المكونات و من ثم سيبدا التعايش المؤمل برضا الجميع . و هذا لا يحصل الا بعقليات كبيرة مؤمنة بمستقبل البلد و المحبة للاخر بعيدا عن العقد المزمنة ، و عاملة من اجل سعادة و رفاه الجميع معتدلة الفكر و العقيدة، غير انانية و مطالبة بحق الاخر قبل الذات . فهل من جهات او قيادات تمتلك هذه الخصائص و السمات، ام الواقع و المصالح و العمل التطبيقي على الارض يُنسي المباديء و يطرح العقلانية جانبا كما يحصل اليوم و طوال هذه السنين التي مرت بنا . لنا ان نقول و نحزم في قولنا قاطعا بان من كان جزءا من المشكلة ولو بشكل معين و حتى غير مرئي لا يمكن ان تكون له القدرة على ان يتحلى بكل تلك الاخلاقيات و العقلانية الدافعة له بان يكون جزءا من الحل ، اولا يستطيع المشاركة في ايجاد الحلول اليوم على الاقل . لذا ، علينا ان نراقب و ننتظرايجاد الطرف الذي يمكن الاعتماد عليه، و وفق كل الاعتقادات بان الحل يكمن في خطوات و توجهات الطرف الكوردستاني شيئاما حسب ما اعتقد لانه يعيش شبه مستقل و له خصوصياته و ممارس لشيء من سلوك الديموقراطية المطلوبة في اقليمه، و هذا لا يمكن ان ينجح في هذه الاونة و انما بعد ان يحس بانه حقق ما يطمح اليه شعبه بشكل مرضي، و عندئذ لن تكون لديه مصالح كبيرة ليجبره على الانحياز هنا و هناك، و سيكون حكما و ليس خصما في جميع الامور، و في حينه يمكن الاطمئنان على الطريق السليم المؤمٌن للوصول الى الامن و السلام و الاستقرار في البلد .
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست