استراحة محارب

Saturday, 13/03/2010, 12:00


لاسباب تتعلق بالانقسام الذي حصل في صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني وخروج نوشيروان مصطفى وانصاره من الحزب، والتأثير السلبي لهذا الانقسام على الموقف الانتخابي للاتحاد، فان الارقام التي اظهرتها النتائج الاولية لاصوات الناخبين في انتخابات مجلس النواب في السابع من اذار، تشير الى ان مرشحي الاتحاد الوطني الكردستاني تعرضوا الى خسارة في اربيل ودهوك ومناصفة مع حركة التغيير في السليمانية وفوز في كركوك. والنتائج غير الرسمية نفسها تشير الى فوز مرشحي الحزب الديمقراطي الكردستاني في اربيل ودهوك وخسارة في السليمانية وكركوك، وبروز قوائم اخرى كان حضورها غير فعالا قبل الانتخابات مثل الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية.

وحسب الارقام الاولية، فان حصة التحالف الكردستاني من المقاعد في البرلمان العراقي تتوقع ان تكون بحدود 62-68 مقعدا على صعيد اقليم كردستان وبقية المحافظات ومنها نينوى التي تمتلك اكبر عدد من المقاعد بعد بغداد 31 مقعدا، وتتوقع ان تكون حصة الديمقراطي من ضمن التحالف 26-28 مقعدا، الاتحاد الوطني 14-16 مقعدا، التغيير 12-14 مقعدا، الاتحاد الاسلامي 4-5 مقعدا، والمجموعة الاسلامية 2-3 مقعدا، كما تشير اليها النتائج غير الرسمية.

ونجد في هذا المشهد النيابي، ان الاتحاد الوطني تعرض الى خسارة تقدر بنصف حصتها السياسية على الساحة الكردستانية، وهذه الحصة المنشقة عائدة الى حركة التغيير التي فرضت وجودها السياسي في المناطق الواقعة تحت نفوذ الاتحاد الوطني المتسمة بمساحة كبيرة من الحرية والتعبير الحر في الرأي مقارنة بمناطق نفوذ الديمقراطي الكردستاني في اربيل ودهوك والوحدات الادارية المحيطة بالموصل، وحجزت الحركة لنفسها كتلة نيابية في برلمان كردستان ومجلس النواب العراقي لا يستهان بها.

ولاهمية المعادلة السياسية للاصوات وفوز المرشحين في العملية الديمقراطية النيابية التي جرت في اقليم كردستان، نجد ان محافظة اربيل سجلت لنفسها تأثيرا فعالا وحضورا رئيسيا في المعادلة الكردستانية لتحديد المصير السياسي والبرلماني للاحزاب في الاقليم وفي العراق، وهذا ما نجده في نتيجة فوز مرشحي الديمقراطي الكردستاني وخسارة مرشحي الاتحاد الوطني، ولو ان بعض المحللين الكرد يشككون في هذه النتيجة لاعتقادهم بان الديمقراطي في اغلب الاحيان يلجأ الى التزوير في مناطق نفوذه لضمان فوزه في العمليات الانتخابية، وبغض النظر عن هذا التاويل، وعدم اعتراض الاحزاب على النتائج المرفوعة من محطات التصويت، فان هذه النتيجة ستعطي زخما كبيرا للديمقراطي بان يحجز لنفسه مساحة اكبر من بقية المساحات للاحزاب السياسية الكردستانية الاخرى، للسنوات الاربع القادمة في برلمان وحكومة بغداد، ولا شك ان هذا الزخم سيحمله اعباء مسؤوليات كبيرة بخصوص مطالبة الكرد بحقوقهم وبشأن معالجة القضايا العالقة بين حكومة الاقليم في اربيل والحكومة الاتحادية في بغداد.

ولبيان الاسباب التي تقف وراء النتيجة البيانية للممثلين البرلمانيين في اربيل، فاننا نستعرض اسباب فوز مرشحي الديمقراطي، واسباب اخفاق مرشحي الاتحاد، بسطور موجزة لاهميتها على الساحة السياسية والاعلامية في اقليم كردستان، وبالنسبة للديمقراطي الكردستاني، فاننا نرى ان الاسباب تعود الى مايلي:
اولا: اهتمام الحكومة السابقة برئاسة نيجيرفان بارزاني بمحافظة اربيل، وتقديم مشاريع خدمية لمواطني المحافظة، في مجالات كثيرة متعلقة بمياه الشرب والكهرباء والمواصلات والتعيين وتنظيم المدينة وغيرها من الاعمال والخدمات التي لها تماس بحياة المواطنين.
ثانيا: الادارة الجيدة للحكومة المحلية في اربيل برئاسة محافظها ومسؤول فرع الحزب الديمقراطي، والمتابعة المباشرة لرئيس الحكومة السابقة ونجل رئيس الاقليم المسؤول عن وكالة حماية كردستان للقضايا والشؤون الخاصة بالمحافظة.
ثالثا: احتفاظ الديمقراطي الكردستاني، بوحدته الحزبية، وكتلته الموحدة، وطرح وجوه غير مكررة او مستنسخة عن وجوه سابقة، جعل من ثقة المواطن في اربيل ان تنحاز بنسبة اكبر اليه، ادراكا منه باهمية هذه المسألة في توحيد الموقف السياسي تجاه القضايا العالقة في بغداد التي تهم حقوق الشعب الكردستاني.

أما بالنسبة لاسباب اخفاق الاتحاد الوطني في اربيل، فهي تعود الى ما يلي:
اولا: طرح وجوه شخصيات مكررة طيلة العقدين الماضيين للاتحاد الوطني من قبل السكرتير العام، وفشل هذه الشخصيات في كسب ثقة المواطن في اربيل لعدم امتلاكها الامكانية والقدرة على ذلك، وغياب الحضور السياسي والاداري للاتحاد في المحافظة خلال العقد الماضي بسبب الصراعاة السابقة بين الحزبين الرئيسين على السلطة في الاقليم.
ثانيا: ادارة الحملة الانتخابية بنفس الطريقة التي اديرت بها الحملة الدعائية في السليمانية، وعدم ادراك القيادة السياسية للاتحاد الوطني بالسيكولوجية المميزة باهالي اربيل، والمتسمة بالهدوء والحكمة وعدم الانفعالية وعدم التعامل على اساس ردة الافعال وعدم الانجرار وراء المظاهر الاعلامية الصاخبة.
ثالثا: الاعلام الانفعالي الذي تبنته الاجهزة الاعلامية للاتحاد الوطني من خلال ردود الافعال المتبادلة مع اعلام حركة التغيير، ترك على الحالة النفسية للمواطن في عموم اقليم كردستان تأثيرا سلبيا كبيرا معاكسا للاتجاه الايجابي للاعلام، بسبب الاهتمام بقضايا وامور صغيرة تنطبق عليها قول المتنبي وتعظم في عين الصغير صغائرها، وهي امور لم تكن ضمن مساحات اهتمام المواطن الكردستاني.

هذه هي الاسباب التي نراها رئيسية لفهم الواقع الجديد الذي اخذ طريقه الى الساحة السياسية الكردستانية، لبيان واقع المكونات النيابية للتحالف الكردستاني في اربيل، عاصمة الاقليم الفيدرالي، وهي مستنبطة من واقع الرؤية المستخلصة من التعامل المباشر والتماس مع الاحداث وصانعيها، للتفاعل مع الوقائع السياسية التي تشهدها الساحة في اقليم كردستان والعراق.

ولكن بالرغم من طرح هذه الرؤية لتحليل الحدث السياسي الانتخابي في الاقليم، فان الرؤية الاكبر التي يمكن استنتاجها من واقع التغيير الحاصل في المشهد الكردستاني، هي ان الاتحاد الوطني جابهته وقفة مصيرية ناتجة عن ازمة سياسية يعاني منها نتيجة خروج مجموعة حركة التغيير منه، وهذه الحركة تمكنت من حجز مساحة نفوذ لها في مناطق نفوذ الاتحاد، ولكنها ما زالت بعيدة عن مناطق نفوذ الديمقراطي الكردستاني، وهذه الوقفة تدفع بالاتحاد ان يستريح استراحة محارب طيلة اربع السنوات القادمة، لاعادة حساباتها وفق رؤية جديدة بعيدة عن الشعارات والمؤتمرات المزخرفة، وبالرغم من ما تعرض له الاتحاد في انتخابات البرلمان الكردستاني في تموز الماضي، من كبوة سياسية كبيرة، الا ان المشهد الجديد في انتخابات مجلس النواب، يفتح بابا واسعا للامال ليجدد الاتحاد الوطني نفسه بعد ان اثبت انه مازال حزبا حيا واتحادا قويا، لا يمضي بمجرد حركة للرياح التي تزيح السيقان والاشجار الفارغة في بنيانها، ومازال يمتلك القدرة على البقاء والثبات في مواقفه ونضاله السياسي، ولكن ضرورات احداث الواقع السياسي، تلزم على الاتحاد الوطني ان يعتمد في تجديده على محورين رئيسين:
الاول: هو ابعاد بعض الشخصيات التي صارت مضرة للاتحاد فلم تجلب له سوى الضياع والخسران، وترك حرية العمل للقيادة الجادة والمخلصة التي انقذت الاتحاد الوطني مرتين خلال مسيرته النضالية.
الثاني: طرح وتبني رؤى وبرامج ومشاريع سياسية واجتماعية واقتصادية على مستوى الحزب اعتمادا على الكتلة المالية للاتحاد التي تتحكم بها الامين العام وعائلته مثلما تشير اليها بعض التقارير الصحفية الكردية، على ان تكون تلك المشاريع لها تماس مباشر مع اعضاء الحزب وانصاره واصدقائه جميعا، تعود بالنفع العام المباشر لهم، اعتمادا على نهج فكري عملي يمكن استنباطه من الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعب الكردستاني. ويمكن الاستفادة من نفس هذه الفكرة من قبل الديمقراطي الكردستاني لاعضائه وانصاره، وتشير التقارير الاعلامية الكردية ان الديمقراطي يملك كتلة مالية اكبر بكثير مما يملكه الاتحاد، يمكن استثمارها لصالح المواطنين في الاقليم.

هذا باختصار، رؤية موضوعية طرحت من باب الاسناد الى الواقعية، حملت تحليلا لمشهد سياسي متعلق بنتائج الانتخابات للبرلمان العراقي من واقع الحدث الانتخابي في الاقليم، نأمل ان تكون نافعا لكل سياسي يهمه الامر في اقليم كردستان.

* رئيس تحرير مجلة بغداد


نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست


چەند بابەتێکی پێشتری نووسەر




کۆمێنت بنووسە