حوار مفصل مع الشاعرة هالة حجازي حول ديوانها الجديد (قبلة حبر ) و الادب و الشعر بصورة عامة

بوتقةٌ من النور والديجور, حفنةً من ترابِ الوطن وردةٌ جفّت حاملةً عطرَ الذكريات و حُلماً شاهقاً كـَ نخلةٍ في السماء.

هوَ ذاكَ البرقُ يشقُّ صدرَ سمائي وذاكَ الرعدُ يسكتُ بهديرهِ أوجاعي يَعتلـي سماءَ أفكـاري فترى الوَدقَ يخـرجُ من خِلالِـه بُكاءَ نايٍ حزيـن أو لحـن فرحٍ رزين ينهمرُ على أرضٍ عطشى لا يملأُ شقوقَها سِواه, يجوبُ مرافئَ الذات ويرميني  كـَ حوريةٍ على  ميناءالأبجدية.

قبانية القلب, جبرانية العقل , حجازية النكهة ولا أستطيع أن أنسى صاحب الأمثال المتداولة والحكم البليغة والمعاني المبتكرة ،مالك ناصية البلاغة والبيان "المتنبي" صاحب الكبرياء والشجاعة والطموح ، لقد ترك فيي اثراً كبيراً وترك تراثاً عظيماً من الشعر البليغ.

الشعر الحقيقي هوانعكاس لموهبة فطرية تولد مع صاحبها وقد تتأخر في النضوج والتبلور حتى تتاح لها البيئة المناسبة، ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداع

الشعر قد يكون رأس الحربة في الإبداع الادبي وهو العامل الرئيس في صنع الفعاليات الإبداعية في العالم , هو القادر على الارتقاء بالروح بأبسط الوسائل ، هو ذاك الينبوع الذي لا ينضب مَعينه من قيمٍ إبداعية وجمالية على اختلاف هيئاته وصوره التي يتشكل بها تبعاً لاختلاف الزمان الذي يُبعث فيه.

إن الموهبة هي استعداد فطري للإبداع وهبه الله للبعض من البشر, لكنها لا تكفي وحدها لتُنتجَ مادة تبقى خالدة عبر الأجيال والعصور بل يجب صقلها وتطويرها من خلال بيئة داعمة محفزة ولا نستطيع أن ننكر أن هناك بيئات تقتل بذور الموهبة حتى قبل أن تتبرعم.

علينا أن نتفق أولاً على مصطلح الأزمة ، نحن أمة لو قراءنا تاريخنا بتمعن لوجدنا أنها تحيا على الأزمات فبعد كل كبوة تصحوا وتنهض ولا تزيدها الأزمات إلا ابداعاً وإن كان واقعنا الراهن لا يسجل أرقاماً تذكر في سجل ابداعات العصر لكن الحال لا يخلوا من ومضات، بهذا المنطق نستطيع أن نسقط المعنى السابق على الشعر فطالما كان الشعر توثيقاً لحياتنا ومن هنا نستطيع أن نقول أن الشعر العربي يمر بأزمات وليس أزمة وهي ذاتها الأزمات التي يمر بها الإنسان العربي في هذا الزمن.

إن إحدى الأزمات تكمن في آلية التعاطي مع النص الشعري فالمهم أن نحسن القراءة والتأويل عوضاً عن التنظيرات والتصنيفات وهي أزمة يعاني منها الانسان العربي ذاته فكثُيرنا لا يفهم كثيرَنا

لا يمكن للشعر أن يتعافى من تسونامي الأزمات إلا اذا كان من يقرضه أو يسمعه معافاً من أمواجها، وإلا لكان هناك انفصام في الشخصية العربية التي يعتبر الأدب أحد أهم الخطوط التي ترسم ملامحها٠

لكن هذا لا يعني إنعدام الابداع فمثلما كان هناك شعراء مبدعون في الزمن السابق ففي عالمنا المعاصر شعراء مبدعون  يعيدون تشكيل معاناتهم ومعاناتنا بصورة شعرية تنبض بمشاعر الكثيرين ممن لا يستطيعون التعبير عنها ليصنعوا منها أداة للتغيير أو منبراً للاصلاح بشكل مباشر أو غير مباشر ، وهنا فقط يستطيع الشعر أن يحقق غايته وينتقل من حالة الترف الأدبي إلى حالة الشغف الواقعي.

تُسمع من تحت أجنحة روحي  همهمات طفلةٍ تستيقظُ من حين الى آخر تُمازح قلب الأنثى وتحاور عقل الرجل لتنتشي بالفرح والحبور ومن ثم تعود لتتلحف طفولتها من جديد.

إنّ الطبيعة السرمدية هي التي أخذتني منذ طفولتي الى عالم التأمل والخيال ولعلها السبب الغامض والسر الكامن وراء هذا المد الشعري الذي غمر شواطئ  هالة الطفلة والإنسانة

من خلال نافذة الإحباط ينسجُ الوجعُ خيط إبداع ليصبحَ بطلاً إسطورياً نعيش معه في حياتنا اليومية، ومن الإنفاس المخنوقة يتنشق هذا البطل عبقريته ومن بين السواد الحالك الذي يحيط بأحاسيسهِ ووجدانه يستطيع أن يميز النور، ومن رحم المعاناة سيولد الإبداع.

أليسَ جميلاً أنْ يَخترقُني الحِبر

وينتحرُ فيَّ النَبض

ويَهديني نَبيُّ الحرف

ليكون القلمُ فَريضةْ

والشعرُ صلاةْ

والخشوعُ قصيدةْ

هاله الانسان تحتكم إلى العقل والواقعية بينما هالة الشاعرة  يأخذها الخيال لمساحات من الحرية الواسعة  تمارس فيها كل ألعابها الوجدانية.

لا يمكن لناقد أن يقرأ إنساناً مهما بلغ من العلم ، ربما يستطيع أن يقرأ جانباً ويسهو عن جوانب ، وقد يعثر على سقطة أو شذرة في إحدى الزوايا لكنه أبداً لا يستطيع أن يتفحص كل الزوايا، وهذا الكلام لا ينطبق فقط على هالة الشاعرة الانسانة وإنما على كل شعراء الأرض الذين يمتلكون ملامح إنسانية

من وجهة نظري هي التي تُجسد الصورة وتحرك الخيال والعواطف بكل ما في هذا التجسيد من معان عميقة تمتع العقل وتتعب القلب.

الشعر هو الذي ينفخ فيّ الروح ويهبني من رحيق أنفاسه نسمة تصهد في عروق دمي

هو رئتي الثالثة التي أتنفس منها حرية الكلمات

فعليكَ أن تتخيل ماذا يفعل بي إن فقدته!.

قد تحدث ابنَ الأثيرِ عن المتنبي فيقول فيه:" إذا خاضَ في وصفِ المعركةِ، كانَ لسانُه أمضى من نِصالِها، وأشجعَ من أبطالِها، وقامت أقوالُه للسامعِ مقامَ أفعالها، حتى تَظُنَّ أنّ الفريقينِ قد تقابلا، والسّلاحين قد تواصلا"

نعم فبعض الكتابات غيرت قوانين ومجتمعات وأشعلت ثورات.

في بادىء الأمر بعض الأساتذة  في المدرسة , كنت في العاشرة من عمري قارئة نهمة للقصص والمجلات.

حال الأدب في لبنان باذخة منذ القدم وهذا البلد الصغير الذي أدهش العالم بجماله وطبيعته الخلابة التي تُعد قطعة من الجنة على الارض قد إنعكست في نتاج أدبائه وشعرائه ونبغ العديد من الشعراء فأعطوا للبنان هوية خاصة في خلق الإبداع شعراً ، فكراً , أدباً

من رحم الوجع يولد الابداع فالشعراء اللبنانيون دائماً يجعلون من الثمانية والعشرين حرفاً أزاميل ينحتون بها قصة أسطورة في جسد اللغة وأرومة في تاريخ الشعر.

الشعر المعاصر مندفع بقوة وسوف يحتل مراكز رفيعة في أدب العالم ، وكما يقال لكل زمان دولة ورجال.

أنا أعشق وأتذوق الكلمة الجميلة في كل أنواع الشعر فهي تحرك سُفن مشاعر هالة الانسانة ولكن أفضل الشعر الحر الذي يعتلي شهوة أفكاري ويحررني من قيود الوزن والقافية الموحدة التي أحياناً تخنق الأحاسيس.

وهل يتعب العاشق من عشقه

لغتنا العربية غنية بمفرداتها وقادرة على أن تمد الشاعر أو الكاتب بذائقة جمالية فلم لا أنتهز مكنوناتي جميعها.

الشعر هو ذاك الإحساس النابع من معين المشاعر ومن تلابيب الروح فهو ملاذ بحد ذاته في عالم الكلمة والفكر وهو الذي يضعنا وجهاً لوجه أمام تفاصيل التجربة الإنسانية بكامل أبعادها فهو دائماً عليه أن يحمل في طياته فكراً ورسالة يبثها في عين القارىء بكل سهولة ويسر، وهل تعتقد أن الغموض هو من يعطي القصيدة قيمتها؟

يزداد جماله عندما اكون في أحضانه ولكنه يزداد وسامة عندما أكون بعيدة عنه .

معاناتنا من الخيال أقل ضرراً من معاناتنا من الحقيقة وكل شيء نتخيله نحاول دائماً أن نجعله أجمل من الحقيقة.

نعم , فالرجل الصادق الصدوق على ما أعتقد هو أكثر إحتواءاً .

غيمةٌ بيضاء تُمطر على أرضٍ عطشى.

سأتامل أكثر بسؤالكَ وأتساءل أنا ايضاً،  فمن يتفرغ لاحصاء إنجازاته لا يحالفه الوقت لإنجاز ما عليه إنجازه.