تركيا بين العثمنةــ والبراكماتية
Sunday, 03/01/2016, 22:32
(أن استثمارا حكيما ، منسجما مع التاريخ والواقع ، من جانب تركيا لتحولات ما بعد الحرب الباردة ، هو وحده الكفيل بجعل المستقبل يبتسم لها.) محمد نورالدين ــ تركيا في الزمن المتحول قلق الهوية والخيارات .
الموقع الجغرافي لتركيا قدم لها على طبق من ذهب الكثير من الامتيازات ، وقد استثمرت السياسة التركية ، وبلا شك ذلك بطاقته القصوى ، في سبيل مصالحها . وكان لانضمام تركيا إلى حلف الأطلسي . أن جعل من أمريكا الدولة الضامنة لأمن تركيا الدولة ــ الحديثة . ومما لاشك فيه ، أن الإرث التاريخي من الصراع والحروب ، بين السلطنة العثمانية وجوارها الجغرافي ، بلا شك كان حاضرا في ذهنية الساسة الأتراك عندما أقدموا على التقارب مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بالذات . وكان من نتائج هذا التقارب أن تلقت تركيا مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة ، وذلك وفقا لمبدأ ترومان ومشروع مارشال ، حيث استشعرت السياسة الأمريكية في الفترة التي عرفت بالحرب الباردة ، في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، ودخول الرادع النووي في الترسانة العسكرية للإتحاد السوفيتي ، بأهمية الموقع الجيوــ عسكري لتركيا . والذي كان من ثماره ما بعد ،أن استطاعت تركيا ومن خلال التعاون في منظومة الحلف الأطلسي من تثبيت (( 24 )) فرقة سوفيتية أمامها . إضافة إلى أنه (( وخلال الحرب الباردة ، لعبت تركيا دور الحصن المنيع لإيقاف توسع نفوذ السوفييت نحو مناطق شرق بحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط . )) ــــ أن الأهمية الجيوسياسية لتركيا ــ الدولة الحديثة يعود إلى أن تركيا تقع على مفصل يربط البر الآسيوي والأوربي عبر البوسفور ، وهي كذلك أقرب معبر بري يربط كذلك بين منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج وأوربا . وتركيا أقرب بلد أسلامي إلى مسلمي بلدان البلقان ، إضافة إلى الروابط التاريخية التي تربط بين الطرفين بغثها وسمينها ، والتي تعود إلى أيام السلطنة العثمانية . وموقع تركيا من منطقة بحر قزوين ذات الأهمية الكبيرة لما فيها من مخزون من النفط والغاز . وتركيا كذلك بلد أسلامي على علاقات جيدة مع إسرائيل ، وليست من دول المواجهة مع إسرائيل . وفيها جالية يهودية تشغل مواقع هامة في النشاط الاقتصادي التركي . حجم السكان في تركيا ، كان حاضرا في أجندة حسابات الولايات المتحدة وحلف الأطلسي ، وبسب هذا الحجم من السكان ، ونظام التجنيد الإلزامي ، الذي كان معمولا به ومنذ فترة الحكم العثماني ، كان ذلك عاملا مهما في بناء جيش كثير العدد ، حيث تشير الإحصائيات إلى أن هذا الجيش بلغ تعداده مليون جندي ، ناهيك عن أعداد الجند رمة والتشكيلات الشبه عسكرية الأخرى إضافة إلى قوى أجهزة الاستخبارات والمخابرات . وبمساعدة الدعم الأمريكي الأطلسي غدا هذا الجيش ثاني جيش في الحلف الأطلسي عدة وعدد ، وبلا شك زاد الاهتمام بالجيش التركي ، بعد سقوط الشاه وخروج إيران من المعادلة بين المعسكرين الغربي والاشتراكي . تلك هي العوامل الرئيسية التي كانت السبب في الاهتمام الأمريكي خاصة والغربي عامة بتركيا ، على أن نغفل أهمية ثوابت سياسة أتاتورك والتي تتلخص في عبارة (( سلام في الوطن ، سلام في العالم )) ــ أي مادامت تركيا بخير فالعالم أيضا بخير . والذي بني على قناعة أنه بالتعاون مع العالم الغربي فقط , يمكن ضمان أمن وتقدم تركيا ، إضافة إلى فكرة الانضمام إلى السوق الأوربية المشتركة.
أن الارتباط القوي ، الذي نشأ في عهد (( الجمهورية الأولى )) الكمالية بين المؤسسة العسكرية والحكومة ، كان سببه وعامله القوي ، هو أن المؤسسة العسكرية كانت ووفقا للعقيدة الأتاتوركية ، الحارس على النظام الجمهوري العلماني . ولأنها كانت المؤسسة الأم التي أوجدت تركيا ــ الدولة الحديثة . وكانت أحدى أهم ثوابت السياسة الخارجية عدم الانجرار في الصراع السياسي والعسكري في الشرق الأوسط ، وخاصة في الصراع العربي ــ الإسرائيلي . بل كان لاعتراف تركيا بدولة إسرائيل والتعاون العسكري الواسع والكبير بينهما ، عاملا مهما في انعزال السياسة التركية مع البلدان الشرق أوسطية العربية منها بالذات . أما على الصعيد الداخلي فقد كانت سياسة الانكفاء الاقتصادي سببا في الركود وانخفاض معدلات التنمية ، وقلة أن لم يكن انحسارا في الاستثمار ،وبالذات الخارجي . كل تلك العوامل والثوابت السياسية ، كان من إفرازاتها (( الذهنية التركية التي تدير ظهرها للعالم ، وانغلاق السياسيين والموظفين والديبلوماسيين والمثقفين الأتراك على الخارج . )) ـــ فيليب روبينز .
بلا شك أن الأفكار والرؤى السياسية هي وليدة ظروفها ، عليه فأن الثوابت السياسية في عهد الجمهورية الأولى،غدت لاحقا من أهم المشاكل والمعوقات التي تشكو منها بنية المجتمع ــ وكيان تركيا الدولة الحديثة . وسوف تعمل معرفتنا بها، على تفهمنا للتطورات التي ظهرت لاحقا في السياسة التركية . ومن تلك الإشكاليات نرى أن أهمها : ــــــــــــــــــــــــ
أولا :: ــ عسكرة الحياة السياسية حتى وصل الأمر إلى ذروته في انقلاب 12 / أيلول / 1980 . لقد كان لتدخل العسكر في الحياة السياسية ، والذي نراه أرثا عثمانيا أثقل كاهل التطور الذي كان من الممكن أن يحصل في ظل الديمقراطية ــ المقننة وفقا للمقاسات الأتاتوركية . حتى وصل إلى حد إسقاط الحكومات المنتخبة وفق القوانين المعمول بها ، ووفقا للدستور . فمن العجيب أن يتدخل جيش في الحياة السياسية في بلد ديمقراطي ؟. والجيش التركي هو الجيش الوحيد في المنظومة الأطلسية تدخل في السياسة على النقيض من ما نص عليه ميثاق الحلف .
ثانيا : ــ مسألة القوميات الغير تركية ، والتي ووجهت بالإنكار لا بل بالسعي إلى إلغاء وجودها وتعرضها إلى محاولات الصهر القومي .
ثالثا : ــ العلمانية وفقا للمقاسات الأتاتوركية والتي أظهرت العداء للإسلام . وكان ذلك عاملا هاما في ظهور التيار السياسي الإسلامي . بمثل هذه القوة ، واكتساحه لساحة اليمين القومي ــ مدرسة أتاتورك .
رابعا : ــ دور الدولة في الاقتصاد مما عطل تطور ونمو القطاع الخاص ، والاستثمار والذي كانت تركيا في أمس الحاجة أليه ، لأنها ليست ضمن نادي الدول الريعية ـــ النفطية ـــ بل هي بلد فقير بالموارد الطبيعية .
كان من نتائج تلك السياسات في الجمهورية الأولى، اضطرابات وانقسامات في الداخل ، بل حتى شبه حروب أهلية كانت تقوم بين ميليشيات ، وحتى منظمات الجريمة المنظمة ، بل أن المافيا التركية العاملة في التهريب ، غدت تسيطر على مفاصل هامة في عمليات التهريب على مستوى كبير عالمي . واقتصاد مثقل بالديون الخارجية وصلت في أواخر عام 1979 / م إلى 14.6 مليار دولار. و اندلاع الكفاح المسلح في كوردستان تركيا . وبروز التيار الإسلامي السياسي ، ومنذ سبعينات القرن الماضي ، والذي كان (( للحضور الطاغي للجيش ، أكان مباشرا أمن خلف الستار في الحياة السياسية واعتبار نفسه حامي النظام والجمهورية . )) سببا في ظهوره وبروز دوره . كما لا يمكننا إغفال إفرازات العملية السياسية ، والتي بدأت بانتخابات عام 1946 / م ، والتي انتهت إلى سيطرة حزب الشعب الجمهوري على الحياة السياسية .تلك كانت من ضمن جملة عوامل ــ على الصعيد الداخلي ، وعوامل خارجية تمثلت في ظهور الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ومن ثم الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها على المنطقة عموما ، والتي ظهرت في حرب الخليج الثانية ، التي دفعت بتركيا إلى قلب الأحداث تجلى في أولا قطع تركيا تصدير النفط العراقي عبر أنبوب ميناء جيهان ، وكان ذلك قرارا صعبا لبلد كتركيا . ومما لاشك فيه أن أمن تركيا كان أحد العوامل المهمة وراء ذلك القرار ، حيث أن امتلاك أي من البلدان المجاورة لــ ــ أسلحة نووية أو بالستقية (( صواريخ أرض ـــ أرض )) ، سوف يؤدي إلى اختلال التوازن السوقي على مستوى بلدان المنطقة بالنتيجة . هذا إضافة إلى سياسة الرئيس الراحل توركوت أوزال والتي سلكت منحى مؤيد للسياسية الدولية ــ وفقا للقرارات التي صدرت عن مجلس الأمن ، ومن جانب آخر فأن الرئيس أوزال كان قد قرر أن يضع كل بيضاته في السلة الأمريكية . وهنا لا يمكننا ألا أن نذكر أن تلك الأحداث قد رافقها أحد أكبر الأحداث السياسية في العقد الأخير للقرن الماضي ألا وهو انهيار المنظومة الاشتراكية وما تبع ذلك من تغير كبير على مستوى السياسة الدولية . ففي خضم كل تلك الأحداث ظهر مصطلح العثمانية الجديدة في السياسة التركية ،فهل كانت تهمة توجه للسياسة بالذات الخارجية التركية ، ومن هو رائد تلك الفكرة ، وما هي أطروحاتها ، وما هي تلك الظروف التي أدت إلى بروزها ؟ . فــ (( بعد سبعين عاما تنهار الكتلة الشيوعية ويتفكك الاتحاد السوفييتي ،وتنقلب مع حرب الخليج الثاني ، موازين القوى في الشرق الأوسط . وجدت تركيا نفسها ، فجأة أمام أخطار المسألة الأرمينية ، والمسألة الكوردية ( انطلاقا من شمال العراق ) وانكشفت أمامها جمهوريات شقيقة ، أسلامية ــ تركية ، في القوقاز وآسيا الوسطى ، وتشظت الكيانات السياسية في البلقان . دولة من ستين مليونا ، أكبر جيش أطلسي ، وجغرافيا تترامى أطرافها من البلقان إلى الشرق الأوسط والقوقاز ، وسط دول جديدة ناشئة ، صغيرة تتخبط في بحثها عن هوية ونظام سياسي ونمط اقتصادي جديد . تلقف الزعيم التركي توركوت أوزال ، البارع أبدا في أبتداع الأفكار والمشاريع وإطلاق المبادرات ، كرة الظروف الإقليمية والعالمية وطرح فكرة ((العثمانية الجديدة ))التي كان جنكيز تشاندرا ، المعلق المعروف ومستشار أوزال ، أبرز المنظرين لها . (( العثمانية الجديدة )) باختصار وتكثيف ، هي قيام تركيا بدور حيوي وفاعل في محيطها الممتد من بحر الأدرياتيك إلى سور الصين مرورا بالشرق الأوسط . أي تلك المناطق التي كانت في وقت مضى جزأ من الدولة العثمانية ، مضافا أليها الجمهوريات الإسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى . )) ــ محمد نورالدين .
ولقد تمثلت العثمانية ــ الجديدة في بعدها الداخلي بـــ (( ......... أطلاق محمد آلتان الأستاذ الجامعي وزميل تشاندرا في صحيفة (( الصباح )) فكرة (( الجمهورية الثانية )) التي تختصر بتعميم كامل للديمقراطية والحريات بما فيها حقوق الأقليات ( الكوردية أساسا ) في التعبير عن هويتها ، وتغليب النزعة المدنية في المجتمع على النزعة العسكرية التي استبدت بالجمهورية الأولى منذ تأسيسها وما زالت . )) ـــ محمد نورالدين
أن تسمية السياسة الجديدة ــ للجمهورية الثانية ــ بالعثمانية الجديدة ، نجده غير ذي فائدة ، وأنه لم يستطع أن يقد م أي شيء ايجابي لصالحها . لأن الإرث العثماني أثقل كاهل التعامل السوي بين شعوب الإمبراطورية نتيجة سياسة التتريك ، وأتباع نهج الإقطاع العسكري ونظام الجباية ، الذي كان فيه الكثير من الظلم والذي كانت تشكو منه خاصة الطبقات والفئات الفقيرة من الفلاحين خاصة . (( في الواقع أن شرطي الجباية الضرائبية وضبط الأمن اللذين حددا قاعدة الرعوية أو التابعية للسلطان ، ............................................. وكانت واسطة تأمين هذه العلاقة هي النظام الإقطاعي العسكري ، الذي جاء امتدادا لنظام ( إقطاع الاستثمار ) في الدولة ، ولكن بعد أن دخلت الخدمة العسكرية كمعيار في تعيين حجم الإقطاع منذ العهدين البويهي والسلجوقي ، فنشأ ما يمكن أن نسميه ( الإقطاع العسكري ) أو الحربي الذي ثبتته السلطنة العثمانية بصيغة التيمار والزعامات . )) ــ الدكتور وجيه كوثراني
كما أن الفترة التي حكم فيها سلاطين آل عثمان ، كانت مليئة بالحروب ومع أطراف عديدة ، أتت تلك الحروب بالويلات والمآسي على شعوب السلطنة . وقد كان لسوق الشباب إلى ساحات الحروب أسوأ وقع على العامة ، كما أن الإنكشارية لم يكونوا حسني التصرف مع العامة في أغلب الأحيان ، فالــ ( التاريخ الفعلي للسلطة العثمانية هو تاريخ عصبية عثمانية غالبة وتاريخ وسائل سلطوية . ) ــ الدكتور وجيه كوثراني . أننا نجد عقدة الغلبة ، والوصاية على الإرث العثماني ، حاضرة في الفكر السياسي ، للساسة الأتراك في دولة تركيا الحديثة ، بل على رأس أجندتهم في الغالب . ولم تزدها أطروحات التيار القومي ، التي امتدت من حركة تركيا الفتاة ، ألا غلبة في الساحة السياسية خاصة في عهد جمهورية تركيا الحديثة . والتيار القومي الذي نشأ في أواخر العهد العثماني . والذي كان يبغي تغيير الحكم والحاكم ، من دون المساس بالجوهر القومي الأساس ، وهو العنصر التركي . عليه كانت حركة سلطة ، ولم تكتسب الجانب الذي كان يوشح الحركات القومية الأخرى ، والتي كانت انتفاضات وثورات شعوب ضد سياسات قهر وظلم ، ولذا كانت تسعى لتأكيد هويتها الخاصة . أن حق الوصاية على الإرث العثماني ، والذي لم تستطع سياسة تركيا ــ الدولة الحديثة ، أن تخرج من إساره ، بل كان حاضرا عند الساسة الأتراك ، وقد تجلى ذلك في (( .......... ما تردد عن دعوة أوزال إلى ضرورة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات : عربية وكوردية وتركية ، بل عزمه تنفيذ هذا الأمر بوضع خطة عسكرية لاحتلال ولاية الموصل العثمانية ــ كركوك ، سليمانية ، أربيل ، دهوك ، والموصل التي تقطنها الأقليتان الكوردية والتركمانية بالإضافة الى العرب .)) ـــ الدكتور إبراهيم الداقوقي . أننا نعزي الكثير من مشاكل ، ومعضلات السياسة لدولة تركيا المعاصرة ، إلى القصور التاريخي ــ في بناء الدولة الحديثة ، وفقا أسس ومعايير ــ الديمقراطية الحقة ( وليس الشكلية وفقا لمقاسات العسكر ) ، وحقوق الإنسان . والدولة الحديثة التي ولدت في تركيا الحديثة ، كما هي في دول المنطقة والتي ولدت الدولة الحديثة فيها نظاما مشوها بسلطة العسكر ، التي أخذ العسكر في الدولة التركية الحديثة الوصاية عليها . كما نلاحظ أن عقدة الحق في الولاية على الإرث العثماني ، قد أورث السياسة التركية ، ما يمكن تسميته بسياسة القبرصة ، رغم فشل تجربتها الأولى في موطنها ــ جزيرة قبرص . حيث لم تستطع السياسة التركية ، أن تقنع أي دولة بالاعتراف بدولة قبرص التركية . بل أننا نلاحظ أنها زادت العقد التي تحكم علاقتها بالسوق الأوربية واليونان عقدة أخرى ، ليس من السهل تجاوزها . وعلى الرغم من أن مسألة ــ قبرص التركية قد حدثت في عام 1975 / م . وتلك الفترة كانت من الفترات الذهبية لأهمية تركيا في حلف الناتو ( الأطلسي ). وهي نفس الفكرة في مضمونها ، والتي طرحها الرئيس الراحل أوزال في أيجاد دويلة تركية في العراق . أن أهداف السياسة العثمانية الجديدة ، تصطدم وبلا شك بالجدار الروسي الذي يرتبط مع ما أسمي ببلاد الطوران ــ البلدان التي كانت ضمن المنظومة السوفييتية سابقا والناطقة بالتركية ــ لارتباطها التاريخي بروسيا القيصرية ومن ثم السوفييتية ، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية التي تربط الجانبين الواحد منها بالآخر . ويجب أن لا نغفل الإرث التاريخي من الحروب بين روسيا والسلطنة العثمانية ، كما أن روسيا ليست مرتاحة للتدخل التركي في مسألة البلقان لأنها تعد الحامية للكنيسة ــ الأرثدوكسية ( الشرقية ) . ومما لا يخفى أن وزن روسيا على الرغم من انهيار الإتحاد السوفييتي ليس بالقليل ، ولا يمكن لأية سياسة خارجية أن تضع تركيا وروسيا في كفتي ميزان واحد . لذا فأن الامتداد ووفقا لسياسة العثمنة الجديدة سيقف الدب الروسي بوجهها بلا أدنى شك وبكل قوته ، خاصة أن تركيا مازالت عضوا في الناتو ( الأطلسي ) . أن الصراع التركي اليوناني وطبيعته السوقية في بحر ايجة ومن ثم قبرص . تضع السياسة التركية أمام معضلات صعبة ، أن لم ترقى إلى عقبة كأداء أمام انضمام تركيا إلى السوق الأوربية المشتركة ، والتي ستضع تركيا أمام خيارات صعبة ، يتعلق بموروث ها في البناء السياسي لبنية الدولة التركية الحديثة . لأن خيار الانضمام إلى السوق الأوربية يوجب عليها ، معايير أن طبقت ستعرض الأسس التي قامت عليها ــ خاصة في التوصيف العنصري الوحيد لهوية الدولة التركية الحديثة .
أن سياسة براكماتية تعتمد العلاقات والمنافع الاقتصادية ، وحاجة السوق للبضائع والخدمات . والتي هي مواطن قوة في الاقتصاد التركي بعد التغيير ــ الذي أدخله الرئيس الراحل أوزال ، فالبضائع التركية معروفة بمواصفاتها الجيدة ، كما أن اليد العاملة وخاصة الفنية منها في مجال البناء وإنشاء البنية التحتية الأساسية للمدن مشهود لها بالكفاءة . وأن قرب تركيا الجغرافي بالنسبة لسوق الشرق الأوسط ، إضافة إلى الروابط العديدة الأخرى ، يجعل من الصعب منافستها. لذا نرى أن اعتماد جانب المنافع الاقتصادية ، وبالاستفادة من التجربة اليابانية التي تقوم على براكماتية اقتصادية ، في علاقاتها ومن خلال قنواتها العديدة ، هي الكفيلة وبشرط تجاوز عقد التاريخ على ضوء نفس التجربة اليابانية . نراها كفيلة بإقامة علاقة تربط تركيا ودول المنطقة ، وبالنتيجة سيجعل السياسة تتقارب إلى درجة كبيرة . وبلا شك نحن نرى تركيا جزء من الشرق ، ثقافة وتاريخا . وأن جعلها جزء من الغرب أن لم يكن صعبا سيكون مستحيلا على ضوء مستجدات الأحداث في المنطقة . ولا نعلم مالذي تخبأه لتركيا الأحداث القادمة ، سواء كانت في جانب السياسة الدولية أو الإقليمية ، خاصة أن التغيير الكبير الذي أذا حصل في الشرق الأوسط ، بتغير ولاية الفقيه في إيران ، هل ستبقي تركيا الموحدة ضرورة للأمن والسلم الدوليين ؟؟، أم سيحين الوقت لأحياء معاهدة سايكس بيكو؟؟، أم أن سير الأحداث هي التي سوف تحييها!
صادق الزهاوي
الاول من كانون الثاني
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست