الفساد المالي والإداري وأثره على الأمن القومي

Monday, 02/08/2010, 12:00


لن أتناول شرح أنواع الفساد المالي والإداري في وطننا الحبيب فهو أوضح ما يكون ولا يحتاج إلى تعريف مني لأن رائحته الكريهة النتنة تزكم الأنوف أينما اتجهت يمينا وشمالاً، شرقاً وغربا، فقد عرفنا كل أشكاله وألوانه من فساد مقنن ومقنّع وأقصد بذلك الرواتب والنثريات الخيالية التي تستغرق ربع واردات كوردستان تقريباً كما أشارت الى ذلك بعض التقارير الصحفية - وانتشرت المحسوبية والمنسوبية والرشوة واختلاس المال العام بشكل فظيع ، وتفشت ظاهرة تحويل المرافق العامة في الدولة إلى مشاريع استثمارية تدُّر على فئة معينة مستأثرة بها دون بقية أبناء الشعب أموالاً طائلة تقدر بمليارات الدولارات ، وغير ذلك كاستغلال السلطة والنفوذ والتمييز على أساس الانتماء الحزبي الذي يفوق في درجته التمييز العنصري على أساس اللون عند حكومة (البيض) في جنوب أفريقيا قبل عقود من الزمن كل هذه وغيرها تجدها في وطننا الحبيب فالفساد انتشر فيه كسرطانٍ خبيث من قمة الرأس إلى أسفل القدم.
ولا يخفى على القارئ الكريم الآثار المدمرة للفساد على المجتمعات ، فإنّ انتشاره هو بمثابة ناقوس خطر يهدد الوطن ومن فيه، ويترك ظلالا قاتمة وآثارا سلبية على جميع مناحي الحياة ، لكنني أردت بيان أثره الفساد المدمر من زاوية واحدة فقط أراها تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها من قبل الكتاب والمثقفين وقبلهم وبعدهم الخبراء الاقتصاديين وهي التأثير الشديد على أمننا القومي كتهديد يفرض نفسه على الواقع الحالي بقوة وليس مجرد وهم وأكذوبة أو حجة لتصفية بعض الحسابات مع هذا أو ذاك ، كما يتشدقُ بالحديث عن الأمن القومي أصحاب غايات محددة وأبواقهم المأجورة هم أشد الناس خطراً على هذا الأمن المقدس.
وحتى لا يلقي كل واحد منا الكلام على عواهنه، نقول إنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فمفهوم الأمن القومي: يشمل كل المقدرات التي تبنى عليها قوة الأمم والأوطان من إمكانات عسكرية وقدرات اقتصادية ستراتيجية وغيرها، فليس لهذا المفهوم بعد واحد فحسب، بل له عدة أبعاد ليس أقلها البعد الاقتصادي، والذي يعني قدرة المجتمعات على الاحتفاظ بمصالح أبنائها الآنية والستراتيجية من شتى التهديدات، سواءً كانت خارجية أم داخلية، تتمثل بالعبث بالأمن الاقتصادي وضربه في الصميم من قبل الفاسدين الذين سرعان ما يشكلون مافيا منظمة تعمل على تخريب الوحدة الوطنية بخلق الفوارق الطبقية الهائلة بين شرائح المجتمع بطريق غير شرعي، ولا جرم أنّ أية محاولة للتقليل من شأن هذا العامل المهم وحصر الموضوع في عنصر واحد لهو جهل أو تجاهل وتضليل لإخفاء معالم جريمة الانقضاض على أسس بناء الأمن القومي، لذا لابد من بيان جوانب من آثار الفساد المالي و الإداري على أمننا القومي.
فكما لا يخفى على عاقل أنّ الفساد يؤدي حتماً إلى إضعاف روح المواطنة بين أفراد الشعب الذين تنهبُ ثرواتهم وتستباح من قبل قلة قليلة تحسب نفسها أنّ ما على أرض الوطن وما تحت ثراه ملك لها وليس لغيرها، وأثبت تاريخ الأمم وتاريخ الثورات أنّ من لا يشعر بالمواطنة الكاملة المحفوظة للحقوق جميعها لا يتحمس للدفاع عن الوطن كثيراً إلا بعد أن يتحرر من شتى صنوف الاستعباد والاستغلال الداخلي، ولدينا شاهد قريب جداً على هذه الحقيقة الكبيرة ألا وهو فساد صدام وعائلته، الذي كان ينهبُ أرض العراق من أقصاه إلى أقصاه، ويبني عليها القصور الفرعونية، لكن تلك الأعمال المشينة كانت معاول هدم لروح المواطنة عند الإنسان العراقي وسبباً رئيساً جعل من القوى الدولية الكبرى تتأكد أن الفرصة مواتية وآن الأوان لاحتلال هذه الدولة ، بعد أن تيقنت بأن لا أسوار تحول بينها وبين تنفيذ مآربها، ويعلم الأعمى قبل البصير وكذلك القاصي والداني وبشهادة المنظمات الدولية أن العراق وكوردستان أيضاً، لم تنخفض مستويات الفساد المالي والإداري فيها بعد سقوط نظام صدام بل على العكس تماما فإنّ المجال الوحيد الذي تطوّر بشكل هائل، وأصبحت هذه البقعة من العالم تتنافس على المرتبات الأولى من بين الدول والشعوب المسكينة على شيء واحد لا غيره ألا هو الفساد وحده.
وللفساد أثرٌ مدمرٌ في الأمن القومي من ناحية أخرى، وهي التأثيرُ السلبي القوي في التطوير بسبب ضعف أو عجز الميزانية للقيام بواجبات التنمية في أي مجال كان سواء الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية أو العلمية والتكنولوجية هذه التنمية الشاملة التي يجمع الباحثون في قضايا الأمن القومي على اعتبارها من المقومات الرئيسة والهامة، كونها تشكل قوة الوطن والشعب دولياً التي تستعصي على الاختراق.
وأخيراً وليس آخراً فإنّ الفساد كونه خيانة كبيرة ومكشوفة للبلد وأهله، تجعل من أصحابها بعد أن رضعوا من الحرام وأكلوا أموال الملايين بمن فيهم اليتامى والأرامل والمساكين من عوائل الشهداء أصبحوا لا يهمهم من أوطانهم التي انسلخوا منها انسلاخ الشاة من جلدها سوى مصالحهم المادية الضيقة، وشركاتهم المشبوهة، وعلاقاتهم التجارية المريبة، فلا يتورعون في الاتجار بالشعوب والأوطان والأسرار الأمنية الخطيرة للبلاد - إذا تطلبت تلك المصالح ذلك - لمن يدفع أكثر فكل شيء عندهم معروض للبيع والشراء، ولنا أن نتعظ بغيرنا فها هي تركيا كثيراً ما أعلن فيها على رؤوس الأشهاد وفي وسائل الإعلام عن فضائح ارتباط شخصيات سياسية كبيرة بعصابات المافيا الدولية وشبكات التجسس.
وبعد، ألا يستحق هذا الأمر الخطير (علاقة الفساد العكسية بالأمن القومي) منا الوقوف صفاً واحداً، وبأقوى درجات الحسم، لمعالجته من قبل كل الغيورين والمخلصين من أبناء الوطن، لا سيما معشر الكتاب والمثقفين ، قبل أن يستعصي الداء الفتاك على الدواء والمعالجة.
[email protected]

نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست






کۆمێنت بنووسە