سقوط الموصل قراءة تحليلية
Saturday, 14/06/2014, 12:00
سقطت الموصل ثاني اكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد في العاشر من يونيو الحالي بيد مسلحين حملو رسميا و اعلاميا اسم قوات داعش اختصارا لما تسمى بالدولة الاسلامية في العراق و الشام. ان الكيفية التي سقطت بها الموصل و من دون قتال يذكر ادهش العالم نطرا لحجم القوات العراقية الامنية في المدينة، بمختلف صنوفها من جيش و شرطة و غيرها! تسارعت الاحداث و تناقلت الاخبار بسرعة البرق عما يمكن فهمه وتسميته بانهيار الجيش العراقي اولا و الدولة العراقية ثانيا.
كمراقب للوضع السياسي و الامني في العراق اذهلتني امور اخرى غير اخبار السقوط و الانتشار "الداعشي" السريع الذي لا يمكن فهمه في قوته العسكرية الجبارة التي نزلت عليه كوحي من السماء بين ليلة و ضحاها!
اولى هذه الامور هو تناغم الحملة الاعلامية المحلية و الاقليمية الشرسة مع نجاحات داعش على الارض، و اذا ما اضفنا هذا الى تحركات و سلوكيات المشهد السياسي العراقي نفهم ان ثمة شيء ما يدور خلف الكواليس ...ثمة ما هو اكبر من داعش نفسها و انتصاراتها الميدانية.
الكل يعلم جيدا ان داعش لا تملك ادنى مقومات الاحتفاظ بهذه المناطق الشاسعة ناهيك عن عدم قدرتها في ادارة هذه المناطق، و لا ننسى ان هذا التنظيم لا يملك شعبية لدى السواد الاعظم من السنة قبل الشيعة. بدون شك ان المشهد السياسي العراقي شائك و معقد تتقاطع و تلتقي فيه المصالح السياسية عبر استقطابات سياسية غريبة عجيبة، ثم تمتد هذه المصالح الى عمق العراق الاقليمي في دول جوار اقل ما يقال عنها اتخذت و لا تزال تتخذ من العراق كبش فداء لتناحراتها السياسية.
المشكلة في فهم ما حدث في الموصل و تباعا في كركوك و ديالى و صلاح الدين ان، المرء بامكانه توجيه اصابع الاتهام الى اكثر من جهة محلية و اقليمية و بنفس القدر من المنطقية تقريبا. بمعنى اخر فان مشهد الاحداث الاخيرة يحتمل اكثر من سيناريو.
لنبدء بسيناريو السيد نوري المالكي الفائز الاول بقائمته ائتلاف دولة القانون، هناك من يقول ان له مصلحة في خلط الاوراق لتجاوز عقبة و جبهة الممانعة في وجه الولاية الثالثة له. طبقا لهذا السيناريو سيدخل في مرحلة اعلان حالة الطواري و يجهض بها المقاومة السياسية التي بدئت تتشكل من الشيعة قبل الكورد و السنة. يضاف الى هذه القراءة ان هناك خط شيعي عام يتجه نحو ترك وجع الراس السني الكوردي و العربي و الاتجاه نحو تاسيس الدولة الشيعية و حدودها الشمالية تشمل سامراء. و اذا ما امنا بسيناريو السيد المالكي لا يمكن عندها التغاضي عن ان يكون له فيه رسالة الى معارضيه من الشيعة في المجلس و التيار الصدري ليسبقهم الى التنازلات و المساومات السياسية للكورد و السنة، ناهيك عن وضعهم امام امر واقع لرص الصف الشيعي حوله امام تهديد امني خطير بات يهدد مقدساتهم في عقر دارهم في كربلاء و النجف!
بمجرد نشر الخبر و نزوح نصف مليون موصلي تحركت قوات البيشمه ركه لتعيد رسم حدود تواجدها الجغرافي في كركوك و ديالى و الموصل بشكل يمكن تسميته بحسم ملف المادة ١٤٠ لصالح الاقليم كامر واقع. هذا مكسب كوردي تاريخي بكل المقاييس و سيشكل بكل تاكيد خطوة و عاملا مهما من عوامل اعلان الدولة الكوردية سرعان ما يتحقق الدعم الدولي لذلك و هنا لا بد من الاشارة الى توقيت الزيارة الطويلة لفخامة رئيس الاقليم مسعود البارزاني الى دول الاتحاد الاوروبي.
سيناريو العرب السنة و بعض من قياداته التي لم تحقق نتائج انتخابية على مستوى طموحاتها كمتحدون للاصلاح الذي بدء عليها علامات التفكك لصالح المالكي في انشاء حكومة الاغلبية السياسية، اي ان خلط الاوراق تصب في مصلحة هذه القوى السياسية التي خسرت جزءا كبيرا من نفوذها السياسي. ما يعزز هذا الراي هو خلو شوارع الموصل بعد يوم من الداعشيين الذين و كان الارض قد ابتلعتهم لنرى ما يسمون بمسلحي ثوار العشائر المنتفضة ضد المالكي! و ما هروب السيد اثيل النجيفي الى اربيل سوى مسرحية رديئة يراد منها ذر الرماد في العيون!
الاتراك: انا الراي عندي بان لتركيا دورا كبيرا و حاسما في الاحداث الاخيرة بما في ذلك سقوط الموصل و ما قضية احتجاز الدبلوماسيين الاتراك و القنصل التركي في الموصل الا تمثيلية بائسة يراد منها اولا صرف الانظار و الشبهات عن تركيا و ثانيا لاعطاء تركيا ذريعة شكلية لكسب دعم الناتو في تدخل تركي عسكري في العراق عموما و الموصل خصوصا، و هنا نعني ولاية الموصل التي تشمل اضافة الى محافظة نينوي و دهوك ايضا كل من اربيل و كركوك و السليمانية، في المفهوم و الطموح التركي الذي لم يمت يوما في استرجاعها على اساس انها ولاية مستقطعة منها غدرا !!!
الخليج: بدون شك للخليج و السعودية مصلحة و هدف في اضعاف الدولة العراقية اية كانت قيادته سنية ام شيعية، و الخليج بقيادة السعودية قد اثبت هذا سابقا في اسقاط البعث القومي و ها هي السعودية اليوم تلعب دورا رئيسيا في ضعضعة اوضاع العراق "الشيعي" و لا ننسى دورها في سوريا، و كل هذا خدمة لتعزيز امنها القومي من الخطر الفارسي الايراني.
الكورد: الكورد يجدون انفسهم في موقف شائك و صعب فمن جهة انها فرصة ذهبية لضم مناطق ما تسمى بالمادة ١٤٠ و في مقدمتها كركوك النفطية ، و هذا ما قاموا به فعلا ليضيفوا مكسبا سياسيا كبيرا و مهما جدا الى مكاسبهم السابقة و ليعززوا موقعهم التفاوضي المستقبلي بخصوص مستقبلهم مع بغداد في خياراتهم بين التحول الى الكونفيدرالية و الاستقلال التام اعتمادا على الموقف الدولي من الاستقلال. كل المعطيات تشير الى ان الكورد مرة اخرى يخرجون من المعمعات العراقية كطرف رابح وحيد.
السنة: هل انخدعوا السنة مرة اخرى في اللعبة السياسية؟ انا براي الشخصي هذا هو السؤال المهم و انني على يقين بان الايام القليلة القادمة ستكشف لنا ملامح الاجابة على هذا السؤال. السنة يعلمون جيدا ان مسالة التعايش مع الاكراد مسالة مجربة سابقا و انهم في الحقيقة اشد مقاومة لطموح الكورد اذا ما سنحت لهم اقل فرصة لذلك و يعلمون جيدا ان الكورد يدركون ذلك بعمق. و هاهم او على القل بعض قياداتهم السياسية الكارثية تريد القضاء على كل الفرص للتعايش مع الشيعة في وطن واحد و هم اي السنة في النتيجة سيجدون انفسهم في احضان تركيا المعروفة بتاريخها الطويل في قهر الامم و الشعوب الاخري. اذا كانت كوردستان لها وضعها الخاص جغرافيا تاريخيا اجتماعيا و ربما الاهم اقتصاديا في امكانيتها في العيش كدولة مستقلة لا ارى اين هي امكانيات سنة العراق من العرب في اقامة دولتهم المستقلة؟ او حتى اقاليمهم؟
ان القيادات السياسية السنية لم تجلب على المكون السني سوى الاخفاقات و ذلك بسبب عدم امتلاكها لقرارها السياسي بحد ادنى من الواقعية و المقبولية بل جعلت من نفسها تابعة الى هذه الجهة او تلك. محليا بدئت بمعاداة الكورد و الاقليم فخسرت في رهانها امام التلاحم الكوردي الشيعي، فرجعت و راهنت محليا على الكورد في اسقاط اكبر و اقوى فصيل شيعي في العراق، و المصيبة ان الكورد كانوا يدركون جيدا ما هو ممكن من غير الممكن من ذلك المشروع بينما وقعت القيادات السنية في الفخ السياسي. لكي نفهم هذا علينا ان نتخيل المشهد السياسي لقادم الايام حيث يتم دحر الداعشيين و بكل تاكيد لن يتراجع الكورد عن مواقعهم الجديدة، و ان مشاكلهم مع بغداد في اهمها قد انتهت و قدم لهم الحل على طبق من ذهب، و الحليم يفهم من الذي خرج من المولد من دون حمص!
الشيعة: على ساسة الشيعة ان يراجعوا حساباتهم و ان يتخلوا من ثقافة المظلومية و الثار التاريخي ...فعلى سبيل المثال لا يليق بجيش يفترض به ان يكون وطنيا ان يكون له سلوكيات مذهبية، اذ و للاسف الشديد وجدنا مشاهد راقصة لجنود عراقيين في الانبار "شيعة" يرددون هتافات و شعارات نصر تحتوي على مفردات مرفوضة تماما ...لانها تنم عن الثارات المذهبية و هذا امر يعاب عليه كل القيادات العراقية الشيعية، السياسية و العسكرية. على الشيعة ان يثبتوا انهم قادرون على ادارة الدولة على اساس المواطنة بعيدا عن السلوكيات الطائفية بكل اشكالها. على الشيعة من سياسيين ان يخففوا عن كاهل السياسة ببعض من الدين و ان يهتموا بعض الشيء باليوم و الغد اكثر من الامس و ان يتحرروا من عقدة المظلومية التاريخية و ان يستفيدوا من اخطاء ايران التي باتت تدرك حجم خطئها السياسي و تحاول الخروج من ازمتها السياسة. ففي مصلحة شيعة العراق ان يتالفوا و يتعايشوا مع الاخرين و خاصة السنة من ان يصبحوا تابعين لايران الفارسية قبل المذهبية.
هناك بدون شك ثمة التقاء مصالح في ما حدث مؤخرا في العراق، و سقوط الموصل تحديدا....و اذا اردنا تلخيص الراي بامكاننا القول ان هناك مشروع اقليمي سني بقيادة تركيا ويشمل العرب و الكورد اضافة الى الاتراك، يواجهه مشروعا سياسيا اقليميا شيعيا بقيادة ايران و يشمل كل من العراق الشيعي و سوريا و كل من الجنوب اللبناني بزعامة حزب الله، و حركة حماس الفلسطينية.
لا اظن اننا نخطأ في القول بان المحور السني مني بهزيمة كبيرة في سوريا بعد المبادرة الروسية المشهورة في سحب البساط من تحت اقدام الامريكان في تحقيق حلم المحور السني باسقاط سوريا، الامر الذي اذا ما كان قد تحقق لكان بداية انهيار المحور الشيعي. هذه الهجمة الاخيرة و سقوط الموصل ما هي الا محاولة من المحور السني لاعادة الكرة على المحور الشيعي ، هذه المرة في توجيه الضربة القاضية الى العراق عموما و الشيعي خصيصا و ذالك بازالة المالكي كقيادة سياسية شيعية لطالما وقفت حجر عثرة في طريق تحقيق المشروع السني التركي الخليجي. ما يعزز راينا هذ هو ان هذا الامر لم ينطلي على ايران و المرجعيات الشيعية التي سارعت الى دعوة الشعب الى التطوع في صفوف الجيش و تصريحات الرئيس الايراني بان ايران لن تقف مكتوفي الايدي تجاه ما سماه بالعنف و الارهاب في العراق.
نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست