داعش عدو الانسانية والحضارات
Tuesday, 03/03/2015, 12:00
عادت داعش ثانيةً لتقترف جرماً صدم ضمير البشرية، حين إرتكبت فعلاً وحشياً ضد أثار تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام. حيث طالت هذه الوحشية الأشخاص والتاريخ والذاكرة والثقافة، فبعد أن حرقوا الأحياء الأبرياء العزل، ونحروا العمال البؤساء الضحايا، أطلوا من جديد بدنية خسيسة جديدة، وهي محاولة محو وجه من أوجه الحضارة الإنسانية، وذلك بتدميرهم متحف الموصل الذي يعد صرحاً تاريخياً، بإعتباره واحد من من أقدم المتاحف العالمية قاطبة، بما يضم من أثار ومقتنيات ولقي أثرية تعود للحضارة الأشورية القديمة؛ حيث عمد هؤلاء الإرهابيين إلى تدمير كل أوجه الإنسانية، والسعي إلى تدمير كل الذين يحملون رسالة حضارة تشكل جزءاً من الفكر البشري والعالمي.
لقد هدف هذا العمل الوحشي الهمجي إلى سلب العراق هويته، حيث أقدمت الثلة المجرمة من عصابات داعش على جريمة أخرى تضاف إلى جرائمها المستمرة وذلك بإقتحام متحف الموصل الحضاري وتحطيم آثاره وموجوداته بعد أيام من حرق مئات الكتب والمخطوطات في تلك المدينة.
من نافلة القول، أن الإسلام يتجنب المساس بمشاعر الطوائف الأخري الدينية، وأن يبتعد المسلمون عن الطعن في ما تعبده الشعوب الأخرى من الأوثان والأصنام، مع أن الإسلام يحرم الشرك بالله سبحانه في ذاته وصفاته ولكنه مع ذلك يمنع سب هذه الطواغيت، يقول الله تعالي: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، و قد بين رسول الله صلي الله عليه وسلم في معاهدته لوفد نصاري نجران أن لا تهدم معابدهم ولا يتدخل في أمور دينهم.
لقد أعد خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد أن فتح منطقة الحيرة ميثاق لأهلها ينص علي أن لا تهدم بيعهم وصوامعهم، وقد أجاز بعض الفقهاء لمواطني دار الإسلام غير المسلمين أن يتخذوا فيها ما أرادوا من الكنائس وأن يظهروا بيع الخمر والخنزير فيها، ويجددوا معابدهم القديمة، ولا تهدم بل يسمح لهم بإتخاذ كنائسهم الجديدة.
إن تجريم القانون الدولي للتدمير الجائر بالتراث الإنساني للبشرية ليس وليد الساعة أو اللحظة، حيث عرف تقرير لجنة المسؤوليات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الأولى التدمير الجائر للمباني الدينية والخيرية والتعليمية والأثار التاريخية كإنتهاك لقوانين وأعراف الحرب، يخضع للملاحقة الجنائية. لقد وسمت إتفاقية لاهاي لقانون الحرب عام ۱۹۰۷ الممتلكات الثقافية بالممتلكات ذات الأهمية العظيمة للتراث الثقافي لأي شعب، كما حظرت المادة ٤ من إتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية عام ١٩٥٤ إستخدام هذه الممتلكات الثقافية ذات الأهمية العظيمة لأي شعب لأغراض يرجح أن تعرضها للتدمير أو الضرر، إلا في الحالات التي تستلزمها الضرورة العسكرية القهرية.
لقد حظرت المادة ٤ المشار إليها أعمال النهب والتبديد، والتدمير للمتلكات ذات الأهمية الثقافية العظيمة لكل الشعوب، وفي العام ١٩٩٨، وعلي سبيل المثال، عبرت لجنة حقوق الإنسان لمنظمة الأمم المتحدة، عن قلقها العميق بشأن تقارير عن تدمير ونهب وتخريب التراث الثقافي والتاريخي لأفغانستان، وهي دولة ليست طرفاً في إتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، وحثت جميع الأطراف الأفغان علي حماية ووقاية هذا التراث.
لقد أبرمت العديد من الإتفاقيات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تطرقت إلى إستعادة الممتلكات الثقافية المصدرة خلال الاحتلال، وعملاً بمعاهدة السلام بين قوي الحلفاء وإيطاليا في العام ١٩٤٧، أجبرت إيطاليا على إعادة الممتلكات الثقافية إلى يوغوسلافيا وأثيوبيا، فضلاً عن المعاهدة التي تم إبرامها أيضاً مع ألمانيا في العام ١٩٥٢، والتي ألتزمت ألمانيا بمقتضاها بإنشاء وكالة للبحث عن الممتلكات الثقافية التي أخذت من الأراضي المحتلة أثناء الحرب العالمية الثانية وإسترجاعها وإعادتها. لقد حث مجلس الأمن للأمم المتحدة العراق في عدة مناسبات علي إعادة كل الممتلكات التي أستولى عليها إلى الكويت، وشدد الأمين العام للأمم المتحدة في العام ٢٠٠٠ على ضرورة إعادة العراق لكل المحفوظات الكويتية والقطع التابعة لمتحف الكويت الوطني.
لقد نصت الفقرة ٤ من البروتوكول الأول لإتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية على أنه لا يجوز، بأي حال من الأحوال، حجز الممتلكات الثقافية كتعويضات للحرب، وفي العام ١٩٩٩ حين أكدت المحكمة الدستورية الروسية، على دستورية القانون السوفيتي الذي كان يرخص بحجز الممتلكات الثقافية المنقولة التي أدخلت إلى الإتحاد السوفيتي وأن هذه الممتلكات أصبحت ملكية أتحادية للأتحاد السوفيتي، عارضت أمانيا ذلك، وفي عدة مناسبات وفي أحد البيانات الرسمية الألمانية أكدت أمانيا أن: سرقة الممتلكات الثقافية أو تدميرها من قبل النظام النازي، ونقل الأتحاد السوفيتي للمتلكات الثقافية أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، هي إنتهاكات للقانون الدولي.
وختاماً، فإننا نؤكد أن ما قام به داعش دليل على جريمة ليس على العراق فحسب ولكن على العالم أجمع ولاسيما أن تهديم المتحف الذي يرجع تاريخه ومقتنياته إلى العصور المختلفة منذ نشوء الحضارات هي محاولة تهديم لحضارة كل الإنسانية، وأن حماية الإرث الثقافي العراقي يعد واجباً دولياً على الجماعة الدولية بأعتبار أن الإرث الثقافي يعد مكون أساسي من أمن البلاد.
وشيار عباس مصطفى
شام
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست