البارزاني ومهنة التسول على أعتاب الباب العالي
Monday, 01/04/2013, 12:00
يقع المتابع لأحداث المنطقة في حيرة من أمره، لما يرى من تناقض في المشهد السياسي وتفنن في الفبركة الاعلامية وتسارع في التوظيف العلني لرأس المال السياسي العابر للحدود، الأمر الذي جعل من (مبدأ السيادة) سلعة يتداولها محررو الصكوك (الثورية) في إمارة قطر التي أخذت على عاتقها مهام التغيير الجذري في المنطقة الذي لم يكن مقتصرا على الجانب السياسي بل تجاوز ذلك لينطوي على السعي لإحداث تغيير مماثل في موازين القوى الإقليمية.
وذلك بالطبع ما تكتنزه مخيلة أمراء الدوحة الذين لا يفصلهم عن تجسيد تلك الطموحات على أرض الواقع سوى الشحن الطائفي الكفيل بتنمية الروح "الجهادية" لدى من لم يسبق له الإلتحاق في قوافل الإرهاب أو إيقاظ الخلايا التقليدية النائمة، ومن ثم ضبط الصولات (الجهادية) لهؤلاء وأولئك على إيقاع فتاوى القرضاوي والعرعور سعيا لوضع اللبنات الأولى لمشروع (دولة الخلافة) التي يباح بها سبي النساء وممارسة هواية الفتوحات لجمع الجواري والإماء.
ليس في الأمر هزل، حيث الورم الإقليمي المتعاظم لدويلة قطر كان قد دفعها للتخفيف عن كاهل الأمة اليعربية والنهوض بأعباء المهمة التي لم يفلح الأمريكيون في انجازها ألا وهي إجتثاث النفوذ الإيراني من المنطقة، عبر إعتماد قطر العظمى طرق غير معهودة على رأسها سياسة الأرض المحروقة التي ورغم ما يرافقها من مساوئ ألا أنها بالنتيجة ستسهم في خلق فرص ذهبية للشركات التركية في نهاية المطاف. تتمحور هذه السياسة حول إثارة النعرات الطائفية في مناطق النفوذ، وذلك ما عمل عليه المحور القطري/ التركي في الساحة السورية منذ سنتين إبتدأ في إشعال فتيل الصراع الدموي الجاري أو فتنة "الحرب الأهلية" كما أسماها د. عبدالله المنيع وقد رافقت عملية الإشعال استماتة من قبل المحور لإطالة أمد النزاع ما أمكن أملا في إستدراج القوى الحليفة لإيران : وبالتحديد (حزب الله) لتعميق دائرة النزاع في محاولة لتسجيل هدفين من ضربة جزاء واحدة .. كما لم يكن العراق غائبا عن المشهد فقد أخذ هذا المحورمتمثلا بأطرافه الأساسية وشخوصه الثانوية، أخذوا على عاتقهم إعاقة كل إنجاز من الممكن له أن يشفع (للحكم الصفوي) في بغداد، والتصعيد المبرمج لوتيرة الإحتجاج الشعبي (العربي السني) خاصة المناهض منهم للإنفتاح العراقي على إيران وممن يتوق شوقا لإعادة صفحات (قادسية صدام المجيدة)، طبعا مع ابداء الحرص على الطابع السلمي للتظاهرات أملا في استقطاب أطراف شيعية الى قافلة الرفض وتحاشيا لتشتيت قوة الإرهابيين عند تعدد جغرافية الجبهات في آن واحد.
العقلية الإستثنائية لأمراء البترودلار تسببت في تشكل هالة خطف بريقها أبصار بعض العوائل الطامحة لتأسيس إمارات مماثلة في محيطها القومي، الأمر الذي دفع بالعائلة البارزانية المعنية بالأمر لخوض غمار المناقصات السياسية في البازار التركي إقتفاء لأثر أمراء الدوحة وإقتداءً بتجاربهم الخيانية وإستغلال المناسبات لإبداء حُسن النية وتحقيق أعلى درجات التخادم مع أطراف المحور القطري/ التركي، فرغم الأوامر الصادرة للوزراء والنواب الكرد بمقاطعة حكومة بغداد، ألا أن البارزاني قد أبقى (الخال العتيد) هوشيار زيباري في منصبه دعما لرئاسة قطر للقمة العربية وخشية من إستفراد المالكي في اتخاذ قرار قطيعة ديبلوماسية تؤدي الى اثارة حفيظة أمراء الدوحة وعرقلة رحلة الطموح البارزانية . كما لم يقتصر الإنبطاح والتخادم مع دويلة قطر فقط، فالزيباري وبتوجيه من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني لم ينبس ببنت شفة حيال الترويع المتتالي للمدنيين الآمنين في كردستان العراق الذي يتسبب به القصف التركي بالمدفعية البعيدة المدى والطيران الحربي، فلم نسمع منه شجبا أو استنكارا رغم أن ذلك من صميم مهام عمل وزارة الخارجية، خصوصا القصف المدفعي الذي تلا دعوة الزعيم اوجلان لإيقاف إطلاق النار وبدء مرحلة النضال السياسي، بل من صميم الضمانات التي تعهد بها مسعود البارزاني لقيادات حزب العمال عبر وساطته غير النزيهة والمنحازة سلفا للأتراك .
وكما نجحت قطر في تسويق نفسها كـ (فرس رهان إقليمي)، سعت العائلة البارازانية للإستفادة من التجربة القطرية من خلال التشبث بأذيال تركيا للفوز بدور البطولة في مسلسل (الضد النوعي) الهادف لإفساد نضال (الأخوة الأعداء) في شمال كردستان (كردستان تركيا) خاصة وأن كاريزما الزعيم القومي (آپو):عبدالله أوجلان شكلت لسنين طوال كابوسا يقض مضاجع امراء العائلة البارزانية الذين لايمتلكون من المؤهلات سوى البصمة الوراثية والصدفة التاريخية التي نقلتهم الى واجهة الأحداث.. فقد كان لإصطفاف البارزاني اللصيق بالمواقف الأردوغانية المناوئة لطموحات الكرد في تركيا الأثر الكبير في إنتزاع رسالة أوجلان الأخيرة بالتخلي عن الكفاح المسلّح دون ضمانات حقيقية سوى التطمينات التي ساقها البارزاني الى أوجلان عبر رئيس المخابرات التركية والمصحوبة بتهديد مسعود البارزاني الواضح الى رئيس حزب العمال الكردستاني بالقول " أن عدم الجنوح للمباردة السلمية التركية يضطرنا الى الوقوف في الجهة المضادة لكم فالقضية سياسية ومعالجتها لاتتم عبر الخيار العسكري الذي أصبح خيار الإرهابيين في العرف الدولي اليوم".. لقد قالها البارزانيون لأبناء جلدتهم في الوقت الذي وضعوا كافة إمكانياتهم في خدمة الجيش الحر الذي تحركه الإرادة القطرية التركية .. التطمينات البارزانية للسيد أوجلان تبخرت هي الأخرى بعد تصريحات وزير العدل التركي سعد الله ارجين التي أعلن فيها .."اغلاق ملف محاكمة الزعيم أوجلان مشددا على أن إعادة المحاكمة أمر مستحيل".. ومثلما إستغفل البارزاني القيادات الكردية في الضفة الأخرى من كردستان، تجاهل أيضا القوى السياسية والبرلمان الكردي والشريك الستراتيجي في إقدامه على الإنخراط في الستراتيجية التركية وسياسة المحاور الطائفية والزج بالإقليم في ساحات الصراع الإقليمية دون التشاور المسبق مع أي من الشركاء السياسيين في الإقليم.. ناهيك عن التناغم مع أنقرة في مواقفها السياسية المناوئة لحكومة بغداد بل والإيغال في استفزاز حكومة المركز عبر السعي لإستخدام تركيا ممرا للنفط المصدّر من الإقليم دون الإتفاق مع بغداد.. والسؤال هنا: مالذي يأمله مسعود البارزاني من أنقرة لقاء هذه المواقف الإنبطاحية؟.. لاشك بأن جُلّ مايأمله هو إمارة بارزانية تكون بمثابة حديقة خلفية وسوق تجارية لشركات (الرجل المريض) تحضى بإسناد تركي عبر الضغط على القوى التركمانية والعربية السُنية في كركوك لإسناد ومباركة هذه الإمارة وضمان تدفق النفط عبر الحدود التركية بشكل كمي تقديري دون عدادات ودون رقابة رسمية أو شعبية على عائدات الإمارة البارزانية.
ليس أمير قطر وعميد العائلة البارزانية وحدهما من ورّطا نفسيهما بخلجات نشوة مفترضة وأحلام وردية ستؤدي عاجلا أم آجلا الى اسقاط ورقة التوت عن عوراتهما السياسية، بل تركيا هي الأخرى قد كشفت عن الذهنية الفاسدة للرجل المريض التي لازالت تهيمن على أجواء التعاطي التركي مع دول الجوار وبما يعكس استعدادها المطلق لمصادرة وجود الأعراق والطوائف الأخرى بذات الطريقة التي إقترفت بها المجازر الوحشية بحق أبرياء الأرمن.. فإلى الأمس القريب وبعد أن كلّت أياديها من الطرق على أبواب الإتحاد الأوربي الذي أوصد نوافذه بوجه تاريخها الأسود، دخلت تركيا المنطقة العربية ملتحفة "سياسة تصفير المشاكل" مع دول الجوار التي سرعان ما تحولت الى "سياسة تصفير الآخر/ الكرد والعرب".. كما أقبلت وهي ترفع على صدرها عنوان "صانع سلام إقليمي" وهو العنوان الذي لم يصمد طويلا أمام ما أفصح عنه إسلاميو تركيا من إحتراف إقليمي في تجنيد التطرف وصتاعة الفوضى .. ليس هذا وحسب، بل لاشك بأن التوجه التركي نحو المنطقة لم يكن صحوة ضمير بل بقصد التأسيس لقيادة إقليمية وهيمنة اقتصادية تمنح تركيا قوة ضاغطة على الإتحاد الأوربي في مسألة الإنضمام للإتحاد مستقبلا، ومع التسليم بذلك فالإندفاع التجاري التركي نحو المنطقة هو الآخر لم يعتمد آليات التجارة الحرة والمنافسة في عمليات خلق أسواق جديدة، بل يكاد يبدو واضحا اعتمادها آلية (الفتوحات الإسلامية) عبر إسقاط الأنظمة أو الإبتزاز السياسي لدول الجوار وبأنفاس سلاطين الدولة العثمانية في تعاملها مع المدن البيزنطية فيما مضى.
بعبارة أخرى، يتمحور الدور القطري/ التركي حول إشعال المنطقة بالحروب الأهلية التي من المستبعد جدا أن تخسر فيها ايران مواطنا ايرانيا واحدا، ناهيك عما تمتلكه من إحتراف وتأثير في حال إستدراج ايران لخوض غمار الحرب الطائفية ليس أقلّها الإنتقال بالحراك السلمي في البحرين والإحساء والقطيف الى الخيارات المسلحة وبالتالي فتح صفحة حروب الإستنزاف في المنطقة التي وفي حال النصر أو الهزيمة فلن تكون إيران مضطرة الى زج الجهد الوطني الإيراني في المحرقة مع وجود جهد طائفي أسهم خصومها في جاهزيته للإمتطاء. ويبقى السؤال قائما : أين مصلحة الكرد في إنخراط البارزاني في هذه اللعبة الإقليمية القذرة، الإصطفاف الذي يعكس الإستهتار العلني للبارزاني بالقوى السياسية في الإقليم والتي أقل مايفهم منها إيقاظ الحس الطائفي لدى الكرد الشيعة والدفع بهم الى اعادة جدولة الأولويات ما بين الإنتماء القومي والآخر الطائفي الدخيل على ثقافتنا القومية الكردية التي لم يتعرض كبريائها للشرخ إلا ما تسبب به تقافز أمراء العائلة البارزانية كالقرود مابين التسكع في حدائق قصور شاه ايران تارة، وأخرى في أحضان صدام لينتهي بهم الحال اليوم بالتسول على أعتاب الباب العالي؟.
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست