صحافتنا بين المسؤلية واللامبالات
Friday, 04/12/2009, 12:00
محمد واني
مهمة الصحافة ــ أو وسائل الأعلام بشكل عام ــ لاتقتصر على مراقبة أعمال الحكومة ومساعدتها في أداء وظيفتها بالشكل الذي يخدم المجتمع ويحقق أهدافه ، بل تشمل أيضاً نشر الثقافة الديمقراطية وتثبيت مبادئها والسعي الى أرتقاءه ــ أي المجتمع ــ الى مصاف المجتمعات الديمقراطية المعاصرة . وهذه المهمة شاقة تحتاج الى جهد جهيدوتفاني وعمل دؤوب بغية تحويل تلك الثقافة الى عرف اجتماعي سائد ، فالديمقراطية ليست سلعة جاهزة تستورد من الخارج ، سهلة المنال، بل هي عملية مخاض طويلة تحتاج الى عوامل موضوعية كثيرة لتتم الولادة بشكلها الطبيعي ، فمثلاً لايمكن ان تنجح العملية الديمقراطية في أي مجتمع ويحدث فيه التغييرالمنشود من دون وجود إندفاع حقيقي من قبل أفراده واستعدادهم للتغيير ، يجب أن يتهيء المجتمع للديمقرطية أولاً ليكون مجتمعاً ديمقراطياً حقيقياً ، مهمة الصحافة تكمن في هذه النقطة أي أنها معنية بتغيير قناعات أفراد المجتمع بأتجاه الديمقراطية ، ولم يكن بالأمكان ان تضطلع الصحافة الكوردية التقليدية بالمهمة لأنها في الأساس صحافة حزبية تمثل السياسة الحاكمة التي بسطت سلطتها على الأقليم بعيد انسحاب القوات "المركزية"الفاشية ، هذه الصحافة النمطية كان لها دور بارز في ترسيخ دعائم السياسة الحزبية وتأجيج الصراعات بين أفراد وشرائح المجتمع الواحد والمساهمة المباشرة في أشعال نار الفتنة الأهلية عام 1994التي كادت أن تنسف بالمكاسب الوطنية من أساسها ، وظل المجتمع الكوردستاني منذ ذلك الوقت يحكمه واقع سياسي ، حزبي"مغلق" من دون ان تسنح له فرصة حقيقية لممارسة الديمقراطية ، وقد خسرنا الكثير من جراء هذه السياسة الخاطئة ، كان من الممكن أن نتفاعل مع التطورات الجارية ونساير الوضع الجديد الديمقراطي الذي استجد ، وذلك بأستحداث نظم حكم وآليات سياسية أكثر إنفتاحاً على الجماهير ، ونساعد على انشاء صحف ووسائل اعلام حرة تساهم في تعميق الفكر الديمقراطي ، ولكن سرنا بنفس الطريق الذي اعتدنا أن نسير عليه ايام النضال المسلح وأستعملنا الأسلوب القديم نفسه الذي أثبت فشله في ادارة المجتمع المعاصر ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ؛ ما هي الأنجازات العظيمة التي تحققت في ظل السلطة الحزبية ؟ لاشيء ، فشل في بناء دولة مؤسساتية وفشل ذريع في السياسة الخارجية ، المكاسب التي تحصلت بعد 2003 تتبخر يوما بعد يوم ، على الرغم من تأثرنا النسبي جداً بالمتغييرات التي جرت في العراق ، فقد ظلت القيم الحزبية وسياساتها هي المهيمنة على كل مرافق المجتمع ومؤسسات الدولة منذ تشكيلها لاول مرة ، حتى أصبحت فيما بعد عادة أجتماعية يصعب الفكاك منها بسهولة ، وقد شاركت الصحافة بشكل مباشر في عملية التقهقر الى الوراء والمحافظة على القيم الحزبية ، فمن بين الكم الهائل من الصحف والمجلات التي تصدر في كوردستان والتي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالأحزاب الحاكمة ، يوجد عدد قليل جداً منها ، لايتعدى أصابع اليد الواحدة ، التي نستطيع أن نطلق عليها حقيقة "صحافة حرة "، والتي ظهرت على الساحة الأعلامية الكردية في بداية الألفية الثالثة واستطاعت من خلال طروحاتها الجريئة ومواضيعها الساخنة التي تمس حياة الانسان الكوردي وتطلعاته، ان تشق طريقها وتفرض وجودها بقوة وتستقطب الرأي العام الكوردي ، يكون لها دور ريادي في التصدي لحالة الجمود التقليدية الراهنة والمحاولات المستميتة من قبل السلطة الحزبية لأبقاء الوضع على ماهو عليه الى مالانهاية ، دون الأخذ بعين ألأعتبار رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة أو مراعاة المصلحة القومية العليا للشعب الكوردي ، وقد أبلت هذه الصحف الرائدة في سبيل ايصال المعلومة الهادفة بلاءً حسناً ، أرجوا أن تستمر وتواصل طريقها بنجاح ، لتصبح ظاهرة ثقافية أعلامية ، تحذوا الصحف الأخرى التي عادة ماتوصف بالحكومية حذوها ، بدل مجاراة الواقع وتنفيذ الأوامر "الحزبية" العليا وترديد نفس الأغنية المشروخة التي ظلت ترددها لسنوات من دون ان يكون لها تأثير يذكر على المتلقي .
كاتب كوردي /عضو الصحافة الهولندية
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست