هجمات PKK الأخيرة ، وخيار الحل السلمي

Thursday, 29/07/2010, 12:00


تصاعدت في الآونة وتيرة الاشتباكات بين حزب العمال الكوردستاني والجيش التركي أدت الى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح ، ويلاحظ أن هناك تطوراً واضحاً في تكتيك الحزب من حيث تكثيف حجم العمليات ، والتخطيط الدقيق لها ، والجرأة البالغة في تنفيذها ،وكون هذه العمليات قد طالت أماكن بعيدة جدا عن مناطق النشاط العسكري المعتادة للحزب ؛ مما لم يألفه المراقبون للمشهد السياسي والعسكري لهذه المنطقة ، ، فخلال فترة قصيرة نسبية فوجئ الجيش التركي بهجمة مباغتة وناجحة على قاعدة بحرية في الأسكندرونة أدت إلى مقتل وجرح العديد من الجنود وهجوم آخر بتفجير عبوة ناسفة عن بعد على حافلة عسكرية تقل جنوداً أتراك مع عوائلهم في ضاحية من ضواحي اسطنبول سقط فيها عدد آخر من القتلى والجرحى إلى جانب نصب عدة كمائن للدوريات العسكرية أدت كذلك إلى مصرع مجموعة من أفراد الجيش ، تمكن العمال الكوردستاني بهذه العمليات المكثفة من ايصال رسالة واضحة مفادها أن الخيار العسكري ما زال باقياً ، وأنه على الرغم كل الأزمات التي مر بها بعد أن تعرض إلى ضربات قوية وموجعة في تسعينيات القرن الماضي في كوردستان العراق التي أفقدته الكثير من قدراته العسكرية خلال الاجتياحات المتكررة التي قام بها الجيش التركي مع الدعم والتنسيق اللامحدودين من قبل المتحالفين معه في كوردستان العراق من أجل مصالح حزبية ، فإنّه ما زال لديه القوة الكافية التي تمكنه من الحاق الضرر بتركيا مما يعني أن حرب الأنصار الاستنزافية التي كانت نتيجتها - منذ أن أشعل فتيلها الحزب عام 1984 - خمسة وأربعين ألف قتيل ، عدا الخسائر الاقتصادية التي تقدر بمليارات الدولارات سيشتد أوراها من جديد.
وقد حدثت هذه العمليات بعد أن نجح الأتراك في نسف كل الجهود المبذولة من أجل ايقاف شلال الدماء ، سواء كانت تلك الجهود دولية أو غيرها وخاصة الألمانية في مطالبة الساسة الأتراك بوضع خارطة طريق لتسليم مسلحي حزب العمال أسلحتهم الى الحكومة التركية والقبول بتحويله إلى حزب سياسي مدني ، ولكن الأهم كانت جهود الحزب نفسه حيث رمى الكرة أكثر من مرة في ملعب الحكومة التركية فقد أطلق عدة دعوات الى الخيار السلمي والديمقراطي من خلال مبادرته الى وقف اطلاق النار من جانب واحد في نيسان عام 2009 وتقديم مشروع سلمي أعلنت القيادة السياسية ضمن بنوده السبعة القبول بالقاء السلاح بشكل نهائي والدخول في العملية السياسية في تركيا،مقابل الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكوردي ،ولإثبات حسن النية أرسل الحزب في تشرين الثاني من العام الماضي وفدا مؤلفا من أربعة وعشرين شخصاً بعضهم من الكوادر السياسية وعبروا نقطة الحدود (ابراهيم الخليل في زاخو) الى تركيا للتفاوض مع الحكومة في أنقرة بشأن السلام ، ولكن هذه المحاولات كلها جوبهت برفض تركي واضح وصريح بل على العكس من هذا الاتجاه طالبت أنقرة حزب العمال الكوردستاني بحلِّ نفسه وتسليم أعضائه جميعهم الى السلطات التركية والقبول بمحاكمتهم جميعاً كمجرمين وإرهابيين ولا شيء سوى ذلك !!
ومما دفع حكومة أردوغان الى اتخاذ هذا الموقف المتعنت الذي لا يخدم سوى الاستمرار في سفك الدم الكوردي والتركي معا وإغراق المنطقة من جديد في دوامة الحرب ، موقف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية من هذا الحزب بإدراجه ضمن القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية في العالم ، وهناك عامل آخر وهو العقلية والآيدولوجيا الطورانية المتطرفة للنخب العلمانية في المؤسسة العسكرية وغيرها التي تزايد على حكومة العدالة والتنمية وتتربص بها الدوائر ، ولا ننسى كذلك مصلحة فئة معينة من تجار الحرب في تركيا في ابقاء نيران القتال مشتعلة على الدوام .
فمع هذا الاصرار التركي على توصيد كل الأبواب أمام حركة سياسية عسكرية تعتبر نفسها الممثل الأكبر للشعب الكوردي في كوردستان الشمالية التي تحتلها تركيا منذ أن مزّق جسد الوطن الكوردي ساطور القوى الدولية في اتفاقية سايكس بيكو ولوزان وغيرهما ، مع هذا التشدد لم يبق أمام حزب العمال غير العودة الى القتال مجدداً .
لكن البعض وهم بلا شك من غير الكورد الذين يعانون من الظلم والاضطهاد يعلقون الآمال بالخطوات الاصلاحية التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مثل السماح بتعليم اللغة الكوردية في بعض مناطق كوردستان وفتح قنوات اذاعية وتلفزيونية كوردية تخضع لرقابة صارمة من الحكومة رسمت أمام العاملين خطوطاً حمراء تتجاوز في عددها وحدتها ما وضع أمام الاعلام التركي نفسه فأصبح واضحاً أن هذا الاعلام لا يمثل الكورد ولا يعبّر عنهم قط في حين أن المشاهد في تركيا كثيراً ما يجد أراءً منصفة للشعب الكوردي من قبل بعض المثقفين والمفكرين الأتراك في وسائل الاعلام التركية تطرح وجهات نظر مختلفة للخروج من الأزمة والشروع بحلها .
وعلى أية حال فإن قضية الشعب الكوردي أكبر من مجرد السماح لأبنائه أن يتحدثوا ويتعلموا بلغتهم بعد عدة عقود من التتريك الذي فرضه أتاتورك منذ عشرينيات القرن الماضي وما انفك الى يومنا هذا ، ويدعو بعضهم الكورد الى الحركة السياسية الواعية في ظل الدستور والقوانين التركية ، وكأنهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الدستور الذي أصّل للاتراك واباح لهم صنع سجن كبير لكل من كان قدره أن يكون في حدود هذه الدولة من شعوب وقوميات وصهرهم جميعاً رغماً عنهم في بوتقة الأنا العليا التركية التي لا تعترف بهوية ولا بلغة ولا عرق سوى العنصر التركي ، وليس هذا فحسب فإن سيوف من يسمون بحماة العلمانية مسلول ومرفوع على رؤوس الجميع ليحظروا هذا الحزب وتلك الحركة متى شاءت ارادتهم العلية ذلك !!
وهذه السياسية بل الاستراتيجيا الاستقصائية التي تصادر الحقوق القومية للكورد ولغيرهم من الشعوب التي تكونت منها تركيا الحديثة تشكل عائقاً كبيراً أمام قبول الاتحاد الأوربي انضمام تركيا إليه حسب ما يعلنه قادة هذا الاتحاد ، لذلك يرى بعضهم أن "اصلاحات الحكومة التركية" جاءت رضوخاً للضغوط الأوربية وبالتالي فإنها لاتؤدي دوراً فاعلاً في طريق التعايش السلمي بين شعوب تركيا ، لذلك فالأجدر هو القيام بخطوات ذاتية نابعة من قناعة سياسية بأن الخيار العسكري لا يمكن أن يؤدي إلاّ الى مزيد من الآلام والمعانات للجميع ، ومن الجيد بل الواجب أخذ العبرة من تجربة تعامل نظام صدام مع ملف القضية الكردية في كوردستان العراق ، حيث أن سياسة القمع والتدمير والارهاب لم ينتج عنها القضاء على الشعب الكوردي ولا على حركته التحررية ، وعلى انقرة أن تلفت الى ما يجمع شعوب تركيا من روابط مشتركة دينية وتاريخية وتستثمر ذلك للتقارب بين هذه الشعوب وخاصة بين الشعبين الكردي والتركي أكثر من الانصياع لشروط الآخرين .
وإذا كانت الحكومة الحالية تتعامل مع قضية الشعب الفلسطيني في غزة على أساس المسؤولية والواجب العقائدي والديني ، فتتحرك بقوة من أجل رفع الحصار ، وضحت بدماء أبنائها في سبيل ذلك ، فإنّ المسؤولية الدينية أيضا تلزمها بذل ما في الوسع من أجل وقف سيل الدماء بين الكورد والترك ، والعمل من أجل تحقيق العدالة ورفع الظلم عن كاهل الشعب الكوردي المسلم ، ببدء التفاوض مع مختلف فصائل الحركة الكوردية وخاصة (PKK) و(DTP) فهذا الخيار وحده هو السبيل الى تحقيق مصلحة الكورد والترك على السواء.
[email protected]

نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست


چەند بابەتێکی پێشتری نووسەر




کۆمێنت بنووسە