كيف تُستنهض العلمانية في منطقتنا ؟
Monday, 09/07/2012, 12:00
يقول فرج فودة: انكار العلمانية جهل بالحضارة الحديثة و اطلاق صفة الكفر على العلمانية جهل بالعلمانية و الدعوة لدولة دينية جهل بحقوق الانسان و المناداة بالخلافة الاسلامية جهل بالتاريخ .
اينما عاش الانسان فهو وليد مجموعة من السمات التاريخية و الموروثات المختلفة التي يتمسك بها محيطه، و هو يكون دائما تحت طائل التراكمات التاريخية ان لم ينقذ نفسه من الخروج من سلبياتها عند النضوج، و هو يتمسك في قرارة نفسه بالثقافة العامة الطاغية و ما تفرضه مرحلته التي يعيش فيها مهما تناقض مع ما توصلت اليه عقليته من عدم توافقه مع ما يذهب اليه من التنظير و التفكير و الاستدلال و الاستكشاف للمفاهيم التي يمكن ان يعتمدها في حياته، و مهما ضغط على نفسه في اية مرحلة من حياته ان يتقمص شخصية السلف و ما عاش فيه اجداده من الظروف المختلفة التي كانت فيه، و مهما ادعى ارتياحه من ماموجود فيه من التناقض بين الواقع و العقلية التي يتمسك بها على العلن فهو يعيش يومه و يمس المتغيرات و التطورات التي لا تقبل ما اعتمدت عند السلف من قبل من يقتدي بهم .
عندما يمتلك الفرد من الخصائص التي تدل على موقعه الاجتماعي الثقافي العام، ليس بشرط ان يكون من نتاج عائلته و محيطه فحسب و انما يمكن ان يكون حاملا من الافكار التي تستولد جراء احتكاك القديم و الجديد المتشابك و المتناقض دائما، لما يواجهه يوميا من المستجدات و التغييرات المتلاحقة التي تفرض نفسها دائما على البيئة التي يعيش فيها . و هذا القول و التوجه ينطبق نصا و روحا على المجتمع بشكل كامل و شامل ، و هو جمع لما يمكن ان يكون فيه مجموع ما يتميز به الفرد . ان تميزت بقعة ما بتاريخ ناصع و حضارة بارزة و ثمرات فكرية و علماء و مفكرين و بحقبات متميزة بالعقلانية، تكون لديها موانع لانتشار الشواذ و ما لا يتناغم مع الحديث، اي من المستحيل ان تغطي غيمة عابرة آتية جراء ظرف او مصلحة او ضغط ما او قاعدة شاذة برزت في ظرف طاريء سماء ارض الحضارات الى الابد و لا يمكن ان تستمر في المسار الخطا الى النهاية .
الحضارة ليست سهلة الخلق و الوجود و الانتشار و البقاء، بل انها نتاج عوامل لا يمكن ان تستولد من العدم، فهي المرحلة النهائية من نتاج المخاضات العسيرة للفكر و العقل و العمل و التوجه البشري، بوجود القاعدة و المباديء الاساسية و المستلزمات المادية الضرورية الخاصة بتلك المرحلة التي تساعد على استكمال الحضارة. لا يمكن نجاح اية حضارة في الولود و البقاء في ارضية غير ملائمة او في ظرف ناقص المستوجبات المادية و الفكرية، لا يمكن تصور حضارة وادي النيل و نجاح الفراعنة في ممارساتهم على الارض دون وجود النيل و لا يمكن بروز حضارة اليونان و الرومان بعيدا عن الاجواء العقلانية و الفكرية و الارضية المادية الخصبة لتلك الحضارة العريقة، و هكذا بالنسبة لحضارة وادي الرافدين التي لم يكن بالامكان خلقها دون الدجلة و الفرات اضافة الى العقليات و المستلزمات العقلانية و النخب و التوجهات الفكرية و اليات عمل مطلوبة.
المهم هنا ان يذكر، ان من تمسك بالامور و قاد المرحلة من حيث القوة المتعددة المطلوبة، و العقلية الفارضة للراي و الموقف كانت حسب مقتضيات المرحلة و التقدم المطلوب و السير نحو الاحسن كثيرا، كان من بين الفاعلين الجديين من الملوك و القديسين و حتى الاشرار و الظالمين ، و من بين الجمع الغفير من الاشرار تجد المتنورين العاملين دوما على ايجاد الطريق الملائم لخير البشرية، و هم المؤمنون بالحياة و المعيشة الانسانية الجميلة . لو نتعمق في التفكير لايجاد نوعية و شكل و توجه العقليات ماوراء تلك الافعال و الحضارات العظام نجد في نهاية الامر او نستنتج دائما ان العلمانية هي في اي شكل كانت من اشكالها وفق ظروف المرحلة و حسب المتطلبات المادية و المثالية لها و هي المؤمنة دائما بالحياة في الدنيا و العمل على التغيير نحو الافضل و تظافر الجهود من اجل التطور و النقلة النوعية نحو الامام، و هي الفاعلة الرئيسية و الدافع الاعظم لبناء الحضارات، و كلما تطورت و استنهضت العقلية و الفكر البشري كلما بنيت الحضارة و التطور فكانت سيادة العلمانية هي الغالبة دائما على الامور الحياتية، و رغم ان تسمية المفهوم حديث جدا الا ان الفعل و العمل و الالية التي عملت وفقهافي كل الحقبات تنطبق مع جوهر ما متفق عليه اليوم من مفهوم او مفردة العلمانية .
اليوم نرى و نتلمس و نسمع ادعاءات باطلة شتى تضفي صفات و جواهر و اشكال مختلفة مخالفة لحقيقة الكثير من المفاهيم بدوافع فكرية مثالية روحية مزيفة نابعة من الجهل بمكنونات الحياة و ما يتميز به العالم و ما يجب ان تكون عليه الحياة و الانسان و مصيره . فحلت الايديولوجيا محل الفكر العريق و الفلسفة و العقلية الانسانية الاصيلة في هذا العصر بالذات و في هذه البقعة من الارض و التي مدت العالم كثيرا بالنتاجات و الاكتشافات و ثمرات التقدم و اليوم تشغل العالم احيانا بافرازاتها السلبية، و لكنها تتراوح في مكانها دون حراك و لا يمكنها الخروج من وحل فضلات المراحل السابقة من تاريخ البشرية .
كانت الاديان في مراحل عديدة و في يوم ما منقذا لجماعات و مجتمعات من ضيم الجهل و ما افرزه التاريخ و ما فرض نفسه من اسغلال الانسان لاخيه بعيدا عن ما يفرضه النظام العام للحياة، و استندت زمر و مجموعات على افكار و قواعد و مباديء و هي جاهلة بمعانيها و بجواهرها الحقيقية قبل غيرها .
اليوم، و بعد طول الدهر و الحقبات و ما الت اليه الظروف البشرية و البقع المشهورة بالحضارات العريقة و في مقدمتها بلاد ما بين النهرين، نتلمس الفوضى و الرجوع الى عصور الظلام بمعنى الكلمة و العودة عن مقومات التقدم و التطور البشري و ما يخدمه .الجهل بالحضارة و ما تفرضه و تتطلبه، الغوص في القضايا و الاعتقادات و الدخول في متاهات لا نهاية لها، و السير على طريق الجهل و الابتعاد عن كل ما يخص الانسان على الارض، انه جهل بالتاريخ و حقوق الانسان و العلمانية و الحياة باكملها، انه انجراف وراء المجهول من كافة النواحي، انه يمكن ان نسميه الحياة في حلقة مفرغة و لا يمكن ان تسمى بمرحلة تاريخية لحياة الانسان في منطقتنا الا في جانبها المظلم ان لم نبالغ كثير .
لو قفزنا الى ما نحن فيه اليوم من الحياة السياسية الفكرية الثقافية العامة ايضا بعيدا عن سرد ما يتضمنه التاريخ، بعيدا عن الفكر و الفلسفة و ما نحن فيه من التشاؤم الذي خلقته الافرازات السلبية للمرحلة الانية القصيرة في ظل ما موجود والذي لا يمكن ان نسميه نظاما سياسيا بمعنى الكلمة، او من يديرونه بالعاملين و اللاعبين النخبة المتعقلين في هذه الاونة، انها مرحلة يتطلب الجهد و العقلية السليمة و الالية المناسبة لازاحة ماموجود بشكل مناسب و العمل على ايجاد الاليات المناسبة لتحضير و ايجاد الارضية بداية ليحل البديل، من اجل بدء المرحلة الجديدة المطلوبة لتصحيح مسار الحياة هنا ، و ليسجل التاريخ مرحلته بشكل طبيعي و يكون امتدادا للحضارة العريقة لبلاد مابين النهرين .
هل الجهل و التخرف و التخلف الذي اصاب الاكثرية ينهي نفسه بنفسه، اي انه يحمل مقومات انهاء و فناء نفسه في ذاته، وفق العديد من النظريات، ام على العكس من ذلك لا يمكن انهاء هذا جراء تاكل بعضهم لنفسهم بمرور الزمن و التقادم كما نسمع، الا ان العمل الهاديء و احيانا الانتظار خير وسيلة لفعل الاشتباك و التصارع لما موجود مع النفس في ثنيا عمل الزمرة المسيطرة، و للوصول الى الموت المحتم و الفناء و ظهور البديل، وهنا تستهل المرحلة المعبرة عن تراكمات التاريخ المنير و الحضارة و العقليات السليمة الحاملة لبذرة التقدم الاصلي . الا ان المهم هو التفكير على العمل الملائم في الوقت المناسب، و هو البدء في مرحلة بناء قاعدة استنهاض روح العلمانية الحقيقية بمعناها الواسع، و هي التي تكون مزيحة للافكار البدائية الجاهلة بالحياة و الحقيقة الانسانية و معنى المعيشة . و انني اتعجب اليوم من وجود الخلافات الكبيرة بين القوى المؤمنة بالحياة الانسانية و الانسان على العوامل الصغيرة في هذه المرحلة، و هم يتعايشون مع من يعمل على ابتلاعهم في اية لحظة و في اقرب فرصة ممكنة . انها مرحلة الوقوف على المباديء و الدوافع الكبيرة لاستنهاض العلمانية بمعناها الصحيح الحقيقي دون هوامش او اضافات مزيفة و دون غيرها و بما تحمل من اوجه، انها من اجل الانسان و مستقبله في هذه البقعة المعقدة من الارض و الشعوب على وجه الخصوص .
بداية، يجب كشف و استغلال زيف الادعاءات الكاذبة و المضللة لجوهر العلمانية التي تستغلها الجهلاء، من اجل بناء السدود المنيعة اللازمة امام انتشار الافكار الجاهلة و منعها من السيطرة الكاملة على عقل الانسان و سد الطريق امام امتداد التخلف و التضليل، و هذا يحتاج لجهد و فعل و اليات و تعاون و تنسيق بين القوى المتنورة الموجودة على حالها اليوم بين مكونات المجتمع و التيارات و التجمعات و الافراد و بعض الاحزاب، و الشعب ليس خاليا من المبدعين النخبة التي تفعل ما لا يمكن ان تقدم عليه الالاف من الهؤلاء المضللين الجهلة. العمل على الارض يبدا من خطوة التعاون و التنسيق و حتى الاتحاد و التوحيد للقوى القريبة من بعضها اولا و من ثم الاعتماد على الفرد و النخبة على خاصة .
الابتعاد عن المصالح الضيقة و الاغراءات و ما تقوم به السلطات السياسية و الدينية المختلفة،و تبدا الخطوة من حث الجماهير على اتباع ما يؤكدون عليه اول الطريق نحو الغيث، حض الجماهير المتنورة على الاحتجاجات المستديمة و الانتفاضات المتكررة استنادا على الفكر و الفلسفة الصحيحة و بيان و توضيح اوجه التخلف و ما تفعله القوى المظلمة من التخبط ، و ما اكثرها، و ما تصر عليه من استرجاع الشعوب الى حقبات الجهل و التخلف بمساعدة القوى المصلحية العالمية .
بداية الامر يستهل الفعل من توضيح ما تتطلبه الحياة و الجانب المستنير للعلمانية على ارض الواقع ولو بامثلة صغيرة بشكل سهل و سلس بعيدا عن الاختلافات العقيدية التي لا خير في الدخول فيها في مراحل معينة و منها اليوم، و بذل الجهد اللازم لاشراك النخبة في الاعمال و الواجبات المطلوبة من اجل العمل على كسب الجيل الجديد المتنور . لكل فرد و جهة و مجموعة و تيار و منظمة سياسية كانت ام مدنية دور خاص يجب ان يقوم به كي يضع حدا للفوضى و التخلف السائد، من اجل بداية سليمة و بناء جديد و بعقلية متنورة متفتحة بعيدة عن كافة انواع التشدد و التعصب الفكري و العقيدي و الفلسفي .
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست